«إخوان مصر» بلا أنياب بعد 5 سنوات «خلف القضبان»

حراك «الجماعة» توقف... وأذرعها المُسلحة تآكلت... ومصادر دعمها جُففت

«إخوان مصر» بلا أنياب بعد 5 سنوات «خلف القضبان»
TT

«إخوان مصر» بلا أنياب بعد 5 سنوات «خلف القضبان»

«إخوان مصر» بلا أنياب بعد 5 سنوات «خلف القضبان»

أين جماعة «الإخوان» الآن بعد 5 سنوات من إطاحتها من السلطة في مصر؟ وماذا تفعل قياداتها الهاربة والباقية خارج السجون؟ ماذا عن حراكهم السياسي في الشارع؟
أسئلة وجهناها إلى متابعين متخصصين في شؤون الحركات الإسلامية في مصر بمناسبة الذكرى الخامسة لـ«ثورة 30 يونيو (حزيران)»، التي أطاحت بحكم جماعة «الإخوان» المُصنفة اليوم تنظيماً إرهابياً في مصر. والتقت الإجابات على اعتبار أن «الجماعة باتت بلا أنياب» وعلى أن «بنيتها التكوينية تنهار». ومن جهة ثانية، قال أحد الخبراء الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، إن «جهود الجماعة الآن ترتكز على رعاية السجناء وأسرهم ومحاولة إشاعة حالة من اليأس لدى المصريين».

أعلنت الحكومة المصرية جماعة «الإخوان المسلمين» تنظيماً إرهابياً في أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2013، ومن ثم لم يعد لها مقر للقيادة، وصارت جميع مقراتها تخضع للحكومة. كذلك قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة خلال العام نفسه بحظر جميع أنشطة «الإخوان»، وأي مؤسسة متفرعة عنها أو تابعة لها، أو تتلقى منها دعماً مالياً.
من جهة أخرى، تقبع غالبية قيادات «الإخوان» راهناً داخل السجون، بينهم الرئيس المعزول محمد مرسي، والمرشد العام محمد بديع، ونائباه خيرت الشاطر ورشاد البيومي، والقياديان البارزان محمد البلتاجي وعصام العريان، والآلاف من الأعضاء. بيد أن الجماعة، تسعى بعد 5 سنوات «خلف القضبان» للتماسك والعودة إلى المشهد السياسي عبر «مُبادرات صلح» مثيرة للجدل، كما تهدف إلى لم شتاتها، عقب إزاحتها من السلطة، إثر مظاهرات حاشدة ضد حكم مرسي. أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «لم يؤثر حدث في الإخوان كما أثرت ثورة 30 يونيو التي خلعتهم من الحكم، وكان من ضمن هذا الخروج تشظي الجماعة، ولم تقف الأحداث عند هذا الحد؛ بل تجاوز الخلاف حول جملة المقولات التأسيسية للجماعة، لتغيير شكل الجماعة التي كنا نعرفها قبل 30 يونيو عام 2013 ومع ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011».
وتابع بان شرحه: «هناك انهيار في البنية التكوينية للجماعة. إذ إنها تشظت إلى 3 مجموعات؛ الأولى مجموعة ما زالت تحلم باستعادة شكل الجماعة القديم، كجماعة شاملة تعمل في الدعوة والسياسة والتجارة، وتناوش من وقت لآخر للوصول إلى الحكم كلما سمحت الظروف بذلك. ومجموعة ثانية راهنت على فكرة العنف واقتربت من تنظيمات متطرفة مثل (داعش) لتنفيذ ذلك، وظهر هذا بقوة مع مجموعة القيادي الإخواني محمد كمال (مؤسس الجناح المسلح للجماعة ولجانها النوعية. ولقد قتل كمال في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2016)، وتعد حركة حسم أحد إفرازات العنف. فضلاً عن مجموعة ثالثة لا ترى خيراً في المجموعتين السابقتين، وترى أن الجماعة يجب أن تُحل».
ما يستحق الإشارة أنه عقب وصول الجماعة إلى الحكم وخروجها منه، كانت هناك أجنحة لم تقبل هذا الخروج، وبالتالي، ظهرت مجموعة «العمليات النوعية» بقيادة محمد كمال، وظهرت أيضاً في ذلك الحين «حسم». وسبق أن رفع شعار «حسم» مجموعات تابعة للجان نوعية تشكلت من شباب الجماعة بعد فض اعتصامين لأنصار الجماعة في ميداني «رابعة العدوية» بضاحية مدينة نصر شرق القاهرة، و«النهضة» في الجيزة بغرب القاهرة خلال أغسطس (آب) عام 2013.
ولفت بان، إلى أن «جهود الجماعة الآن تركز على رعاية السجناء وأسرهم، ومحاولة إشاعة حالة من اليأس لدى المصريين، واللعب على ورقة الأسعار والرهان عليها، فـ(الإخوان) الآن في دائرتي الانتظار و(الكمون) لانطلاقة جديدة».

- جبهتا كمال وعزت
من جانبه، قال صلاح الدين حسن، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إنه في الوقت الراهن فإن وضع الجماعة «غير معروف للباحثين والمتابعين لشأنها الهيكلي التنظيمي الحالي، وغير معروف من هو مرشد الجماعة أو القائم بأعمالها، وغير معروف مجلس الشورى الجديد لها، وذلك لأن غالبية مجلس الشورى القديم في السجون». وتابع: «بطبيعة العقل التنظيمي للجماعة تحاول كل فترة تكوين مكاتب إدارية في محافظات مصر أو مكتب تنفيذي يحل محل مكتب الإرشاد، لكن الأمن وجه ضربات لهذه الهياكل الجديدة، فالجماعة في حالة (هرجلة تنظيمية) داخل مصر، وتعرّضت بعد 30 يونيو وظهور التنظيمات المسلحة إلى حالة من الانشطار. هناك مَن كان يؤيد فكرة العنف مثل محمد كمال، وهناك جبهة محمود عزت، نائب المرشد (هارب) التي كانت على خلاف كبير مع جبهة كمال، واتهمته بأنه يحاول السيطرة على الجماعة ويسعى لأن يكون المرشد الجديد ما أدى إلى إضعاف الجماعة، فضلاً عن مساعٍ من جبهة كمال للاستحواذ على نسبة كبيرة من عناصر الإخوان، مثل الادعاء بأن 70 في المائة من عناصر الجماعة انحازت لجبهة كمال».
وفي حين يشير مراقبون إلى أن «القاسم المشترك بين الجبهتين (كمال وعزّت) أن قياداتهما هاربون للخارج، ويقيمون ما بين تركيا وقطر ودول أوروبا مثل بريطانيا والنمسا»، يلفت صلاح الدين حسن إلى أن التنظيمات المنبثقة عن «الإخوان» الآن تعرضت لضربات شديدة استفادت منها جبهة عزت. وبالتالي، تحاول مع وجود أجهزة مخابرات خارجية السيطرة على عمليات العنف داخل مصر، لماذا؟ لأن لديها وجهة نظر أن الاستمرار في القتال المسلح سوف يقضي على «الإخوان» إيماناً منها ببقاء التنظيم في المشهد... لكن الجماعة تعاني من «الهرجلة» في الداخل والخارج، واعتمدت على إحداث نوع من الصخب والمعارضة، حتى لا تتعالى صيحات النقد لقيادات الجماعة التي تسببت في إلقاء قيادات الصف الأول والشباب في السجون بسبب الصدام مع الدولة المصرية.
ويستطرد حسن في شرحه قائلاً إن الجماعة «تحاول الآن الخروج من (النفق المظلم)، وليس لديها الآن مجال للدخول في مفاوضات مع الدولة، لأن السلطات المصرية تشترط أن تكون المفاوضات من دون شروط. والجماعة إلى وقت قريب كانت ترفض ذلك، إلا أنها وافقت أخيراً على ذلك، لكن مصر لا تريد أن تعتبرهم جزءاً من الوطن، بل تريد أن يعودوا مواطنين شرفاء».
وعقب «30 يونيو» وما تلا ذلك من أحداث تراجعت جماعة الإخوان خطوة إلى الخلف لتعمل من داخل «تحالف دعم الشرعية» وتحت مظلته، لكسر عزلتها الشعبية حينها، والتأكيد على وجود انقسام بين القوى السياسية في البلاد حول حقيقة ما جرى في يوليو (تموز) بعد عزل مرسي، لكن سرعان ما فشل هذا التحالف.

- قيادات الجماعة
وعن قيادات الجماعة الباقية، قال أحمد بان إن «جبهة محمود عزت ما زالت موجودة ككتلة لا يتجاوز عددها 15 في المائة من الصف الإخواني، فضلاً عن القيادات التي سيطرت على مكاتب الإخوان في ربوع مصر». وهنا يشير حسن إلى أن «مكان محمود عزت غير معروف، والبعض يقول إنه في تركيا... وهناك قيادات لم تكن معروفة إعلامياً وكانت في المكاتب الإدارية بالمحافظات في الصفوف الثالثة والرابعة وهي الموجودة الآن، والأمن نجح في تفكيك هذه المكاتب»، لافتاً إلى أن جموع الإخوان خارج السجون يمارسون حياتهم الطبيعية وفي حالة «كمون» كبير، وبعضهم يسعى لتوفير نفقاته الأسرية، والبعض الآخر يحاول الاستجابة لأوامر قياداته ويتعرضون للتوقيف والسجن.

- إعلام الخارج
وحول الإعلام الإخواني في الخارج، قال صلاح الدين حسن: «بعد هروب عدد كبير من الإخوان للخارج، فكرت الجماعة في إنشاء فضائيات، لكنها واجهت الإغلاق بسبب المعاناة المالية، وبعض القنوات مثل (الشرق) اشتراها أيمن نور وتعتمد على خطاب إعلامي متطرّف، وتعاني من أزمات مالية. وبالمناسبة الجماعة تدّعي أنها لا تمتلك هذه القنوات مباشرة، وتعتمد فقط على فضائيات ومواقع تحتضن خطابها فقط، وترى الجماعة في هذا الصدد أنها ليست في حاجة لأن تمتلك قنوات إعلامية حتى لا تتحمل مواردها الكثيرة».
أما أحمد بان فيتهم الإعلام الإخواني في الخارج بأنه «عبارة عن مساحة للارتزاق، فهم مجموعات خرجت من مصر ولم يعد لديها ما تخسره، ومتمسكة به عبر هذه المعارضة العابرة للحدود». ويشار هنا إلى أنه طيلة الوقت كانت «الإخوان» لا تمتلك وسائل إعلامية بشكل مباشر، حتى قبل «25 يناير»، ما دام أن هناك من يستطيع تبني خطابها الإعلامي.
وقبل أيام أدرجت محكمة مصرية إعلاميين موالين لـ«الإخوان» مقيمين خارج مصر؛ هم معتز مطر ومحمد ناصر وحمزة زوبع ووجدي غنيم على قوائم التنظيمات الإرهابية... واتهمتهم المحكمة بتشكيل «جناح تنظيمي» للجماعة عبر حركة «حسم» يتكون من 3 لجان؛ الأولى تضطلع بمسؤولية العمل النوعي المسلح داخل البلاد، والإشراف على مجموعات الرصد وجمع المعلومات وإعداد وتصنيع العبوات الناسفة، وأساليب الاغتيالات وحرب المدن ومجموعات التنفيذ. والثانية اللجنة المالية التي تتولى الدعم المالي واللوجيستى لعناصر التنظيم. والثالثة اللجنة الإعلامية التي تتولى التغطية الإعلامية للتنظيم وتشكيل خلايا لجان إعلامية وإلكترونية تعمل بشكل فردي سرّي تلافياً للرصد الأمني، وتضطلع بنشر الأخبار الكاذبة والمغلوطة لإثارة وتحريض المصريين على التجمهر.

- النصر على «حسم»
في سياق موازٍ، خلال فبراير (شباط) الماضي، أدرجت الولايات المتحدة الأميركية حركتي «حسم» و«لواء الثورة» على قائمة المنظمات الإرهابية... وسبق هذه الخطوة قرار بريطاني في ديسمبر الماضي بإدراج الحركتين على قائمة الإرهاب، وهو القرار الذي أرجعته بريطانيا لثبوت إدانتهما بالاعتداء على أفراد الأمن المصريين والشخصيات العامة.
وكانت حركة «لواء الثورة» قد أعلنت عن ظهورها الأول في مصر خلال أغسطس 2016، عقب تبنيها الهجوم على كمين العجيزي في مدينة السادات بمحافظة المنوفية في دلتا مصر... وتحت شعار على هيئة رشيش «كلاشنيكوف» متبوعاً بعبارة «بسواعدنا نحمي ثورتنا»، أعلنت الحركة عن نفسها في يناير عام 2014. وعلى الرغم من أن «حسم» وصفت نفسها في البداية بأنها «حركة ثورية» تهدف إلى استعادة روح ثورة 25 يناير، فإنها سرعان ما تحوّلت إلى حركة دموية، وعدلت عن رؤيتها وتبنت أعمالاً تخريبية وعمليات اغتيال.
ويقول مراقبون متابعون إن جماعة «الإخوان» كانت قد اعتمدت منذ نشأتها على التنظيمات السرية للتخلص من خصومها... و«حسم» و«لواء الثورة» محاولتان من «التنظيم الخاص» لـ«الإخوان» لمحاربة مؤسسات الدولة في مصر وضباط الشرطة والجيش.
من جهته، قال عمرو عبد المنعم، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك فارقاً بين «لواء الثورة» و«حسم»... فـ«لواء الثورة» كانت تستهدف رجال السلطة القضائية كرد فعل على الأحكام التي تصدر بحق قيادات الجماعة خصوصاً الهاربين في الخارج، فضلاً عن شنها عمليات انتقامية من بعض أمناء الشرطة، وعناصرها درسوا كتاب «دليل المقاومة» واعتمدوا على «البلاغات الكاذبة» لإرباك السلطات وإثارة الانفلات الأمني.
أما عن «حسم»، فقال أحمد بان إنه «بالنظر إلى المفردات التي استخدمتها الحركة في بدايتها، فإنها لم تخرج عن نطاق تعابير مثل (الثورة والثأر). وكان يبدو أنها لا تنتمي للتنظيمات المتشددة الأخرى التي تنادي بتطبيق الشريعة كـ(ولاية سيناء) مثلاً، فخطابها يتطابق منذ البداية مع خطاب الإخوان... و(حسم) اختارت أهدافاً رخوة مثل استهداف كمين أو مرتكز أمني، لكن أبرز عملياتها تمثلت في محاولتي اغتيال النائب العام المساعد ومفتي مصر السابق علي جمعة». وعن عمليات «حسم» و«لواء الثورة» الآن، قال صلاح الدين حسن، إن «مؤشر عملياتها تراجع. إذ مرّ فترة عام ونصف العام لم تقم خلالها بتنفيذ عمليات داخل مصر، وذلك يدل على نجاح الأمن المصري في توقيف عناصرها».

- يونيو... الاستقرار
في العام الماضي، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمة للمصريين بثها التلفزيون الرسمي بمناسبة ذكرى «30 يونيو» الماضية، إنه بعد سنوات بات صوت مصر مسموعاً، ورؤيتها لإعادة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط موضعاً للتقدير ومحلاً للتنفيذ، وظهرت النيات التي كانت مستترة من بعض الأشقاء (لم يسمِّهم السيسي) وغير الأشقاء على حقيقتها. ثم أضاف: «في مثل هذه الأيام انتفض المصريون بأعداد غير مسبوقة ليسطّروا ملحمة وطنية فريدة عمادها الحفاظ على الوطن، أرضه وهويته واستقلاله وحريته، من قوى تصورت أنها نجحت في السيطرة على مقدرات هذا الشعب».
وتوقف السيسي في كلمته عند مسارين؛ الأول رفض الحكم الفاشي الديني، ورفض الاستئثار بالسلطة، ومواجهة ما يترتب على هذا الرفض من إرهاب وعنف، إذ أعلنت الثورة منذ البداية أن شعب مصر لا يقبل ولن يقبل سطوة أي جماعة أو فئة، وأن الدين لله والوطن للجميع، فرفضت مصر الرضوخ للإرهاب، سواء المادي أو المعنوي، وأمر الشعب قواته المسلحة وشرطته بمواجهة الإرهاب والقضاء عليه. وأردف: «أما المسار الثاني الذي فرضته الثورة، فكان مواجهة القوى الخارجية الداعمة للإرهاب وجماعات التطرف (لم يسمها)، فكانت الثورة بداية لاستعادة مصر لدورها الإقليمي النشط، ومواجهتها للدول التي تسعى في المنطقة خراباً عن طريق تمويل ورعاية الإرهاب وجماعاته»... وسبق أن أعلن عدد من الدول في مقدمتها المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والبحرين قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر لتمويل الجماعات الإرهابية.

... بلا حراك
أما عن حراك «الإخوان» الميداني في الشارع، فقال أحمد بان إن «القائمين على القنوات الفضائية في الخارج يعتمدون على التقاط صورة من شارع خلفي أو حارة أو زقاق في مصر، يتم التقاطها ثم تطييرها إلى القنوات لإظهار أن هناك حراكاً، لكن الحراك هو محض أوهام في هذه الأبواق الإعلامية، والواقع يقول إنه لا وجود لأي حراك على الإطلاق».
ويوافق صلاح الدين حسن على ذلك قائلاً: «لقد فشلت الجماعة تماماً داخل مصر في أي حراك... ومنذ عام 2015 ليس هناك أي حراك احتجاجي، ولم يعد ذات جدوى، وتم رفضه شعبياً قبل أن يُرفض من قبل الدولة، فكان الحراك وقتها من جانب الجماعة فقط، ولم ينضم لها أي شرائح أو تيارات أخرى من المجتمع، وباتت (معزولة)».
وحول مصادر تمويل «الإخوان» الآن، قال حسن: «في الداخل هناك نوع من التكافل بين العناصر الإخوانية، نسبة تُدفع للجماعة مثل السابق، ولجان سرّية تتشكل لمساعدة الفقراء في الجماعة، لكنها بشكل محدود للغاية... أما التحويلات الخارجية فباتت صعبة، ذلك أن الإخوان في حالة مُزرية للغاية، وهم متروكون لأنفسهم في مسألة الدعم، وكل عضو يحاول أن يكفيه دخله الشهري، ولم يعد للإخوان اقتصاد بعد أن تم تجفيف مصادرها... وأيضاً عناصرها في الخارج تعاني من ضائقة مالية».

- مُبادرات «جس النبض» للمُصالحة
> بين الحين والآخر، تتبنى أطراف من قيادات «الإخوان» في الخارج طرح مبادرات، في محاولة لأخذ يد الجماعة للعودة إلى المشهد السياسي.
آخر المبادرات كانت ليوسف ندا، المعروف بأنه المفوّض السابق للعلاقات الدولية لـ«الإخوان»، وهي دعوة وجهها لمرسي من قناة «الجزيرة» القطرية، بالتخلي عن مطالبته بالحكم - على حد زعمه بأحقيته في شرعية الحكم - . وقبله إبراهيم منير، نائب مرشد «الإخوان» الذي قال في مبادرة له، إن «الجماعة مستعدة للتفاوض مع النظام المصري وفقاً لشروط على رأسها إطلاق سراح السجناء وبينهم مرسي»... فضلاً عن مبادرة للمصالحة أطلقها القيادي المنشق عن «الإخوان» كمال الهلباوي، لكنه اعتذر عنها في وقت لاحق.
من جانبه، قال عمرو عبد المنعم، إن «تلك المبادرات الإخوانية مجرد (بالونات اختبار) وعمليات جسّ لنبض الحكومة المصرية كمحاولة لإنجاح فكرة المصالحة، ويطلقها قادة الإخوان من وقت لآخر»، مضيفاً أن «هذه المبادرات والدعوات تزيد من كراهية المصريين للجماعة».
وفي يناير الماضي، قال السيسي عن إمكانية الإفراج عن عناصر «الإخوان»: «نضطر إلى الحزم في التعامل مع من يهدد مصر بالإرهاب... تلك الجماعات هي من بدأت بالخراب والدمار وتسعى لهدم الدولة، ونحن لم ولن نتركهم، وذلك للحفاظ على الدولة»، بعدما أكد أن موضوع المصالحة يبقى بيد الشعب المصري وليس بيد أي سياسي.

- ضربات استباقية للأمن المصري
خاضت وزارة الداخلية المصرية على مدار السنوات الخمس الماضية حرباً مع الأذرع المسلحة لجماعة الإخوان عبر الضربات الاستباقية. وقالت مصادر في وزارة الداخلية إن «أجهزة الأمن نجحت في توجيه ضربات استباقية خصوصاً في المناطق الملتهبة، مثل سيناء، باستهداف العناصر المتطرفة قبل ارتكابها أي أعمال تخريبية تستهدف أمن واستقرار البلاد، فضلاً عن الحملات الأمنية لاستهداف المساكن المؤجرة التي يستخدمها (الإرهابيون) أوكاراً لإدارة أعمالهم الإرهابية، ومعامل لتصنيع المواد المتفجرة في بعض الأحياء الشعبية».
وقبل 3 أيام من ذكرى «30 يونيو»، أحبطت الأجهزة الأمنية مخططاً إرهابياً جديداً، لارتكاب سلسلة أعمال تخريبية تزامناً مع الاحتفالات بالذكرى الخامسة للثورة، باستهداف خلية إرهابية جديدة في صعيد مصر.
وكشفت التحقيقات تردد عناصر متطرفة على منطقة نائية في منطقة الغنايم بمحافظة أسيوط (في صعيد مصر)، وتم استهداف أماكن وجود المتهمين، الذين استشعروا اقتراب الأمن منهم، ففتحوا النيران على قوات الأمن التي بادلتهم الأعيرة النارية، ما أسفر عن مقتل أفراد الخلية الأربعة. وعثرت الأجهزة الأمنية على أسلحة ووسائل إعاشة كانت بحوزة العناصر الإرهابية، وتبين أنهم كانوا يقيمون بالمنطقة بعيداً عن الملاحقات الأمنية، للتخطيط لتنفيذ عدة أعمال تخريبية تستهدف مؤسسات الدولة خلال الأيام المقبلة.
وأشارت المعلومات إلى أن هذه العناصر المتطرفة تتواصل مع القيادات الإرهابية الهاربة بالخارج، وتحصل منها على الأموال لشراء المتفجرات والأسلحة لتنفيذ الأعمال التخريبية بها، فضلاً عن اللجوء للصعيد بعيداً عن المنطقة المركزية للتجهيز لعمليات إرهابية كبيرة، للظهور على المشهد من جديد لكسب ود القيادات الإرهابية بالخارج والحصول على مزيد من المال.
وأكدت المعلومات أن الضربات الاستباقية التي تنتهجها الأجهزة الأمنية أسهمت بشكل كبير في إحباط العمليات الإرهابية قبل وقوعها من الأساس، بناءً على معلومات دقيقة للأجهزة الأمنية.


مقالات ذات صلة

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

أوروبا العلم الألماني في العاصمة برلين (أ.ب)

ضبط أجهزة كومبيوتر محمولة وأموال خلال مداهمة مقرّ جمعية إسلامية محظورة بألمانيا

صادرت الشرطة الألمانية أجهزة كومبيوتر محمولة وأموالاً، خلال عمليات مداهمة استهدفت جمعية إسلامية تم حظرها حديثاً، ويقع مقرّها خارج برلين.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية إردوغان استقبل السيسي في مطار أنقرة في إسطنبول (من البث المباشر لوصول الرئيس المصري) play-circle 00:39

السيسي وصل إلى أنقرة في أول زيارة لتركيا

وصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة، الأربعاء، في أول زيارة يقوم بها لتركيا منذ توليه الرئاسة في مصر عام 2014

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قوات من الأمن بميدان التحرير في القاهرة (أ.ف.ب)

مصر: توقيف المتهم بـ«فيديو فيصل» وحملة مضادة تستعرض «جرائم الإخوان»

أعلنت «الداخلية المصرية»، الثلاثاء، القبض على المتهم ببث «فيديو فيصل» الذي شغل الرأي العام، مؤكدة «اعترافه» بارتكاب الواقعة، بـ«تحريض» من عناصر «الإخوان».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا الإعلامي بقناة «الشرق» الإخوانية عماد البحيري تم توقيفه بسبب التهرب الضريبي (من حسابه على  «فيسبوك»)

تركيا توقف إعلامياً في قناة إخوانية لتهربه من الضرائب

أحالت السلطات التركية، (الخميس)، المذيع بقناة «الشرق» المحسوبة على «الإخوان المسلمين»، عماد البحيري، إلى أحد مراكز التوقيف بدائرة الهجرة في إسطنبول.

سعيد عبد الرازق (أنقرة )
شمال افريقيا الرئيس عبد المجيد تبون (د.ب.أ)

الجزائر: فصيل «الإخوان» يرشح الرئيس تبون لعهدة ثانية

أعلنت حركة البناء الوطني (فصيل الإخوان في الجزائر)، الجمعة، عن ترشيحها الرئيس عبد المجيد تبون للانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في 7 سبتمبر المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
TT

اتهامات ترمب تحدث زوبعة سياسية في نيجيريا

الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)
الرئيس النيجيري السابق غودلاك جوناثان (آ ف ب)

أثارَ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفةً من الجدل في نيجيريا، منذُ أن أعلن الحرب على «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» فور وصوله إلى السلطة، خصوصاً حين اتهمها بتمويل جماعات إرهابية من بينها «بوكو حرام»، التنظيم الإرهابي الذي يخوض حرباً داميةً ضد نيجيريا منذ 2009، قتل فيها عشرات آلاف النيجيريين. في نيجيريا لا صوتَ يعلو اليوم على مطالب التحقيق في مزاعم وصول أموال الوكالة الأميركية إلى «بوكو حرام»، ومحاسبة المتورطين في القضية جميعاً؛ لأن النقاش الذي يدور في الصحافة المحلية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، أخذ أبعاداً خطيرة بعد اتهام شخصيات في الوسط السياسي والمجتمع المدني بأنها متورطة في إيصال أموال الوكالة إلى التنظيم الإرهابي. واتسعت دائرة الجدل ليطرح أسئلة حول خطورة أموال المساعدات الخارجية على الأمن القومي للدول المستفيدة منها، خصوصاً إثر الكلام عن دور سياسي لعبته تمويلات «الوكالة» في خسارة الرئيس النيجيري الأسبق غودلاك جوناثان رئاسيات 2015.

منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، في يناير (كانون الثاني) الماضي، وقَّع الرئيس العائد عدداً من القرارات أو «الأوامر التنفيذية»، التي كان في مقدمها قرار بتعليق جميع المساعدات الخارجية الأميركية باستثناء تلك المخصَّصة لمصر وإسرائيل. وكانت الذريعة، انتظار التدقيق في نشاطات «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» التي ظلت لأكثر من 7 عقود تمثّل وجه الدبلوماسية الناعمة للولايات المتحدة.

ترمب يريد اليوم طيّ حقبة هذه الوكالة، وأسند مهمة تفكيكها إلى الملياردير إيلون ماسك، وزير «كفاءة العمل الحكومي» في فريقه الخاص. ولم يتأخر الأخير في وضع يده على جميع وثائق الوكالة، التي وصفها بأنها «عشٌ للأفكار اليسارية المتطرفة التي تكره أميركا».

هذا النقاشُ ظل أميركياً خالصاً، حتى جاءت تصريحات سكوت بيري، عضو الكونغرس عن ولاية بنسلفانيا، لتخرج به نحو دوائر أبعد. إذ قال الرجل إن 697 مليون دولار أميركي من التمويلات السنوية لـ«الوكالة» تنتهي بحوزة تنظيمات إرهابية، من بينها جماعة «بوكو حرام»، وجماعة «طالبان»، وتنظيم «القاعدة».

تصريحات بيري جاءت خلال جلسة استماع للجنة الفرعية لمراقبة كفاءة الحكومة، تحت عنوان «الحرب على الهدر: القضاء على ظاهرة المدفوعات غير المشروعة والاحتيال». وقال بيري أمام اللجنة: «أموالكم تذهب لتمويل الإرهاب، عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية... يجب أن يتوقف هذا فوراً».

وأضاف بيري في حديثه أمام لجنة الاستماع أن الوكالة خصَّصت 136 مليون دولار لبناء 120 مدرسة في باكستان، إلا أنه لم يُعثر على أي دليل يثبتُ تنفيذ هذه المشاريع، معتبراً أن ذلك يثير الشكوك حول مصير هذه الأموال.

علم "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (آ ف ب)

مطالب التحقيق

تصريحات عضو الكونغرس أثارت بطبيعة الحال جدلاً واسعاً في نيجيريا، وحظيت بحيّز واسع من التداول في الصحافة المحلية. وخلال برنامج تلفزيوني على قناة محلية لنقاش تصريحات سكوت بيري، قال علي ندومة، عضو مجلس الشيوخ في نيجيريا عن ولاية بورنو، إن على نيجيريا فتح «تحقيق شامل حول الادعاءات التي تفيد بأن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تموّل (بوكو حرام)».

وأردف السياسي النيجيري الذي ينحدرُ من بورنو، أكثر ولايات نيجيريا تضرراً من هجمات «بوكو حرام» الإرهابية: «لا يمكنكم القول إنها مجرد مزاعم، الأمر يتجاوز ذلك. ولهذا السبب يتوجَّب على الحكومة النيجيرية، والبرلمان الوطني على وجه الخصوص، التحقيق في هذه الادعاءات والتحقّق من صحتها، لأنها خطيرة للغاية».

ثم تابع ندومة: «هذا التطوّر مقلق للغاية، خصوصاً أن إحدى الجماعات الإرهابية التي ذكرها سكوت بيري هي (بوكو حرام)، التي لم تدمّر شمال شرقي نيجيريا فحسب، بل امتد تأثيرها أيضاً إلى مناطق أخرى من البلاد. تتذكرون أن (بوكو حرام) فجَّرت مقر الشرطة، ومكتب الأمم المتحدة في أبوجا، وكانت الخسائر البشرية هائلة. لذا، يجب أن تكون الحكومة النيجيرية مهتمةً بهذا الأمر».

ومن ثم، أعرب ندومة عن قلقه الكبير حيال هذه المزاعم، لافتاً إلى أن «أجهزة الأمن النيجيرية سبق أن أثارت هذه القضية بشكل غير مباشر مرات عدة»، في إشارة إلى تصريحات أدلى بها قائد أركان الجيش النيجيري أخيراً ذكرت أن «دولاً ومنظمات أجنبية» متورطة في تمويل «بوكو حرام». وخلص عضو مجلس الشيوخ النيجيري إلى التأكيد على ضرورة التحقيق في هذه المزاعم، وأن الجميع «كان يتساءل منذ سنوات طويلة عن مصدر تمويل هؤلاء الأشخاص».

قرويون نيجيرون إثر تعرّض قريتهم لإحدى هجمات "بوكو حرام" (آ ب)

المسلمون... و«بوكو حرام»

في الواقع، لأكثر من 15 سنة، دأبت جماعة «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا، وكان السؤال الذي يُطرَحُ بإلحاح من قِبَل الجميع هو: مَن يقف خلف هذا التنظيم الإرهابي؟ ومَن يوفر له التمويل والسلاح... ويمكِّنه من تجنيد آلاف الشباب المحبطين وفاقدي الأمل؟.

طيلة تلك الفترة، كانت أصابع الاتهام توجَّه إلى زمر من المسلمين الذين يشكلون غالبية سكان شمال نيجيريا، حيث تنشط الجماعة الإرهابية. ولكن مع إثارة الجدل حول مزاعم تمويل «بوكو حرام» عبر «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» أصدرَ «مركز الشؤون العامة للمسلمين» في نيجيريا بياناً يستحضر فيه اتهامات سابقة للمسلمين بتمويل الجماعة.

ولقد طلب «المركز» من البرلمان النيجيري التحقيق في تلك المزاعم، وأعرب رئيسه ديسو كامور، عن «قلقه العميق إزاء هذه الادعاءات»، قبل أن يستحضر «حملة التدقيق والاتهامات الظالمة التي واجهها المسلمون النيجيريون، ومنها التعاطف مع (بوكو حرام)».

وقال كامور: «إذا كانت هذه المزاعم صحيحة، فإنها ستكشف نفاق أولئك الذين ألقوا باللوم على المجتمعات المسلمة المحلية، بينما كانت جهات خارجية تدعم الإرهابيين». وطالب، بالتالي، السلطات النيجيرية بالتحقيق في المزاعم لأن «النيجيريين يستحقون الشفافية والمساءلة بشأن أي تورّط أجنبي في تمويل الإرهاب على أراضينا».

شكوك كبيرة

من جانبه، ذهب آدامو غاربا، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية في نيجيريا، والقيادي في حزب «المؤتمر التقدمي الشامل»، إلى أن «شكوكاً كبيرة» تحوم حول تمويلات الوكالة في نيجيريا، وأعلن تصديقه للادعاءات بأن بعض التمويلات قد تكون بالفعل أسهمت في تسليح «بوكو حرام» و«داعش في غرب أفريقيا».

وادعى غاربا، في مقطع فيديو نشره عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»، أن «الوكالة» أنفقت مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا العام الماضي، وتساءل عن طريقة صرف هذا المبلغ الكبير.

ثم أضاف: «ذكرتُ سابقاً أن (بوكو حرام) و(داعش)، ومختلف التنظيمات الإرهابية في المنطقة، تتلقى أسلحتها عبر جهات أجنبية سرّية تموّلها وتزوّدها بالسلاح. وبعد الكشف عن دور (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية)، يكفي أن نعرف أنه في العام الماضي وحده، أنفقت الوكالة مبلغ 824 مليون دولار في نيجيريا، فأين ذهب هذا المال؟ هل تعلم ماذا يعني 824 مليون دولار؟ عند تحويله إلى النيرة (العملة النيجيرية)، يساوي 1.3 تريليون نيرة».

واستطرد قائلاً: «هذا يعني أن كل ولاية يمكن أن تحصل على 36 مليار نيرة، ومع ذلك، يزعمون أنهم أنفقوا هذه الأموال على الحدّ من وفيات الأطفال والتعليم، لكن ماذا رأينا؟ لا شيء. متى دخل هذا المال؟ وأين ذهب؟ هذه الأموال تذهب لتمويل (بوكو حرام)، والخاطفين الذين يستخدمونها للقتل وتدمير بلادنا، هذه هي الحقيقة».

قضية باينانس

في سياق موازٍ، بينما يحتدم النقاش في نيجيريا حول اتهام «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» بتمويل أنشطة «بوكو حرام»، اتهم فيمي فاني-كايودي، وزير الطيران السابق في نيجيريا، أخيراً، مسؤولاً تنفيذياً في شركة باينانس، أكبر منصة عالمية لتداول العملات الرقمية، بالتورط في إيصال التمويلات إلى الجماعة الإرهابية.

وزعم الوزير السابق إن تيغران غامباريان، المسؤول التنفيذي في شركة «باينانس» كان «أداة» استخدمتها الوكالة لتمويل الجماعة، قبل أن يصف غامباريان بأنه كان «عامل تمكين للإرهاب وأسهم في تخريب اقتصاد نيجيريا».

وللعلم، اعتُقل غامباريان في نيجيريا العام الماضي بعد اتهام السلطات النيجيرية شركة «باينانس» بالتهرب الضريبي، والتورّط في عمليات غسل أموال، بالإضافة إلى المساهمة في إضعاف العملة المحلية «النيرة». إلا أنه أُفرِج عن الرجل؛ بسبب تدهور وضعه الصحي، بينما تشير بعض المصادر إلى أن السلطات النيجيرية تعرَّضت لضغط دبلوماسي أميركي كبير.

وفي آخر تطور للقضية، رفعت نيجيريا دعوى قضائية في الأسبوع قبل الماضي ضد منصة «باينانس»، تطالبها بدفع 79.5 مليار دولار، تعويضاً عن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن عملياتها في البلاد، بالإضافة إلى مليارَي دولار ضرائب متأخرة عن العامين الماضيين.

تمويل دون قصد!

في أي حال، لا يخلو النقاش الدائر في نيجيريا حول العلاقة بين «الوكالة» و«بوكو حرام» من حسابات سياسية ضيقة. ومن الأصوات التي بدت أكثر رصانةً، السفير والخبير الأمني نورين أبايومي موموني، عضو «حزب المؤتمر التقدمي» الحاكم، الذي نشر مقالاً تطرَّق فيه إلى طريقة عمل المنظمات الدولية، مشيراً إلى أنها تحتاج إلى المراجعة، لأنها قد تُموِّل أنشطة إرهابية «دون قصد».

وتابع: «أنا قلق للغاية بشأن الاتهامات الأخيرة» التي تفيد بأن الوكالة قد تكون دعمت الإرهاب دون قصد في نيجيريا ومناطق أخرى من العالم... «هذه الادعاءات تثير تساؤلات جوهرية ليس فقط حول نزاهة المساعدات الإنسانية، ولكن أيضاً حول تداعياتها الأوسع على الأمن العالمي، والعلاقات الدبلوماسية».

وأضاف أبايومي موموني أن «على الوكالات الدولية العاملة تقديم الدعم الإنساني من دون الإضرار بأمن المجتمعات المستضيفة». ورأى أن الاتهامات الأخيرة تؤكد «الحاجة الملحة إلى تعزيز الرقابة والمساءلة في برامج المساعدات الدولية. ومن الضروري أن تعزز وكالات مثل الوكالة الأميركية آليات المتابعة والتقييم والتدقيق؛ لضمان أن تصل المساعدات إلى مستحقيها ولا يتم تحويلها لدعم التطرف العنيف».

وأوضح أنه «إذا ثبتت صحة هذه الادعاءات، فقد تؤدي إلى زيادة التدقيق في سياسات المساعدات الخارجية الأميركية، ما يستدعي عملية إصلاح جذرية... لأن اتباع نهج شفاف في تمويل المساعدات والالتزام بالمعايير الأخلاقية في تقديم الدعم الإنساني أمران أساسيان. وبالتالي، على الحكومة الأميركية أن تعزز التزامها بمنع تمويل الإرهاب، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان أن تكون المساعدات وسيلةً لتحقيق السلام والاستقرار، لا العنف».

المال السياسي

غير أن الاتهامات الموجَّهة إلى «الوكالة» لم تقتصر على تمويل الإرهاب في نيجيريا، بل وصلت إلى أن بعض تمويلاتها أسهمت في التأثير على الانتخابات الرئاسية في البلد الذي يملك الاقتصاد الأكبر في غرب أفريقيا، والذي يبلغ تعداد سكانه نحو ربع مليار نسمة.

إذ كتبت الصحافة المحلية، ونشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن «علاقة» ربطت «الوكالة» مع قيادة حملة «أعيدوا فتياتنا» التي أطلقها ناشطون في المجتمع المدني عام 2014 إثر اختطاف «بوكو حرام» مئات الفتيات من بلدة شيبوك في قضية هزَّت الرأي العام العالمي آنذاك. ولقد ادعى ناشطون سياسيون أن الحملة كانت مدعومة سراً من «الوكالة» بهدف الإطاحة بالرئيس النيجيري آنذاك، غودلاك جوناثان، بعد حملة واسعة لتشويه سمعته، ربطه بالفشل، وحمَّلته مسؤولية اختطاف الفتيات والعجز عن تحريرهن، ما فتح الباب واسعاً أمام فوز محمدو بخاري بانتخابات 2015 الرئاسية.

كذلك تعرَّضت الناشطة النيجيرية عائشة يسوفو، التي كانت من أبرز وجوه الحملة، لهجوم حاد على منصة «إكس»، حين طالبها البعض بتقديم تفسير أو اعتذار، لكن الناشطة النيجيرية في ردِّها على هذه الاتهامات، نفت أي علاقة لها أو للحملة بـ«الوكالة» أو أي منظمة دولية أخرى. وقالت في تغريدة مقتضبة: «أنا أعمل مع نيجيريين ملتزمين ببناء أمة عظيمة، بعيداً عن نظريات المؤامرة والتشكيك». لأكثر من 15 سنة دأب تنظيم «بوكو حرام» على مهاجمة مناطق مختلفة من نيجيريا... وكان السؤال المطروح بإلحاح:

مَن يقف خلفه؟