اللقاء الخامس بين مارتن سكورسيزي وليوناردو ديكابريو برسم الأوسكار

كيف تم صنع «ذئب وول ستريت»؟

ليوناردو دي كابريو: اللقاء الخامس
ليوناردو دي كابريو: اللقاء الخامس
TT

اللقاء الخامس بين مارتن سكورسيزي وليوناردو ديكابريو برسم الأوسكار

ليوناردو دي كابريو: اللقاء الخامس
ليوناردو دي كابريو: اللقاء الخامس

قبل ست سنوات، انتبه نجمان كبيران إلى أن هناك كتابا يستحق التحويل إلى فيلم سينمائي. لم تكن رواية خيالية، ولو أن أحداثها ومفارقاتها، التي وقعت في التسعينات، تبدو كذلك، بل صدرت على نحو مذكرات، بعنوان «ذئب وول ستريت»، وضعها المضارب في البورصة وأسواق المال غوردان بلفورت عن تجربته في وول ستريت ومضارباته التي انتهت بحصوله على ثروة قدرت بأكثر من مائة مليون دولار، وقع ضحيـتها زبائن خدعهم غوردان بلفورت فأودعوه أموالهم، لكنه استولى عليها، وكاد يفلت من العقاب لولا أنه سقط في شباك الـ«إف بي آي» التي أودعته السجن لسنة وعشرة أشهر وأجبرته على رد أموال بلغت أكثر من 110 ملايين دولار.
النجمان اللذان سعيا لتحويل الكتاب إلى فيلم هما براد بيت وليوناردو ديكابريو. كل لديه شركة إنتاج يملكها بالكامل، وكل وجد أن المشروع الذي يحكي صعود وهبوط تلك الشخصية التي غرقت في فساد الحياة المادية، فرصة للعب دور جديد عليه. والذي فاز به هو ديكابريو، الذي سارع بالاتصال بالمخرج مارتن سكورسيزي عارضا عليه مشاركته إنتاج الفيلم والقيام بإخراجه. اهتم سكورسيزي بالمشروع وقام بكتابة السيناريو وعرضه على شركة «وورنر» التي عادة ما يتعامل معها، لكنه كان في عام 2008 دخل مشروع فيلم «Shutter Island» الذي جرى تصويره بعد عامين مع ديكابريو ومارك روفالو في البطولة. وخلال ذلك، أبلغه الاستديو أنه لن يمول الفيلم.
بعد انتهاء تصوير «شـتر آيلاند»، غيـرت «وورنر» رأيها واتصلت بالمخرج ريدلي سكوت وفاتحته في الموضوع، ثم غيرت رأيها ثانية وتخلـت عن الموضوع مجددا. التقطت المشروع شركة تمويل جديدة اسمها «رد غرانايت بيكتشرز» وأمـنت له ميزانيته التي بلغت مائة مليون دولار، ثم عرضته على استديو «باراماونت» للتوزيع في الولايات المتحدة وكندا. وكان المفترض أن يباشر الفيلم عروضه التجارية في منتصف الشهر الماضي، لكن هذا الموعد تأخر إلى الأسبوع المقبل من شهر ديسمبر (كانون الأول). سبب التأخير، أن مدة العرض قاربت الأربع ساعات، مما جعل المخرج يدخل غرفة المونتاج مجددا والقيام بتوليف نسخة جديدة من ثلاث ساعات.
* تاريخ وول ستريت «ذئب شارع وول ستريت»، لم يكن نزهة بين حدائق موضوع يتحلـى بالأسماء الكبيرة. وكما يتـضح من مسيرته الملخـصة أعلاه، لم يستطع حتى اسم ديكابريو وسكورسيزي، جذب «وورنر»، وهو واحد من الاستديوهات الكبيرة في هوليوود بلا ريب، للإيمان به. الاعتقاد الذي ساد في تلك المؤسسة، أن الجمهور لن يطيق متابعة فيلم يدور عن سوق البورصة أولا، ويستلهم من حياة رجل تعامل مع الجريمة والمخدرات وسرقة الزبائن ثانيا.
في خلفية القرار حقيقة أنه في عام 2000 جرى تحقيق فيلم بعنوان «غرفة التسخين» (Boiler Room)، (أخرجه بن يونغر)، مستوحى من شخصية غوردان بلفورت ولم ينجز أي نجاح يـذكر. كذلك حقيقة أن الأفلام الروائية الثلاثة التي جرى تحقيقها في السنوات الثلاث الماضية عن متاعب شارع «وول ستريت» الاقتصادية، وذلك بدافع التعليق على الأزمة المالية الشاملة التي وقعت سنة 2008، لم تؤت ثمارها المرجوة.
هذه الأفلام بدأت بفيلم ممتاز عنوانه «نداء هامشي»، أخرجه ج س شانتور، حول حياة شخصيات عدة تعمل في مصرف للاستثمارات: جيريمي آيرونز في دور الرئيس الذي سيجد لديه القدرة على المراوغة في تعاملاته بالبورصة لضمان سلامة النخبة في المؤسسة والتضحية بالآخرين (بول بيتاني، زاكاري كوينتو، سايمون بايكر). تبعه على الفور فيلم جيـد آخر، أخرجه جون ويلز، حول البيئة المصرفية ذاتها وما يحدث فيها من بطولة بن أفلك وتومي لي جونز وكريس كوبر، عنوانه «رجال الشركة».
كلا هذين الفيلمين أخفقا في جذب الجمهور الواسع، لكن ميزانية كل منهما كانت محدودة (نحو 15 مليونا للفيلم الواحد)، مما ساعد على امتصاص النتائج المادية. الأمل، سنة 2011، أنيط بفيلم ثالث هو الأكبر بين هذه وهو فيلم أوليفر ستون «وول ستريت: المال لا ينام» الذي أنتجته «فوكس» بميزانية وصلت إلى 75 مليون دولار.
هذه المرة كان هناك قدر من التفاؤل، نظرا لأن هذا الفيلم حاول العودة إلى شخصيات فيلم أوليفر ستون السابق «وول ستريت» سنة 1987 الذي حقق نجاحا لافتا حينها. لكن، بينما ضرب الفيلم السابق على محك العلاقة بين الإنسان والمادة، ونقد للتصرف غير المسؤول لرجال ومؤسسات الشارع المصرفي المذكور (ومنه دلف الفيلم إلى نقد الرأسمالية)، أخفق الفيلم الجديد في إثبات الحاجة إليه. لقد أوهم المخرج ستون متابعيه بأنه سيقدم فيلما ينتمي إلى أعماله النقدية وأنه سيمنح الفيلم رؤية تنفـس غضب عموم المشاهدين مما حدث سنة 2008 وتبعاتها، ثم أنجز فيلما حول «الجشع الجيـد» كما جسده مايكل دوغلاس والحب الذي سيربط بين ابنته كاري موليغن والشاب النظيف شاي لابوف.
«المال لا ينام» لم ينجز تلك الآمال التجارية، والمقارنة بينه وبين الفيلمين السابقين «رجال الشركة» و«نداء هامشي» كان لصالح الفيلمين السابقين في نطاق الجدوى والمضمون كما في نطاق العناصر الفنية البحتة.
* خمسة لقاءات «ذئب وول ستريت» هو اللقاء الخامس بين المخرج مارتن سكورسيزي والممثل ليوناردو ديكابريو، وهو آيل لدخول المسابقة الرسمية لأوسكارات العام المقبل. كذلك هو تعاون بدأ بينما كان ديكابريو لا يزال يصعد سلـم النجاح عام 2002 عبر فيلم «عصابات نيويورك» الذي امتزج فيه الخيال بالواقع في أحداث وقعت عام 1863. ديكابريو لم يكن الاختيار الأول لمارتن سكورسيزي، الذي سعى قبل ذلك لوضع دان أكرويد وجون بولوتشي في الدورين اللذين لعبهما ديكابريو ودانيال داي لويس. لكن وفاة الثاني ألغت المشروع سنة 1978.
حين جرى إحياء المشروع على أن ينفـذه المخرج في استديوهات «شينيشيتا» الأسطورية بروما، وضع في البال مل غيبسون في الدور الأول، وانطلق يتابع الديكورات الكبيرة التي جرى إنشاؤها رغم أن صديقه جورج لوكاس قال له خلال زيارة له، إن مثل هذه المدن التاريخية المنوي إنشاؤها يمكن للديجيتال تحقيقها من دون الحاجة إلى بنائها الفعلي. في تلك الأثناء، جرى تعديل جديد تم بموجبه جلب ديكابريو وداي - لويس للقيام بالدورين الرئيسين عام 2002.
الفيلم الثاني كان «الطيـار» (2004): سيرة حياة المنتج والمغامر والمليونير الراحل هوارد هيوز. المشروع أعاد سكورسيزي وديكابريو (الذي لعب دور هيوز) إلى تاريخ ماض (مطلع القرن) لمتابعة حياة رجل أحاط نفسه بالكثير من الغموض. بعد سنتين، أنجزا معهما اللقاء الثالث: فيلم بوليسي شارك في بطولته إلى جانب ديكابريو كل من مات دايمون، وجاك نيكولسون، ومارك وولبرغ. ثم تلا هذا الفيلم «شـتر آيلاند» (2010) الذي انتقل إلى حقبة أقرب من التاريخ (الخمسينات) في عالم يتماوج بين الخيال والواقع وبين الوهم والحقيقة.
فيلم سكورسيزي المقبل
* حال انتهى مارتن سكورسيزي من «ذئب وول ستريت»، انصرف لتحقيق فيلم تسجيلي كان وقـع عقده مع محطة «HBO» الأميركية، وها هو الآن يمضي الوقت في تصويره. الفيلم لم يتـخذ لنفسه عنوانا بعد، لكنه يدور حول بيـل كلينتون ويتضمـن مقابلة معه ومقابلة مع زوجته هيلاري وحياة كل منهما السياسية في البيت الأبيض وقبله.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.