لعبة الأزياء... لقاء السياسة وحب الموضة

مظهر السيدة الأولى يعكس ذوقها ويُنعش اقتصاد بلادها

انتصار السيسي  -  ميشيل أوباما وكارلا ساركوزي
انتصار السيسي - ميشيل أوباما وكارلا ساركوزي
TT

لعبة الأزياء... لقاء السياسة وحب الموضة

انتصار السيسي  -  ميشيل أوباما وكارلا ساركوزي
انتصار السيسي - ميشيل أوباما وكارلا ساركوزي

قد يرى البعض أن الموضة سطحية مقارنة بالسياسة. فهي مجرد أزياء بألوان معينة وإكسسوارات أنيقة لتلميع الصورة، لكن الحقيقة مغايرة تماماً. فهي سلاح أي امرأة ما البال إذا كانت سياسية أو سيدة أولى كل ما تلبسه يكون تحت المجهر. فقد أصبح من المتعارف عليه الآن أن صورة السيدة الأولى قد تكشف عن بعض أسرار السلطة، فيما يتعلق بسياسات وتوجهات زوجها.
لهذا ليس غريباً أن تكون أول مهمة تتحملها زوجات الرؤساء هي اختيارهن أزياءهن. ففي الوقت الذي ينشغل رئيس الدولة بطرح سياساته واستراتيجياته، تقوم هي بالشيء ذاته، من خلال القصات والألوان والإكسسوارات؛ الأمر الذي يفسر الصفحات الكثيرة التي تخصصها الصحف والمجلات لوصفها وتحليلها: هل هي مبتكرة؟ هل تلتزم بالبرتوكول؟، هل تدعم قضايا المرأة؟ هل تشير إلى أنها امرأة مثقفة، أم سيدة مجتمع مخملي فقط؟ هذه وأسئلة كثيرة تؤكد أهمية الأزياء لغةً قويةً لا يمكن الاستهانة بها.
ولا يبعد الاقتصاد عن دور السياسة والمجتمع؛ إذ من غير اللائق أن تظهر زوجة الرئيس بأزياء ومجوهرات مترفة إذا كانت الدولة تعاني مشكلات اقتصادية وتطالب شعبها بتبني سياسات تقشفية. وفي سابقة سجلها التاريخ، غضب الشعب الأميركي حينما ظهرت ماري تود لينكولن، زوجة رئيس الولايات المتحدة السادس عشر أبراهام لينكولن، بفساتين مُترفة تصل تكلفتها إلى ألفي دولار، وهو مبلغ ضخم آنذاك، في وقت كانت البلاد تخوض حرباً أهلية. دافعت السيدة لينكولن حينها عن نفسها قائلة، إن فساتينها المترفة ترفع الروح المعنوية للرئيس الأميركي. طبعاً لم يكن تبريرها مقنعاً بالنسبة لشعب كان يعاني صراعات داخلية طاحنة.
وكما تصنع إطلالة السيدة الأولى أزمات إن لم تكن محسوبة بدقة، فعلى صعيد آخر قد تكون سبب لرضا شعبي تحظى به زوجة الرئيس، مثل ما وقع مع السيدة الأولى لأيسلندا، إليزا ريد، التي خطت خطوة جريئة عندما ظهرت بملابس مستعملة في إحدى المناسبات العامة. واللافت، أنها هي من صرحت بهذا الأمر، حين كتبت على صفحتها الخاصة في «فيسبوك» بأنها اشترت السترة التي ظهرت بها ونالت إعجاباً جماهيرياً من متجر خيري تابع للصليب الأحمر. وكان لهذا الموقف صدى شعبي كبير، حتى أن الصليب الأحمر كتب رسالة شكر وامتنان لموقف السيدة الأولى.
يقول خبير البرتوكول الدولي والمراسم طارق عبد العزيز، لـ«الشرق الأوسط»، إن «إطلالة السيدة الأولى تختلف بحسب النظام السياسي للدولة، فهناك دولة شيوعية، وأخرى إما جمهورية أو ملكية أو علمانية أو محافظة. ولكل نمط سياسي خط من الموضة يعبر عنه وتلتزم السيدة الأولى بشروطه. وهذا يعني أن الأمر يختلف بحسب الدولة ونظامها السياسي والاجتماعي، إلى جانب الذوق الشخصي».
ولا شك أن هناك قواعد غير معلنة في لعبة أزياء السيدة الأولى؛ لأن متابعاتنا لحملة هيلاري كلينتون ثم ردود أفعال أوساط الموضة بعد دخول ميلانيا ترمب البيت الأبيض الأميركي والمقارنات الكثيرة مع سابقاتها، مثل ميشيل أوباما وجاكلين كينيدي تعكس شخصياتهن وأيضاً طرق تفكيرهن. وهو ما يؤكد أن الأمر لا يتعلق بالصيحات الحديثة وقواعد الأناقة فحسب، بل ببعد سياسي واجتماعي. طبعاً، تختلف البلدان في عاداتها وتقاليدها، لكن تظل هناك ركائز أساسية تحدد الموضة المناسبة للسيدة التي تتقلد هذا المنصب الرفيع، أهمها العادات والتقاليد الشعبية؛ فهناك من ترتدي عمائم أو تيجاناً، وهناك من ترتدي فساتين بأسلوب باريس أو حجاباً وهكذا. وفي النهاية تُقيّم السيدة الأولى بحسب عرف بلدها، وبين نساء مُبعدات عن الحياة العامة وأخريات أصبحن أيقونات في تاريخ الموضة والسياسة حكايات ولقطات تستحق التوقف.
يقول طارق عبد العزيز، الذي كان يعمل بالقصر الجمهوري في مصر، إن «ما يحدث خلف أبواب القصور يثير الفضول، وربما تنسج من حوله أساطير ليس لها علاقة بالواقع، فبحكم عملي داخل قصر الرئاسة المصري في فترة حكم الرئيس المصري الأسبق، محمد حسني مبارك، لم أرصد أن السيدة الأولى في ذلك الوقت، السيدة سوزان مبارك، كان لديها فريق لاختيار ملابسها كما يدعي البعض، بينما كان الأمر يخضع لذوقها وحريتها الشخصية».
ولا شك أن هذا الأمر لا ينطبق على السيدات الأوائل في أغلب الدول، ولا سيما الدول الغربية التي تتعامل مع إطلالة زوجة الرئيس بعناية شديدة. وحتى على مستوى الدول العربية، شهدنا أيقونات موضة مثل ملكة الأردن رانيا العبد الله، التي ترصد كثير من المجلات الغربية والعربية تحركاتها لتحلل ملابسها وإكسسوارتها.
«صحيح أن السيدة الأولى يعنيها تحقيق التوازن بين الموضة والأناقة وقواعد المجتمع وقوانين البرتوكول، لكن إذا خرجت السيدة الأولى للعامة وأصبحت جزءاً من الحياة الاجتماعية يقع عليها دور أكبر يتمثل في دعم صناعة الموضة في بلادها» هكذا ترى السيدة سوزان ثابت، رئيسة تحرير مجلة «باشن» وإحدى المصريات المعنيات بصناعة الموضة. تقول لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك كثيراً من الأمثلة الغربية التي حققت طفرة في صناعة الموضة في بلادها، مثل جاكلين كندي التي تعتبر واحدة من أكثر زوجات الرؤساء أناقة، وكان لها دور في دعم دور الأزياء الأميركية التي كانت وقتذاك لا تنافس الدور الأوروبية مثل «ديور» و«شانيل». وتضيف «حتى وقتنا هذا ما زالت جاكي كيندي أيقونة للموضة نتذكرها مع كل حفل تنصيب لأي رئيس أميركي جديد».
ويبدو أن دور السيدة الأولى وتأثيرها في صناعة الموضة، لم يكن مفهوماً حديثاً على الإطلاق، فمنذ العصر الملكي في مصر، حسب سوزان ثابت، كان للمنتج المصري أهمية، وتشرح «كانت هناك مصانع إنتاج محلي حاصلة على التاج الملكي، أي أنها تقدم قطع خاصة للعائلة المالكة. من أشهر الملكات اللاتي ارتدين صناعة مصرية الملكة فريدة».
الحديث عن أناقة السيدة الأولى في الوقت الحالي يجرنا للحديث عند الملكة رانيا التي ترتدي من أهم دور الأزياء العالمية مثل: «فيراغامو»، «ألكسندر ماكوين»، «برابال غورونغ»، «فالنتينو»، «فندي»، »سيلين، «جيفنشي»، «فيرساتشي»، «برادا»، وغيرها من العلامات الكبرى في عالم الموضة، لكنها لا تغفل أن تدعم صناعة بلدها فظهرت في أكثر من مناسبة قومية بالقفطان الأردني المميز، كما أنها ترتدي في كثير من المناسبات ملابس من تصميم مصممة الأزياء الأردنية هاما الحناوي، كذلك ظهرت بمجموعة مجوهرات من تصميم المصممة الفلسطينية ديما رشيد، ومصمم المجوهرات اللبناني رالف مصري وقبلهم بحقيبة من ماركة سارة بيضون اللبنانية. مؤخراً أثارت ضجة كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي بعد ظهورها بفستان «سيرافيما» من علامة Layeur خلال احتفالات الذكرى الثانية والسبعين لاستقلال الأردن. وكان عبارة عن فستان حريري متوسط الطول يزهو بلونين يستحضران تألق المجوهرات مع ياقة عالية وأكمام بتصميم متباين.
أما في مصر، فيشيد خبير البروتوكول الرئاسي طارق عبد العزيز، بموقف السيدة الأولى الحالية، انتصار السيسي، التي ظهرت بإطلالة مصرية 100 في المائة خلال منتدى الشباب العالمي الذي أقيم بشرم الشيخ العام الماضي. فقد أطلت بجاكيت من تصميم المصرية مرمر حليم، وحقيبة بتوقيع دار «أختين» المصرية. ويتابع: «لم تكن الإطلالة فقط هي ما تعكس ذكاء ودعم وبساطة السيدة الأولى، بل ملاءمته للمناسبة، وهكذا تمكنت بلفتة بسيطة أن تدعم مصممين مصريين شباباً، وأن تكشف الستار عن منتج مصري يحاول أن يدخل المنافسة في أهم محافل الموضة العالمية».
وتلتقط سوزان ثابت الحديث لتؤكد على دور السيدة الأولى في دعم المصممين المحليين بقولها، إن سيدة مصر الأولى ظهرت في مناسبة أخرى بإطلالة بتوقيع مصممين مصريين شباب. كانت المناسبة تأدية مراسم حلف اليمين لتنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسية ثانية، حيث ارتدت زياً من تصميم المصممة ياسمين يحيى، وفي مناسبات أخرى بمنتجات للمصممات شهيرة وسارة لاشين، ومرمر حليم، وأيضاً دار «مانويا» للحقائب ودار «ميزورا» للأحذية.
وإذا كانت فكرة ارتداء السيدة الأولى من ماركات محلية حديثة نسبياً في مصر، فإن هذا الأمر يعد قاعدة لدى القصر الملكي البريطاني، حسب رأي سوزان ثابت. فكل ملابس الملكة إليزابيث صناعة إنجليزية، كما أن الأميرة الراحلة ديانا وكيت ميدلتون ومؤخراً ميغان ماركل، ارتدين فساتين زفافهن من مصممين بريطانيين. هذا لا يمنع أنه يُسمح لهن بالتنوع في الإطلالات اليومية واختيار أزياء من بيوت عالمية، خصوصاً إذا كن في زيارات رسمية، لكن يخضع اختيار الفستان الأبيض إلى قوانين محددة أكثر. الأمر نفسه ينطبق على القصر الملكي في السويد.
وكما نُسب لجاكلين كيندي دورها البارز في دعم دور الأزياء الأميركية، كذلك اعتمدت ميشيل أوباما، السيدة الأولى السابقة، في كثير من المحافل القومية والدولية على تصاميم بتوقيع مصممين أميركيين شباب؛ بهدف دعمهم، مثل تريسي ريس، التي صرحت في عام 2012 أنها تلقت طلبات هائلة لتنفيذ فستان ميشيل أوباما الذي ظهرت به خلال في مؤتمر الحزب الديمقراطي، ونارسيسو رودريغيز، وهلمّ جراً.
وحتى إن كانت السيدة الأولى الحالية للولايات المتحدة الأميركية، ميلانيا ترمب، تُعلي مفهوم الأناقة على دورها في دعم صناعة الموضة الأميركية، إلا أنها لم تغفل هذه الدور في حفل تنصيب زوجها الرئيس دونالد ترمب، حيث ظهرت بإطلالة بتوقيع المصمم الأميركي «رالف لوران». لكنها لم تسلم من الانتقادات، حيث أشارت وقتذاك بعض التقارير الصحافية العالمية إلى التشابه الكبير بين إطلالة ميلانيا ترمب وإطلالة جاكلين كينيدي في حفل تنصيب زوجها الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي عام 1961، واُتهمت ميلانيا حينها بالتقليد وعدم الابتكار. ومع ذلك، وصلت رسالتها إلى العالم، وهي رسالة بليغة تشير إلى أنها تريد أن تعيد أناقة جاكلين كينيدي إلى البيت الأبيض. وبما أن فرنسا كانت ولا تزال مهد الموضة وموطن كبرى علامات الأزياء، فإن أي سيدة أولى تدخل قصر الإليزيه تجد نفسها أمام خيارات كثيرة، وبالتالي لا تحتاج إلى ماركات من دول أخرى. تذكر سوزان ثابت، أن كارلا بروني ساركوزي، زوجة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، كانت من أكثر زوجات الرؤساء في فرنسا حرصاً على الظهور بإطلالات من دور أزياء فرنسية، ربما لأن الموضة كانت تعني لها الكثير، فقد كانت كارلا عارضة أزياء شهيرة قبل أن تصبح سيدة أولى.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.