رحلات العابرين بين مصر وغزة تنعش مرافق سياحية بسيناء

TT

رحلات العابرين بين مصر وغزة تنعش مرافق سياحية بسيناء

ببصر شارد مشدود لزرقة البحر، يجلس محمد زين الدين، في استراحة سياحية على شاطئ المتوسط في مدينة العريش شمال سيناء، ولسان حاله يقول: «متى أصل لليونان على الجانب الآخر من البحر لاستكمال الدراسة؟».
هذه اللحظة الحلم ينتظرها «زين الدين» منذ مغادرته قطاع غزة ضمن 25 آخرين أقلتهم حافلة من قبالة الجانب المصري لمعبر رفح في طريقها لمطار القاهرة، واقتطع العابرون بعضا من وقت رحلتهم لتناول طعامهم في إحدى الاستراحات المنتشرة على طريق العريش الساحلي، وهو ممر سيرهم.
وتفتح مصر معبر رفح بينها وقطاع غزة بشكل استثنائي بالمواكبة مع حلول شهر رمضان وعيد الفطر، وخلال تلك الفترة استقبلت حالات إنسانية ومرضى وجرحى من مصابين برصاص الاحتلال الإسرائيلي في مظاهرات حق العودة، وطلبة وعاملين في الخارج، كما عاد لغزة من الجانب المصري من استكملوا علاجهم في مستشفيات مصرية وعالقون وعائدون من الخارج.
وقدرت مصادر مسؤولة في معبر رفح من الجانب المصري أعداد العابرين خلال هذه الفترة بنحو 13 ألف شخص مروا في الاتجاهين، بينهم نحو 10 آلاف قادمين من غزة.
وكانت فترة تشغيل معبر رفح طوال شهر رمضان هي الأطول من نوعها منذ إغلاقه، بعد حادث استهداف إرهابيين نقطة ارتكاز للجيش المصري في منطقة كرم القواديس شرق العريش في أكتوبر (تشرين الأول) 2014، أعقبه التشغيل لفترات استثنائية، تراوحت ما بين 3 أيام لنحو أسبوع على فترات متقطعة، سمح خلالها بعبور العالقين والحالات الإنسانية وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة.
وقال «زين الدين» لـ«الشرق الأوسط»، إنه من بين كثير من أبناء غزة الذين ابتسم لهم الحظ، وسمح لهم بالعبور، لافتاً إلى أنه في طريقه لجامعة «سالونيك» اليونانية للحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، مضيفاً أن ضيق الحال عليهم في غزة، جعلهم يفكرون في البحث عن مخرج، وأنه كشاب يفكر جديا لبناء مستقبله العلمي الذي حرم منه في القطاع الذي تحاصره إسرائيل، وتهدد باجتياحه بين الحين والآخر. ويقطع المسافرون الفلسطينيون القادمون من قطاع غزة للجانب المصري نحو 40 كيلومتراً عبر طريق رفح العريش، وهو الطريق المار بمناطق عمليات ملاحقة الجيش والشرطة المصرية لمجموعات إرهابية نشطت في تلك المناطق منذ عام 2014. وفي فبراير (شباط) الماضي، أطلقت قوات الجيش والشرطة عملية سمتها «المجابهة الشاملة سيناء 2018» لتطهير شمال ووسط المحافظة من هذه المجموعات.
المرور عبر هذا الطريق هو الصعب من نوعه كما تقول آمنة عبد الستار، سيدة خمسينية، يرافقها نجلها «سمير»، في طريقها لأحد المستشفيات الخاصة بالقاهرة لإجراء عملية جراحية.
تقول «آمنة» لـ«الشرق الأوسط»، إنها غادرت معبر رفح في الساعة الواحدة ظهرا، واستمر سيرها على طريق رفح العريش لنحو ساعتين، نظرا لمرورهم عبر حواجز أمنية على طول الطريق، فضلا عن انتظارهم على باب المعبر، لحين تجمع عدد من الحافلات ليتم تحركهم تحت حراسة آليات أمنية تتقدمهم إحداها والأخرى خلفهم، وبين الحين والآخر تسمع طلقات نارية، ويتم التوقف عند الحواجز الأمنية لمراجعة الثبوتية.
واعتبر الدكتور شادي الخواجة، أحد العابرين، أن معاناتهم يخففها كرم استقبال يجدونه عند المرور بالمدن والقرى الواقعة على مسار الطريق بسيناء، مشيرا إلى أنهم يفاجأون بشباب في مقتبل العمر، عندما تتوقف الحافلات للاستراحة أثناء مرورها بمنطقة «أبو صقل» بالعريش يقدمون لهم مشروبات باردة يقفون بها على جانب الطريق.
وأنعشت حركة تشغيل معبر رفح بين مصر وقطاع غزة مجددا، جانبا من الركود الاقتصادي للكافيهات السياحية والفنادق الشعبية وشقق الإيجار في مدينة العريش، بعد أن أصبحت واجهة للمسافرين الفلسطينيين الذين في طريقهم لقطاع غزة، يقضون بها ليلهم ومنها يتوجهون باكرا للمعبر، بينما يتخذها القادمون من غزة في طريقهم للقاهرة استراحة سريعة من عناء إجراءات العبور من غزة لمصر.
أحمد مسعود فرج الله، أب لطفلة في الثالثة من عمرها، تعانى مشكلات في القلب، وكان من بين العابرين العائدين لقطاع غزة بعد استكماله رحلة علاجها في مستشفى الزقازيق الجامعي، التي بدأها في 15 مايو (أيار) الماضي بسفره من غزة لمصر، قال: «إنهم في غزة يعانون كثيرا من ندرة الخدمة الطبية وقلة الكوادر المتخصصة في الأمراض الدقيقة، خصوصا لدى الأطفال، كما أن السفر ليس سهلا حيث يتطلب تقدمه للتنسيق وانتظار دوره»، ومضيفا: «رغم أنى صاحب حالة إنسانية، فإني انتظرت أكثر من أسبوعين حتى أعلن عن دوري في المرور للسفر من غزة لمصر، لكن عند العودة لغزة الأمر يختلف، حيث نصل للمعبر كمسافرين عاديين ويسمح لنا بالمرور، بينما القدوم من غزة يتطلب موافقات وتنسيقات مسبقة، يسبقها بيان بسبب السفر ومراجعة دقيقة لكل ورقة من الجانب المصري أثناء الدخول».
وأكد صلاح عبد الرزاق، الذي كان يرافق زوجته «سهيلة»، أن عودتهم جاءت بعد معاناة شديدة، وقضاء أسبوعين في محافظة الإسماعيلية عند ابنتهم المتزوجة من مصري هناك، مشيرا إلى طول مدة السفر على الطريق من القنطرة على قناة السويس وصولا للعريش، حيث الانتظار على الحواجز الأمنية وقطعهم المسافة في 7 ساعات، بعدها وصلوا لمدينة العريش مع دخول الليل، وهو ما أجبرهم على المبيت في فندق شعبي وسط المدينة.
وقال محمود أشرف، مسؤول استقبال في أحد فنادق العريش الشعبية، إنهم خلال شهر رمضان الماضي استقبلوا 522 شخصا، جميعهم من الفلسطينيين القادمين للمبيت وهم في طريقهم لمعبر رفح، وهو رقم يعتبرونه منعشا لحال الفندق شبه المتوقف عن العمل، نظرا للظروف الأمنية التي تشهدها شمال سيناء.
علي السيد، أحد القائمين على استراحة سياحية على شاطئ العريش، قال إن «كثيرا من المرافق الخدمية في مدينة العريش تستفيد من فتح معبر رفح، وكان تشغيله خلال الفترة الأخيرة لمدة شهر بمثابة ضخ روح فيها بعد توقفها»، مضيفاً أنه يستقبل أعدادا كبيرة من المسافرين القادمين من غزة، الذين يتوقفون لتناول الطعام والشراب وشراء منتجات محلية خفيفة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».