رغم إعلان بغداد انتهاء الحرب ضد التنظيم المتطرف عقب استعادة آخر مدينة مأهولة كان يحتلها، يشير خبراء إلى أن مسلحين متطرفين ما زالوا كامنين على طول الحدود المعرضة للاختراق بين العراق وسوريا وفي مخابئ داخل مناطق واسعة من الصحراء العراقية.
وتشهد المناطق الواقعة في محيط كركوك وديالى شمالا تدهورا أمنيا، حيث لا يزال المتطرفون قادرين على نصب حواجز وهمية وخطف عابرين. ويحذر خبراء من وجود خلايا تختبئ في مناطق صحراوية، خصوصا عند الحدود مع سوريا، أو في جبال حمرين وصحراء العظيم، حيث يصعب على القوات العراقية فرض سيطرتها، فيما يثير مخاوف من عودة المتطرفين.
ولكن رغم هذه التحذيرات من خطر «داعش» فإن قيادات عسكرية وسياسية تصر على أن قوة هذا التنظيم
الإرهابي قد انتهت فعليا في العراق. وأكد القائد في جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي
انتهاء «داعش» كتنظيم مسلح يملك مقار ومواقع ودواوين للأبد، وشدد على أن ما تبقى منه مجرد مجموعات محدودة جدا. وقال الساعدي، في اتصال مع وكالة الأنباء الألمانية: «رغم محدودية هذه العناصر وعملياتها، إلا أنها تسعى لإحداث أكبر قدر من الصدمة بالشارع العراقي... حيث تركز هذه العناصر على تنفيذ عمليات خطف وقتل لمدنيين عزل من مناطق حدودية ونائية في أغلب الأوقات من أجل إيهام الناس بأن التنظيم مستمر وله وجوده».
وشدد الساعدي في الوقت نفسه على أن «أي مراقب للمشهد العراقي يدرك أنه لا يمكن فصل الوضع السياسي بتجاذباته عن الوضع الأمني»، مشيرا في هذا الصدد إلى عدم استبعاده لجوء بعض الكيانات السياسية، وما يتبعها من فصائل للتضخيم من خطر «داعش» لتبرر استمرار تمسكها بالسلاح، وقال: «بالتأكيد هناك مصالح
في هذا الصدد... ولكن العراقيين يعرفون جيدا أن الوضع الأمني مستقر جدا عن السنوات الماضية، وبالتالي لن تنطلي عليهم أي حجج».
واستنكر الساعدي بشدة ما يزعمه البعض من أن الرغبة في إعلان النصر السريع على «داعش» قد مكن أعدادا من عناصره من الهرب، ومن ثم ترتيب صفوفهم والعودة مجددا لتنفيذ هجمات، وشدد على أن «هذا ليس صحيحا... فمعركة الموصل استغرقت سنة تقريبا وليس يوما أو شهرا، أي أن المعركة لم تكن سريعة أو تم حسمها على عجل».
إلا أنه أقر باحتمال فرار عناصر من التنظيم خاصة من العراقيين خلال عمليات نزوح المدنيين وتحديدا من الموصل وقضاء الحويجة، وقال: «ربما تمكن جزء من الدواعش من الهرب حينذاك، ولكن هذا مرجعه بالموصل إلى أن
قوات الأمن لم تكن لديها معلومات كافية عن انتماءات النازحين، بعدما ظلت المدينة تحت قبضة «داعش» لنحو عامين... لكن مع انطلاق العمليات بدأت الأمور تتضح لدينا بعد تعاون الكثير من الأهالي في الإرشاد عن عناصر التنظيم... وربما تمكن البعض أيضا من الهرب خلال تحرير قضاء الحويجة لأن بعض المناطق بين تكريت والحويجة هي مناطق صحراوية وعرة... لكن هذا ليس سببا للتشكيك في مسار كل العمليات».
وردا على المشككين في عدد قتلى التنظيم خلال معارك التحرير أو حتى من تم توقيفه من عناصر التنظيم، قال: «صورنا الآلاف من جثث عناصر التنظيم، ولكن لا يمكننا كجهات أمنية عرضها بالإعلام لتَعارض ذلك مع حقوق
الإنسان... كما أن المئات من عناصر «داعش» يمثلون حاليا أمام القضاء، والبعض صدرت بحقهم أحكام بالفعل».
وتابع: «لا ننشر كل ما نقوم به بالإعلام، فالأجهزة الأمنية على اختلافها تقوم بعمليات استباقية كثيرة لضرب مخططات بقايا هذا التنظيم، ولا يتم الإعلان عنها». وحول تقديره للأعداد المتبقية من «داعش» ومصادر تمويلهم وتسليحهم ومواقع تمركزهم، قال الساعدي: «لا يمكننا إعطاء أرقام ولو تقريبية... لكنهم بكل الأحوال مجموعات متفرقة أعدادهم قليلة جدا، فطبيعة العمليات التي تجري حاليا تدل على أن العناصر المنفذة لها في كل مرة لا يزيدون على العشرة أو الخمسة عشر، وهم لا يحتاجون لتمويل كبير لتنفيذ تلك العمليات».
واستطرد الساعدي: «أما السلاح، فربما لا يزال لديهم بعض المخابئ والأنفاق، فقد سيطروا على مساحات واسعة من البلاد لفترة غير قليلة»، مشيرا إلى أنهم «يتمركزون بمناطق صحراوية وعرة كمناطق غرب سامراء وشرق الأنبار والمنطقة الواقعة بين صلاح الدين وتكريت، والتي تضم سلسلة جبال حمرين».
من جانبه، دعا قائد عمليات ديالى الفريق الركن مزهر العزاوي الجميع وتحديدا وسائل الإعلام لعدم المبالغة بشأن ما تقوم به المجموعات المتبقية من التنظيم أو تصوير الأمر وكأن العراق يعود إلى مربعه الأول في مواجهته.
واعتبر العزاوي أن المبالغة الإعلامية في التركيز على ما يقوم به عناصر التنظيم من حوادث «يحقق الهدف الرئيسي الذي يسعى إليه هؤلاء الإرهابيون وهو الإيهام باستمرار قوة تنظيمهم الرئيسي، وهو ما ليس حقيقيا على الإطلاق».
وتابع: «تنظيم داعش انتهى في معارك التحرير... وما تبقى من عناصره يتحصنون بأماكن حدودية نائية وجبال وكهوف... لا حاضنة شعبية لهم... فأفعالهم الدنيئة كشفتهم أمام الجميع».
من جهته، قلل محافظ صلاح الدين أحمد الجبوري بدرجة كبيرة مما تردد مؤخرا بشأن احتمال تعرض المحافظة لهجوم وشيك من قبل عناصر «داعش». وقال: «الوضع الأمني جيد جدا بالمحافظة، ولكن هناك عناصر متبقية من (داعش) تتواجد بمناطق تماس حدودنا مع محافظات أخرى أو في الجبال والمقابر... وهذا ما دفع بعض قيادات مجلس المحافظة للتخوف من أن تقوم هذه العناصر بمهاجمتنا». واستطرد: «لكن بتقديري، تم تضخيم المخاوف بدرجة كبيرة، إذ لا يوجد خطر محدق نتعرض له... فمن ناحية، يفرض الأمن سيطرته ويتخذ ما يلزم ليظل
ممسكا بزمام المبادرة في المباغتة، ومن ناحية أخرى يتعاون المواطنون مع الأمن في الإبلاغ عن أي تهديد».
وشدد: «نحن لم ننكر وجود مشكلة بحدودنا مع أكثر من محافظة مجاورة لنا... ونرى أنها والحدود العراقية السورية تتطلبان المزيد من الجهد العسكري لتفويت الفرصة على أي تسلل قد يحدث بها... وفي الوقت نفسه ندعو الجميع لضرورة إدراك ضخامة مساحة العراق... مساحة صلاح الدين فقط تتجاوز 24 ألف كيلومتر مربع... وهذا يشكل عبئا إضافيا على القطاعات الأمنية المختلفة. ومع ذلك، هي تقوم بأكثر مما في طاقتها وتحبط الكثير من الضربات الإرهابية».
أما رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، والمقرب من العبادي، فيرى أن ما تبقى من مجموعات تابعة لـ«داعش» قد كثفت عملياتها لإضافة المزيد من الإرباك للوضع الداخلي المتوتر أصلا جراء التجاذبات التي تشهدها الساحة العراقية منذ الانتخابات التشريعية. واستنكر الشمري سعي جهات سياسية لتوظيف الحوادث الإرهابية لخدمة مصالحها السياسية. وقال إن البعض «يحاولون إضعاف الأمن والدولة عبر تضخيم الحوادث»، ملمحا إلى احتمال ارتباطهم بأجندات خارجية. وتابع أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد: «كلما اقتربنا من تحديد اسم رئيس الوزراء القادم، فقد نفاجأ بمزيد من التهويل، حول تدهور الوضع الأمني، من قِبل قوى سياسية فشلت في الوصول للناس عبر الانتخابات الأخيرة أو من قوى لها مطامع بمنصب رئيس الوزراء». واعتبر أن «الهدف من هذه المبالغات هو إظهار عجز الدولة بقيادتها الحالية، أي (حيدر) العبادي، عن مجابهة تلك العصابات الإجرامية... أي أنه إسقاط سياسي يستهدف شخص العبادي، لأنهم جميعا يعرفون أنه الأوفر حظا للفوز بمنصب رئيس الحكومة العراقية الجديدة».
قادة أمنيون وسياسيون يصرون على أن قوة «داعش» انتهت
رغم التدهور الأمني وعودة عمليات القتل والخطف في بعض المناطق
قادة أمنيون وسياسيون يصرون على أن قوة «داعش» انتهت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة