الراحل سيد البحراوي... حياة اقترنت بالألم

شكل نموذجاً للمثقف الوطني والأستاذ الجامعي

سيد البحراوي
سيد البحراوي
TT

الراحل سيد البحراوي... حياة اقترنت بالألم

سيد البحراوي
سيد البحراوي

كان للراحل الناقد الأدبي سيد البحراوي، الذي غيبه الموت بالقاهرة مساء الجمعة الماضي، عن عمر يناهز 65 عاماً، بعد صراع مرير مع مرض السرطان، دور كبير في الحركة الثقافية المصرية والعربية. وكما ذكر الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، على لسان رئيسه الشاعر حبيب صايغ، فإن «الراحل بجانب كونه أحد ألمع النقاد العرب الذين اهتموا بالواقعية، فإن له مواقفه الوطنية الناصعة التي لم يبدلها طوال عمره، فكان في طليعة المثقفين الذين عارضوا التصالح مع العدو الصهيوني، والتطبيع معه، كما نذر حياته مدافعاً عن العدل الاجتماعي والحريات العامة والخاصة، منادياً بالدولة المدنية الديمقراطية التي تقوم على أسس العلم والتكنولوجيا واحترام حقوق الإنسان».
أما الناقد الدكتور يسري عبد الغني، فقال: «إن البحراوي تعرض لمرض العصر الذي أصاب عدداً ليس بقليل من المصريين، وبعد أن تعافى منه قدم لنا ما يشبه السيرة الذاتية في كتابه (في مديح الألم) الصادر عن دار الثقافة الجديدة، يروي فيه تفاصيل يومياته خلال رحلة العلاج من هذا المرض اللعين، وكيف اكتشف أن الألم قرين للحياة، مثل السعادة أو الراحة، وأن كل الكائنات الحية تشعر به، وتحاول البحث عن وسائل للهروب منه. وتعيش بأقل قدر من الألم والتعاسة، وأقل قدر ممكن من إزعاج الآخرين».
وذكر عبد الغني أن جملة البحراوي «احتمال الموت يجعلك أكثر قدرة على مراقبة تمثيليات الأحياء لترتيب مستقبل حياتهم، وما فيها من سذاجة وطفولة»، كانت طريقه إلى كشف عميق لما أراد الحديث عنه في كتابه هذا.
وقد أجمع كل من تحدثوا عن كتاب «في مديح الألم»، حسب رأي عبد الغني، على أنه غني بمقولات طريفة، فعندما تعرف أن «عكس كلمة الألم الراحة وليس السعادة»، فإنك تقرأ الكتاب وتنتهي منه وتظل هذه الجملة ساكنة في روحك لا تفارقها أبداً، كأنها اكتشاف «لغوي وفلسفي»، إذ تعود أفكار الكاتب إلى ما عايشه هو ذاته، فتقدم صوراً مغايرة وتشبيهات وتمثلات مختلفة عن المألوف. «إن الكتابة عن المرض ليست بدعة، فكثير من الكتاب العالميين كتبوا في هذا الصدد من قبل، لأنهم عندما وجدوا أنفسهم في محنة الألم تفجرت داخلهم حكايات ومقارنات وتعليقات، واكتشفوا أنهم في حاجة إلى التعرف على أنفسهم من جديد كأنهم يولدون مرة أخرى. ولا أدلّ على ذلك من قصيدة الحمى التي كتبها المتنبي».
وقال عبد الغني إن سؤال البعض: لماذا يمدح سيد البحراوي الألم؟ يجيب هو ذاته عنه بقوله: «انشغلت بموضوع الألم، وشغفت به نحو عام قبل أن أبدأ علاج السرطان، ثم توقفت إجبارياً، لكن بعد انتهاء العلاج المؤلم أعود إليه. أريد أن أمجده، باعتباره قرين الحياة، فلا حياة بلا ألم».
وقال الناقد الدكتور عباس التونسي الذي جمعته بالبحراوي صداقة طويلة: «ما أود الحديث عنه ليس سيد البحراوي الناقد أو المبدع رغم قيمة إنجازه، بل الأستاذ الجامعي الذي يمثل نموذجاً كاد يختفي من حياتنا، كان يحرض طلابه على التفكير والاستقلال، الذي يساعدهم أن يكونوا أنفسهم، لم يمارس الاستعلاء أبداً، وكأنه آخر الحكماء، ويؤمن أن الأستاذ الجامعي ليس في حاجة إلى التكسب من مصادر أخرى أو التزلف لأحد في السلطة أو خارجها، ويرفض أي عمل لا يتوافق مع قناعاته سواء في هيئات أكاديمية أو غير أكاديمية. لقد جسد نموذج المثقف الوطني الذي لم يكتفِ بالنجاح المهني في مجاله أو في تخصصه، بل انغمس في التصدي لمحاولات الاختراق والتطبيع، وأسس مع آخرين من الأساتذة الأجلاء حركة 9 مارس (آذار) استقلال الجامعة. كان حاداً في التعبير عن وجهة نظره وموقفه، ولم يتخلَّ أبداً عن حبه وصداقته وإنسانيته حتى في حالة الخصومة الفكرية».
وقال الناقد الدكتور يسري عبد الله إن سيد البحراوي يمثل نموذجاً لما سماه أنطونيو غرامشي بالمثقف العضوي. فهو من الفئة التي تنتمي لناسها بالأساس، تلتزم بواقعها، وتدرك شرطها التاريخي والوجودي، وتسعى صوب عالم أكثر جمالاً وعدلاً وإنسانية. ومن هنا، فإن رحيله يشكل إحدى الخسارات الكبرى للثقافة الوطنية، وللثقافة العربية التي سعى بإخلاص نادر ووعي جدلي بالعالم لإخراجها من الحيز التابع للمركز الأورو - أميركي من جهة، أو للوعي الماضوي من جهة ثانية.
واعتبر عبد الله أن كتاب البحراوي «الحداثة التابعة في الثقافة المصرية» سيظل باباً مهماً في هذا السياق، فقد تبدت فيه إسهاماته التطبيقية في النقد التي لا تقل أهمية عن إسهامه النظري، خصوصاً في درسه التطبيقي على الشاعر الفذ أمل دنقل، أو في كتابه اللافت «محتوى الشكل في الرواية العربية».
وزاوج البحراوي، حسب تعبير عبد الله، بين الأدب والنقد، فكان له عدد من الأعمال السردية، من بينها «ليل مدريد، وطرق متقاطعة، وشجرة أمي»، واتسمت كتاباته بروح متأسية شفيفة، ترى العالم من زوايا شديدة الإنسانية والرهافة، فـ«من رحم النقد الاجتماعي خرج سيد البحراوي، ممثلاً إضافة نوعية للحركة النقدية العربية، ويحسب له أن هناك امتدادات مهمة له في العالم العربي، غير تلاميذه من النقاد، والأكاديميين المصريين، عبر جمهرة الباحثين الذين درسوا على يديه، ولعل من أبرزهم البلاغي المغربي الدكتور محمد مشبال».
الروائي الدكتور محمد الدواخلي أحد تلامذة البحراوي ذكر أنه تعاون وشقيقته الدكتورة إيمان الدواخلي معه في «مسابقة التكية» عدة سنوات متتالية في تجربة فريدة تصل بين جيل الشباب والنقاد وناقشت أعمالاً في مجالات يبتعد عادة عنها النقاد كالخيال العلمي والفانتازيا والرعب.
وتحدث الدواخلي عن دور البحراوي في الوسط الإبداعي المصري، مشيراً إلى أنه كان يبحث عن الكاتب ويذهب إلى تلاميذه، ولا ينتظر مجيئهم. لقد كان، كما أضاف، أديباً راقياً، ليس في كتاباته فقط بل في كل حياته، وترك بصمة فريدة في تشكيل كثير من كتاب مصر في زمن اعتاد فيه النقاد السخرية من الجيل الجديد. ولم يكتفِ بدوره ومجهوده، بل مد الجسور لتصل بين زملاء له ومزيد من الشباب.
وعمل أستاذاً جامعياً للأدب العربي الحديث والنقد في كلية الآداب جامعة القاهرة، كما عمل لفترة في جامعة ليون الثانية بفرنسا، وتولى الإشراف على عشرات الرسائل العلمية في مصر والجزائر وفرنسا، وأصدر عدداً من المؤلفات النقدية والإبداعية المهمة.



علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
TT

علي بن تميم: لا بدّ من الريادة في التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي

جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024
جانب من معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024

في حوار «الشرق الأوسط» مع الدكتور علي بن تميم، رئيس «مركز أبوظبي للغة العربية»، في هيئة الثقافة والسياحة في أبوظبي، الذي يتبع له مشروع «كلمة» للترجمة؛ أحد أكبر المشاريع الثقافية في العالم العربي، تحدّث عن التحديات التي تسوقها وسائل التواصل للهوية الثقافية للمجتمعات المحلية، لكنه دعا إلى الريادة في استخدام التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي بوصفها سبيلاً للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيزها، وذلك عبر تغذية الفضاء الرقمي بالمنتجات الفكرية والأدبية الجادة والرصينة.

لاحظ الدكتور علي بن تميم، أن الوسائل الرقمية فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب، وهي تحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل. وهنا نص الحوار:

> كيف ترون التحديات التي تواجهها الهوية الثقافية، وسط طوفان الثقافات السريعة التي تفرضها العولمة؟

- بالتأكيد فإن الثقافة التجارية السريعة، ومخرجات العولمة، التي قد تشكل فرصاً لتعزيز الهوية المتفردة، لها تأثيرات كبيرة وتفرض تحديات بالغة على المجتمعات، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي وما تفرضه من تشويه للغة العربية، والمفردات والتراكيب وغيرها، وما تنشره من محتوى مجهول المنشأ خصوصاً في مجالات الأدب والشعر والسرد، وهو ما بات يشكل تهديداً وجودياً لقطاع النشر من خلال إمكانية الوصول وتفضيلات الشباب لتلك الوسائل، وعدم التزام الوسائل الرقمية بحقوق الملكية الفكرية، لا بل بالتلاعب بالمحتوى واجتزائه وتشويهه، والأخطاء الجسيمة في حق اللغة والهوية الثقافية والاجتماعية التي تمارسها بعض المنصات.

الدكتور علي بن تميم (رئيس مركز أبوظبي للغة العربية)

> كيف رصدتم الأثر غير الإيجابي للوسائل الرقمية؟

- من الملاحظ أن تلك الوسائل فرضت تغييرات في اهتمامات الشباب ونظرتهم ومحاكمتهم لمختلف الشؤون التي يعبرون بها في حياتهم، واللجوء إلى المعلومات المبتورة والابتعاد عن القراءات الطويلة والنصوص الأدبية والمعرفية الشاملة وغيرها التي تحقق غنى معرفياً حقيقياً.

وتأتي تلك التحديات مدعومة بالفجوة في المحتوى الثقافي العربي الحقيقي على تلك الوسائل، ما يعزز ضعف التفاعل مع الموروث الثقافي، حيث تفتقر العديد من المبادرات الثقافية التي تركز على الترويج للأصالة بصورة تتفاعل مع الأجيال الجديدة، إلى الوسائل الحديثة والتفاعلية التي تجعلها جذابة للأجيال الشابة. ويضاف إلى ذلك تأثير اختلاف طبيعة الأعمال وأسواق العمل، التي يتم فيها تسليع الثقافة لغايات تجارية.

> لكن الإمارات – كما بقية دول الخليج – قطعت شوطاً كبيراً في تمكين التقنيات الرقمية... فهل يأتي ذلك على حساب الهوية الثقافية؟

- صحيح، ينبغي النظر إلى أن ريادة الدولة في المجالات الرقمية والذكاء الاصطناعي تشكل بحد ذاتها عامل دعم للهوية الثقافية، إضافة إلى تأثير البيئة الاجتماعية ومخزونها القوي من الثقافة وغنى هويتها، والدور الإيجابي للمعرفة الرقمية في تعزيز تنافسية الدولة وريادة الأعمال، ووجود كفاءات متعددة للاستفادة منها في تعزيز المحتوى الثقافي والهوية الثقافية، على دراية كاملة بأساليب ووسائل انتشار تلك المنصات ووصول المحتوى إلى الجمهور المستهدف، وإمكانية استغلال ذلك في خلق محتوى ثقافي جديد موازٍ للمحتوى المضلل يمتلك كفاءة الوصول، والقدرة على مخاطبة الشباب بلغتهم الجديدة والعصرية والسليمة، لمواجهة المحتوى المضلل، إن جاز التعبير.

> ما استراتيجيتكم في مواجهة مثل هذه التحديات؟

- تساهم استراتيجية مركز أبوظبي للغة العربية، في تعزيز الهوية الثقافية الإماراتية والحفاظ عليها وسط تأثيرات العولمة. وتشكل المهرجانات الشاملة مثل مهرجان العين للكتاب ومهرجان الظفرة للكتاب ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، والجوائز الرائدة مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة سرد الذهب، وغيرها، بما تتضمنه من مبادرات متكاملة ثقافية واجتماعية وفنية ورياضية ومسابقات تنافسية، واحدة من وسائل لتعزيز جاذبية تلك المهرجانات والجوائز للجمهور، وتحفيزهم على المشاركة بها، من خلال دمج الموروث الثقافي بالوسائل العصرية.

كما يقوم مركز أبوظبي للغة العربية من خلال الشراكات الدولية بتعزيز نشر الثقافة الإماراتية وإبراز دورها الحضاري العالمي، ما يمنح مزيداً من الفخر والاعتزاز للشباب بهويتهم الثقافية ويحفزهم على التعرف عليها بصورة أوسع.

الترجمة والأصالة

> مع تزايد الترجمة بين اللغات، كيف يمكن ضمان أن تكون الأعمال المترجمة ناقلاً للأصالة الثقافية من مصادرها وليست مجرد (انتقاءات سطحية) لا تمثّل التراث الثقافي للشعوب أو للمبدعين؟

- يدرك مشروع «كلمة» للترجمة بمركز أبوظبي للغة العربية أهمية الترجمة ودورها البارز في دعم الثقافة بعدّها وسيلة أساسية لتعزيز التقارب، والتسامح بين الشعوب، انسجاماً مع توجهات دولة الإمارات ودورها في تعزيز تبني ثقافة التسامح بين الحضارات والشعوب. وقد أطلق المركز أربعة مشاريع رئيسية للترجمة حققت قفزة نوعية في مستوى الترجمة العربية، واعتماديتها ومستوى الموثوقية التي تحظى بها في الأوساط الأكاديمية ومؤسسات النشر العالمية، ما جعله شريكاً رئيسياً لكبرى مؤسسات وشركات ومراكز الأبحاث المعنية بالترجمة على مستوى العالم، على الرغم من التحديات الواسعة التي تجاوزها مشروع كلمة للترجمة، بسبب الطبيعة المكلفة لنشاط الترجمة والنشر، والأخطاء المتوقعة، وتحديات توافر المترجمين من أصحاب الكفاءة الذين يمكنهم نقل المعرفة بسياقها وروحيتها الأدبية والعلمية نفسها، مع الحفاظ على عناصر السرد والتشويق.

وفي هذا الإطار اعتمد المركز جملة من المعايير التي ساهمت بفاعلية في ريادة مشاريع النشر الخاصة به، التي تشمل اختيار الكتب، والمترجمين بالاعتماد على لجنة من المحكمين المشهود بخبرتهم في الأوساط الثقافية والعلمية والأكاديمية العالمية. كما عزز كفاءة المترجمين، والقدرة على إيجاد أصحاب الاختصاصات من ذوي الكفاءات عبر التعاون مع المؤسسات الأكاديمية في الدولة ومراكز الأبحاث العالمية، وتدريب مترجمين مواطنين بلغ عددهم اليوم نحو 20 مترجماً من أصحاب المهارات والمواهب في قطاع الترجمة، التي يحكمها الشغف والتطوير المستمر وحب القراءة، والقدرة على السرد.

> ماذا تحقق في هذا الصعيد؟

- ساهمت جهود المشروع في ترجمة أكثر من 1300 كتاب، وتوسيع اللغات لتشمل 24 لغة حتى اليوم، بالإضافة إلى الترجمة عن اللغتين التشيكية والسلوفاكية. كما شملت قائمة المترجمين أكثر من 800 مترجم، إضافة إلى تعاون نحو 300 آخرين مع مشاريع المركز، وانضمام 20 مواطناً من جيل الشباب والخريجين إلى القائمة، نحرص على توفير كل سبل الدعم والتحفيز لهم، لتشجيعهم على خوض غمار تجربة الترجمة تحت إشراف مترجمين محترفين.

وقد وفر تعدّد المشاريع التي يحتضنها المركز وخصوصيتها، نماذج خبرة متعددة وشاملة، ساهمت بشكل فعّال في تعزيز الكفاءة في قطاع الترجمة وصولاً إلى تحقيق السمعة الرائدة التي يحظى بها المركز في الأوساط العالمية حالياً، ومنها «مشروع إصدارات» الذي يعنى بالكتب التراثية والأدبية، وكتب الأطفال والرحالة، و«مشروع كلمة» الذي يمثل نقلة نوعية في تاريخ الترجمة العربية من خلال ترجمة نحو 100 كتاب سنوياً، منذ انطلاقته، من أرفع الإنتاجات المعرفية العالمية، إضافة إلى إطلاق «مشروع قلم»، وجميعها مبادرات رائدة تحظى بالاعتمادية والموثوقية العالمية، وتتبنى أرفع معايير حقوق النشر.

> كيف يوازن مشروع «كلمة» بين الحفاظ على التراث الثقافي ودعم الإبداع الحديث، هل ثمّة تعارض بينهما؟

- الموروث الثقافي والتاريخي يشكل ذاكرة وهوية المجتمعات، وهو نتاج عقول وجهود بشرية مستمرة، وتواصلٍ إنساني أسفر عن إرث فكري وإبداعي توارثته الأجيال، وهو مصدر ثري ومهم للإبداع في الفن والأدب.

ومن جهته، حرص مشروع كلمة على الاهتمام بترجمة كتب التراث العالمي، فقدم بادرة لترجمة سلسلة ثقافات الشعوب في 72 كتاباً تتضمن ترجمة لمئات الحكايات والقصص من التراث الشعبي والفلكلوري العالمي بهدف تعزيز العمق الثقافي الجامع بين مختلف الأعراق والجنسيات والثقافات.

وفي الإبداع الحديث ترجم العشرات من الروايات لكتاب عالميين، بالإضافة إلى ترجمة الشعر الأميركي الحديث، وكتب النقد والدراسات الأدبي والشعر الغربي.

ويسعى مركز أبوظبي للغة العربية عبر هذا المشروع إلى دمج نماذج الإبداع الحديث بالتراث الثقافي التي لا تشكّل أي تعارض في مضمونها، بل تحقّق تكاملية، وشمولية لتطوير الإبداع الثقافي وضمان مواكبته للتغيرات العصرية لتعزيز وصوله للمتلقين من دون إهمال العلوم ونشر جوانب المعرفة.

المعرفة والذكاء الاصطناعي

> هل نحن في سباق مع التقنيات الذكية للوصول إلى المعرفة مهما كلّف الثمن؟ كيف يمكن لحركة الترجمة أن تستفيد منها؟

- تشكل التقنيات الذكية بعداً أساسياً لانتشار المحتوى العربي الرائد والمتوازن في العصر الحالي، غير أنها لا تدخل ضمن اسم السباق وليست هدفاً في حد ذاتها، بل يتم استثمار إمكاناتها لتعزيز تحقيق الأهداف الاستراتيجية الثقافية ونشر اللغة العربية والثقافة العربية، ومواجهة التحديات التي يفرضها تجاهلها.

وتبرز أهمية استثمار الوسائل الذكية في تحديد وترسيخ احترام الملكية الفكرية، وإيجاد وسائل إلكترونية رقمية للحد من التعديات عليها.

وبالتأكيد، فإن استثمار المخرجات الذكية من شأنه تعزيز حركة الترجمة وتنوعها، وخلق تنافسية جديدة تعزز من ريادة القطاع.

رواد الثقافة قادرون على كشف «المسوخ» التي ينتجها الذكاء الاصطناعي

علي بن تميم

> هل هناك مخاوف من «مسوخ» ثقافية ينتجها الذكاء الاصطناعي تؤدي لمزيد من تشويه الوعي؟

- يستطيع رواد الثقافة التمييز بسهولة بين المنتج الثقافي الإبداعي والمهجن أو الدخيل، غير أن التحديات التي يفرضها الواقع الرقمي يتمثل في تشويه الإبداع الثقافي بين أفراد المجتمع، وفي رأيي فإن الوسائل الذكية أتاحت لبعض المدعين مجالات للظهور لكنها لا تزيد على فترة محدودة. فالثقافة والإبداع مسألتان تراكميتان وموهبتان لا يمكن اقتحامهما بسهولة، ونسعى بحرص إلى الاستفادة من البنية الرقمية الرائدة للدولة في إطلاق مبادرات ذكية وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي لنشر المحتوى الثقافي الحقيقي الذي يمثل هويتنا وحضارتنا.

> كيف يمكن لحركة الترجمة أن تتجنب التحيّز الثقافي وتقدم نصوصاً دقيقة وموضوعية؟

- الترجمة رافد مهم من روافد الثقافة الإنسانية، ومثل أي مهنة أخرى، تخضع مهنة الترجمة لمجموعة من الأخلاقيات التي ينبغي الالتزام بها. والكفاءة اللغوية والقدرة على ترجمة النص ليستا المعيار الوحيد في عملية الترجمة من لغة إلى لغة، فالابتعاد عن التحيز الثقافي والفكري واحترام الاختلافات الفكرية والثقافية، وفهم السياقات الثقافية المختلفة للغة المصدر وللغة المترجم إليها من الأمور الحيوية والمهمة في تقديم ترجمات رصينة وخالية من التشوهات. وبهذا يتحقق الهدف الأسمى للترجمة وهو تقريب الشقة بين الثقافات والحضارات.ويتم اختيار الإصدارات الخاصة بالترجمة بناء على أهميتها العالمية وما تقدمه من قيمة مضافة للقراء توسع مداركهم، وتعزز رؤيتهم للمستقبل، من خلال لجنة متنوعة ومتخصصة تعزز الموضوعية وسياقات الحوكمة واحترام حقوق الملكية الفكرية وغيرها من معايير وقيم عليا.