لم يكد المصريون يتجاوزون تبعات قرار زيادة تعريفة مترو الأنفاق، قبل شهر تقريباً، حتى داهمهم رفع أسعار الكهرباء ثم المحروقات، وفي حين تقول الحكومة وكذلك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن هذه الإجراءات ضرورية رغم صعوبتها، ويشبهها مؤيدوها بـ«الدواء المر»، يعتقد خبراء أنه كان من الممكن تجنب بعضها حرصاً على تلافي تأثيرات اجتماعية وسياسية متوقعة.
وقبل عامين حررت مصر سعر صرف عملتها المحلية لتصل إلى أدنى مستوياتها أمام العملات الأجنبية، ما تسبب في زيادات متسارعة في أسعار الخدمات، وكذلك تجاوز التضخم نسبة 30 في المائة في العام الماضي.
ويقول عضو مجلس النواب مصطفى الجندي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «قرارات الحكومة دواء مر لا بد من تذوقه، للنهوض باقتصاد البلاد من عثرته، والتخلص من تبعية المعونات، وإن كان ذلك سيكون على حساب جيوب المواطنين».
ويضيف أن «هذا البلد في خضم أزماته المالية استطاع توفير 65 مليار جنيه مصري (3.6 مليارات دولار) لدعم مشروع قناة السويس الجديدة، وهو على استعداد لدفع غيرها في مشروعات أخرى».
ومع ذلك يقول الجندي: «خطوات التخلص من الدعم يجب أن تقترن بخصوصية الحالة المصرية، بحيث لا تزيد الأسعار على المواطن دون أي تحريك للأجور يغطي هذا العجز، أو دون مراعاة الفروق الطبقية داخل المجتمع، التي تتطلب تفاوت نسب الزيادة حسب إمكانيات كل شريحة».
ويعاود الجندي التأكيد على ما يراه «أهمية للإجراءات، أنها فاتورة لا بد من دفعها حتى لا تتحملها الأجيال المقبلة، لكن على القيادة السياسية دراسة القضية ووضعها تحت أعينها، خاصة مع ظهور تجارب مماثلة في دول قريبة مثل اليونان والأردن وغيرهما، فمثل هذه الإجراءات قد تكلل بالنجاح وتقود البلاد نحو تنمية وطنية، أو تخفق في مهمتها فتتسبب في إثارة المواطنين».
ويوضح نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، لـ«الشرق الأوسط»، أن «استمرار رفع أسعار جميع الخدمات، في وجود نسبة تقارب 25 في المائة من المصريين يعيشون على دولار أو أقل يوميا، سيصنع حالة من التوتر السياسي والاجتماعي».
بعد آخر للزيادات يضعه ربيع، فيقول إنه «بالإضافة إلى ارتفاعات الأسعار، يعاني محدودو الدخل من ضعف دور مؤسسات التكافل الاجتماعي، التي كانت تدعمهم بخدماتها، قبل أن يتقلص نشاطها بعد اشتراطات قانون الجمعيات الأهلية، الذي خنق هذا المنفذ الهام، ما أدى بالضرورة إلى قلة حجم الدعم الموازي، الذي كانت تلجأ إليه الدولة في سنوات سابقة للتخفيف من حدة قراراتها الصعبة».
ويضيف: «الحكومة تبرر قراراتها للمواطن بدعوى عدم وجود موارد لتغطية الاحتياجات، في حين أن هناك الكثير من القرارات التي بدورها تنمي هذه الموارد حال اتخاذها، على رأسها الضريبة التصاعدية، مع تحجيم إجراءات الروتين الحكومي».
وفي مطلع الشهر الجاري قررت الحكومة المصرية منح العاملين والموظفين بالدولة علاوتين، خاصة واستثنائية؛ لمواجهة ارتفاع أسعار وغلاء المعيشة.
غلاء الأسعار... دواء الحكومة المر يتجرعه محدودو الدخل
غلاء الأسعار... دواء الحكومة المر يتجرعه محدودو الدخل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة