16 رئيس دولة وحكومة سيلتقون اليوم في بروكسل بدعوة من رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، في اجتماع غير رسمي للتحضير للقمة الأوروبية المرتقبة يومي الخميس والجمعة المقبلين في العاصمة البلجيكية. وفي الحالتين، فإن التحدي المطروح على قادة الاتحاد الأوروبي، وسط انقسامات وتجاذبات واتهامات متبادلة، يتمثَّل في كيفية التعاطي مع ملفِّ الهجرات واللجوء الذي استفحل في الأسابيع الأخيرة مع وصول حكومة يمينية متطرفة وشعبوية في إيطاليا، ومع هشاشة موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تواجه انقسامات داخل حكومتها وتهديداً بسقوطها في حال سار وزير الداخلية حتى النهاية بمشروعه المفضي إلى إغلاق الحدود الألمانية بوجه اللاجئين والمهاجرين المسجلين في بلد أوروبي آخر.
يُضاف إلى ذلك كله تواصل موجات اللجوء عبر المتوسط باتجاه الشواطئ الأوروبية، وتحديداً الإيطالية، و«تمترس» مجموعة من البلدان الأوروبية تتمثل في مجموعة فيزغراد المشكّلة من المجر، وبولندا، والتشيك، وسلوفاكيا، وراء مواقف جذرية رافضة لاستقبال لاجئين من أي جهة.
وفي خضمِّ الانقسامات المستحكمة أوروبيا، تسعى باريس للعب دور رئيسي يظهره تحرك الرئيس إيمانويل ماكرون في كل الاتجاهات؛ فقد زار برلين الثلاثاء الماضي لشد أزر المستشارة ميركل، واستقبل قبلها في قصر الإليزيه رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي في محاولة لتعزيز موقعه بوجه حزب الرابطة ووزير الداخلية ماتيو سالفيني. كذلك، التقى أمس رئيس الحكومة الإسبانية الجديد بدرو سانشيز، في أول زيارة خارجية له فيما يبدو أنه رغبة في بناء تفاهم فرنسي - ألماني - إسباني حول ملف الهجرة واللجوء. وكل هذا الجهد الدبلوماسي المبذول يندرج في السعي لطرح أفكار ومقترحات يمكن البناء عليها في اجتماع اليوم، وفي قمة الخميس والجمعة المقبلين.
وشهد، يوم أمس، بروز محور فرنسي - ألماني - إسباني سيتقدم بمقترح يُطرح للمرة الأولى على القادة الأوروبيين. وشرح ماكرون في المؤتمر الصحافي الذي أعقب لقاءه مع سانشيز مضمون المقترح الذي يدعو أولاً إلى استقبال بواخر المهاجرين واللاجئين في المرافئ الأقرب والأكثر أمناً، وأن يتم إنشاء «مراكز استقبال مغلقة» في البلدان الأوروبية التي يحطون فيها، حيث ستتم دراسة طلبات اللجوء التي سيتقدمون بها. وجزم ماكرون بأنه لن يقبل منهم إلا اللاجئون، أما من يطلق عليهم اسم «المهاجرين الاقتصاديين» فلن يكون لهم حق البقاء. وبالنظر لهذا المعيار، فإن طلبات اللجوء من البلدان التي تعاني من الحروب أو الأشخاص الذين يتعرضون للاضطهاد بسبب العرق أو الجنس أو الدين، ستكون قليلة قياساً لما كانت عليه في العامين 2015 و2016 حيث تدفق على أوروبا مئات الآلاف من اللاجئين السوريين والعراقيين. ووفق المقترح الثلاثي، فإن البلدان الأوروبية التي يحط فيها اللاجئون والمهاجرون سيتم توفير المساعدة لها من قبل البلدان الأوروبية الأخرى التي ستقبل إعادة توزيع من يحق له بالبقاء في أوروبا. وبما أن «مجموعة فيزغراد» لن تقبل حصصها من اللاجئين، فإن الرئيس الفرنسي يقترح «محاسبتها ماليّاً»، لأنه من غير المسموح به أن تستفيد من الأموال الأوروبية وفي الوقت عينه «ترفض التضامن» أوروبيّاً.
وأخيراً، فإن «المقترح الثلاثي» يشدِّد على ضرورة إعادة ترحيل سريع للأشخاص المرفوضين مباشرة إلى بلدان المنشأ. ولذلك، ركز ماكرون على ضرورة عقد اتفاقات مع هذه الدول لإعادة استقبال مواطنيها. وقالت مصادر الإليزيه، في لقاء صباحي لتقديم القمة الأوروبية اليوم، إنه «من الممكن» التفكير بسياسة تحفيزية مع «دول المنشأ والممر»، من أجل لجم الهجرات الأفريقية المتوجهة إلى أوروبا عن طريق الحوافز المالية وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومساعدة المتعاونين منها، و«معاقبة» المترددين، ما يعني العودة إلى «سياسة العصا والجزرة».
بيد أن هذا المقترح ليس الوحيد، إذ سيدرس أيضاً مقترح رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الداعي إلى إنشاء مراكز تجميع في بلدان الممر مثل ليبيا، بالتعاون مع الأمم المتحدة، ممثَّلةً بالمفوضية العليا للاجئين ومكتب الهجرات الدولي.
وفي هذه المراكز التي توفِّر الأمن للأشخاص الراغبين بالهجرة أو اللجوء إلى أوروبا، تتم دراسة الملفات، ولن يسمح إلا لمن يحق له اللجوء بالتوجه إلى أوروبا. وما يميز المقترحين أن الثاني يُبقِي الراغبين بالهجرة على الأراضي الأفريقية ويمنع تهريب البشر، ويمكِّن المهاجر من تلافي مخاطر الغرق والموت في مياه المتوسط، وكل ذلك يتم تحت إشراف دولي.
بالإضافة لجميع هذه المقترحات، فإن هناك مجموعةً من التدابير العملية التي ستعمد القمتان لدراستها.
يتناول أولها تعزيز حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، من خلال تعزيز الوكالات الأوروبية المعنية بالهجرات، وأشهرها «فرونتكس»، أي الشرطة الأوروبية المكلفة حراسة هذه الحدود. وسيعمد الأوروبيون إلى دعمها ماديّاً وبشريّاً، والمطلوب أن يرتفع عدد عناصرها إلى 10 آلاف، مقابل 1500 شخص حالياً. ويسير هذا التوجه، الذي تسميه المصادر الرئاسية الفرنسية التعاطي مع «الجوانب الخارجية»، بالتوازي مع الدفع باتجاه عقد اتفاقات جديدة مع البلدان الأفريقية أكانت بلدان المصدر أو الممر. والهدف من ذلك أن تعمل على «لجم» ووصل موجات الهجرات إلى الشواطئ الأوروبية. أما المسألة الأخيرة، التي ستكون موضوع بحث اليوم، فتتناول «اتفاقيات دبلن» التي تنظِّم مبدئياً مسألة وصول الوافدين واستقبالهم، والنظر في طلباتهم وإعادة توزيعهم على البلدان الأوروبية، وهو ما يسمى باللغة البيروقراطية «التحركات الثانوية».
حقيقة الأمر أن كُلَّ بند من هذه البنود يمثِّل مشكلة مستعصية بسبب تضارب الآراء والمواقف بين الدول المعنية. والدليل على ذلك، عودة الخلافات بين روما وباريس، ورَفْض أربع دول من أوروبا الوسطى حضور القمة غير الرسمية اليوم، إضافة إلى أن ملف الهجرات تحوّل إلى «حصان رابح» لليمين المتشدد في كثير من البلدان، الأمر الذي يدفع بالمسؤولين الحكوميين إلى الحذر ومحاولة مسايرة الرأي العام المحلي، ما يعريهم من كثير من الشجاعة الضرورية لإيجاد حلول لهذه المسائل المستعصية.
محور فرنسي ـ إسباني ـ ألماني لتقديم مقترحات «جديدة» لمعالجة أزمة الهجرة
قمة تحضيرية في بروكسل اليوم وسط انقسامات أوروبية حادة
محور فرنسي ـ إسباني ـ ألماني لتقديم مقترحات «جديدة» لمعالجة أزمة الهجرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة