حكومة «المشاريع الكبرى»... رهان السيسي في ولايته الثانية

توسّعت في تعيين نواب للوزراء... وحصة المرأة تتزايد

حكومة «المشاريع الكبرى»... رهان السيسي في ولايته الثانية
TT

حكومة «المشاريع الكبرى»... رهان السيسي في ولايته الثانية

حكومة «المشاريع الكبرى»... رهان السيسي في ولايته الثانية

أدت الحكومة المصرية الجديدة، يوم الخميس الماضي، اليمين الدستورية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وشملت تعيين 12 وزيراً جديداً، بينهم وزراء الدفاع والداخلية والمالية والطيران، إضافة إلى 15 نائباً للوزراء. وقال أحد المراقبين «أداء مصطفى مدبولي اللافت وزيراً للإسكان، ودوره في المشاريع الكبرى التي يجري الإعداد لها حالياً، جعلاه وجهاً مقبولاً لدى الرأي العام الذي يعول عليه كثيراً في تحقيق طفرة اقتصادية شاملة خلال السنوات المقبلة». ونوه بأن «ارتفاع أسعار السلع والخدمات، المرتبطة بخطة الإصلاح الاقتصادي، أصبح أمراً حتمياً وعلى الجميع أن يدرك ذلك، فهو غير مرتبط بشخص رئيس الوزراء».
آمال تحقيق نقلة اقتصادية ملموسة وتحسين الوضع الأمني، يراهن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مستهل ولايته الرئاسية الثانية، على الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى مدبولي. ولقد صاحب الإعلان عن تشكيل الحكومة المصرية الجديدة حالة كبيرة من التفاؤل والأمل، رغم إجراءات اقتصادية مؤلمة تواصل الحكومة اتخاذها في إطار خطة شاملة لتقليل عجز الموازنة العامة.
ضم التشكيل الوزاري: الدكتور مصطفى مدبولي رئيساً لمجلس الوزراء، مع احتفاظه بحقيبة الإسكان والمجتمعات العمرانية، والفريق محمد أحمد زكي وزيراً للدفاع والإنتاج الحربي، والدكتور محمد معيط للمالية، والفريق يونس المصري وزيراً للطيران المدني، ومحمود شعراوي وزيراً للتنمية المحلية، واللواء محمود توفيق وزيراً للداخلية، والدكتورة هالة زايد وزيراً للصحة والسكان، والدكتورة ياسمين صلاح الدين عبد العزيز وزيرة للبيئة، والدكتور عز الدين أبو ستيت وزيراً للزراعة، والدكتور عمرو طلعت وزيراً للاتصالات، والدكتور أشرف صبحي للشباب والرياضة، والمهندس عمرو بيومي وزيراً للتجارة والصناعة، وهشام توفيق وزيراً لقطاع الأعمال العام.
كذلك احتفظ بقية وزراء حكومة المهندس شريف إسماعيل بحقائبهم دون تغيير في الحكومة الجديدة.
غير أن خبراء رأوا أن هذه الحكومة تميزت بملامح عدة، مما ينظر إليها بكثير من الرجاء لتلبية طموحات المصريين، من حيث طبيعة المرحلة المقبلة، ولجم الأسعار المتصاعدة، في حين رأى آخرون أنها جاءت بأجندة تتلخص في استكمال المشاريع الاقتصادية وجدولة ما تبقى من مراحل الدعم.

حقيبتا الدفاع والداخلية
عقب حلف اليمين الدستورية، أوصى الرئيس السيسي أعضاء الحكومة الجديدة التي بدت عليها ملامح شبابية، بأن مهمتها الأولى تتمثل في «تحسين حياة المواطنين، وضغط وترشيد النفقات، مع أهمية استمرار جهود مكافحة الفساد بأقصى طاقة، فضلاً عن تحقيق أقصى تعاون وتنسيق مع أجهزة الدولة ومجلس النواب، إسهاماً في التنفيذ الأمثل لبرامج وخطط الحكومة، وإنجاز التكامل المطلوب بين السلطتين التنفيذية والتشريعية».
وجاء لافتاً أن التشكيل الجديد للحكومة طال وزارات سيادية، تصدرتها وزارتان أمنيتان، هما الدفاع والإنتاج الحربي، والداخلية، الأولى يترأسها الفريق محمد أحمد زكي خلفاً للفريق أول صدقي صبحي، واللواء محمود توفيق لحقيبة الداخلية خلفاً للواء مجدي عبد الغفار، بالإضافة إلى المالية التي شغلها الدكتور محمد معيط.
الملمح الأهم في تغيير منصبي وزيري الدفاع والداخلية أن العادة جرت في الحكومات المصرية السابقة على الاستبقاء عليهما طويلاً. وعلى الرغم من تعيين صبحي نهاية مارس (آذار) عام 2014، وعبد الغفار مطلع الشهر ذاته من عام 2015، فإن التغيير الوزاري لم يستثنهما، علماً بأن الأول واكب محاربة الجماعات الإرهابية في محافظة شمال سيناء، والثاني تصدى لمخططات جماعة «الإخوان» في الداخل. ووصفت هذه الخطوة بأنها تجديد للدماء، ومنح الفرصة لوزراء آخرين يطرحون أفكاراً مبتكرة ورؤى جديدة. واللافت أيضاً أن الرئيس السيسي حرص على لقائهما قبل أن يصدر قراراً بتعيين صبحي مساعداً لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع، وعبد الغفار مستشاراً لرئيس الجمهورية لشؤون الأمن ومكافحة الإرهاب.

للمرأة... «نصيب الأسد»
تحتفظ المرأة في حكومة مدبولي، التي يحلو للبعض تسميتها بـ«حكومة العيد»، بـ«نصيب الأسد»، إذ تمثل بـ11 سيدة. وتضم تشكيلة الحكومة الأولى في ولاية السيسي الثانية سيدتين جديدتين تحملان حقيبتين وزاريتين، هما الدكتور هالة زايد، وزيرة للصحة والسكان، والدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة للبيئة.
ليس هذا فحسب، بل شمل التشكيل 3 نائبات وزير جديدات، هن: نيفين القباج نائبة لوزيرة التضامن للحماية الاجتماعية، وغادة مصطفى نائبة لوزير الإسكان للتخطيط والإصلاح الإداري، وراندا علي صالح نائبة لوزير الإسكان والمرافق، فضلاً عن الدكتورة منى محرز التي تشغل منصب نائب وزير الزراعة لشؤون الثروة السمكية، منذ فبراير (شباط) عام 2017. وفي المقابل، أبقى مدبولي على 5 وزيرات في حكومته، هن: الدكتورة سحر نصر وزيرة التعاون الدولي، والدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي، والسفيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، ورانيا المشاط وزيرة السياحة، والدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والإصلاح الإداري.
وفضلاً عن تمثيل المرأة الملحوظ في الحكومة، فإن الملمح الأبرز يتمثل في عنصر الشباب، إذ عد بعض المحللين والإعلاميين النزول بعمر رئيس وزراء مصر من 63 سنة إلى 52 سنة، وهو سن مدبولي، ملمحاً يدل على النزوع نحو جيل أكثر شباباً، فضلاً عن وجود وزير في الخمسين من عمره مثل أشرف صبحي الذي تولي حقيبة الشباب والرياضة.
ومن بين ما حملت حكومة مدبولي من ملامح، تغيير وزير التنمية المحلية اللواء أبو بكر الجندي الذي لم يمض على تعيينه شهور عدة، على خلفية «زلات لسان» أوقعته في مرمى انتقادات أعضاء مجلس النواب، لكنه ألقى باللائمة على وسائل الإعلام التي قال إنها ضخمت من سقطاته. ورغم كونه شغل منصباً رفيعاً تمثل في رئاسة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فضلاً عن خلفيته العسكرية السابقة، فإن الوزارة الجديدة تجاوزته. ويبقى أن أبو بكر الجندي نفسه كان يتوقع خروجه من التشكيل الجديد، خصوصاً مع وجود الكثير من الأزمات التي وقعت خلال فترته.

نواب الوزراء... «الصف الثاني»
ينظر للحكومة الجديدة على أنها توسعت في إسناد مهام بنواب للوزراء، باختيار 15 نائب وزير، منهم 4 سيدات، مما يفتح الطريق أمامهم مستقبلاً ليكونوا وزراء، الأمر الذي وصفته المعارضة السياسية في البلاد بأنه من الأمور المحمودة في عصر السيسي، بالشكل الذي يوسع دائرة المشاركة، ويخلق كوادر جديدة من الشباب، وتمكينهم من اكتساب مهارات وخبرات وقدرة على تحمل المسؤولية. وعقب حلف الحكومة لليمين، قال النائب علاء عابد، نائب رئيس حزب «مستقبل وطن»، في تصريحات صحافية، إن «اختيار نواب للوزراء مؤشر لتأهيل صف وزاري ثان بهدف توزيع الأدوار في ظل عبء المرحلة، ووجوب سرعة التنفيذ والتغلب على البيروقراطية وإعداد كوادر ووجوه جديدة فاعلة».
وتعهد مدبولي عقب أداء اليمين بتحقيق المزيد من الشفافية والنزاهة وإعطاء الأهمية للفئات الأولى بالرعاية، وقال: «أولوية العمل ستكون على تحسين مستوى معيشة المواطنين، وزيادة كفاءة المنظومة الحكومية، والحفاظ على الأمن القومي المصري، وتعزيز دور مصر الرائد على الأصعدة العربية والأفريقية والدولية». وشدد على دعم الثقة مع المواطنين بالاهتمام بالملفات، والقضايا ذات التأثير المباشر على المواطن، وإنجاز المشاريع القومية.
مدبولي يتأهب لتقديم برنامج حكومته أمام مجلس النواب خلال ثلاثة أسابيع تقريباً، وسط مطالبات برلمانية بضرورة التزامها بترشيد الإنفاق، والابتعاد عن البذخ والإسراف، والعمل على ضبط الأسواق، ولجم تصاعد الأسعار، واستكمال ما تم من المشروعات القومية، وتعظيم الاستفادة من إدارة أصول الدولة، فضلاً عن وضع قاعدة بيانات حقيقية تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه، والعمل على اتخاذ الإجراءات والبرامج التنفيذية في مواجهة أزمة الزيادة السكانية، فضلاً عن زيادة معدلات الإنتاج لتحقيق نهضة تنموية ملموسة، تنعكس آثارها في تحسين معيشة المواطنين.

الأمن والاقتصاد... أبرز التحديات
يأتي التحدي الأمني والإصلاح الاقتصادي وجذب الاستثمارات على رأس التحديات التي تواجه حكومة مدبولي. ومن المنتظر أن تطبق مصر مزيداً من إجراءات التقشف القاسية التي يساندها صندوق النقد الدولي في السنوات المقبلة في مسعى لتعزيز الاستثمارات وتوفير الوظائف في اقتصاد تعصف به اضطرابات منذ ثورة «25 يناير (كانون الثاني)» 2011. وستشمل إجراءات التقشف التي يقف وراءها صندوق النقد خفض دعم الوقود، وهو تحرك سيغضب على الأرجح قطاعات كبيرة من السكان الذين يجدون صعوبة بالفعل في الوفاء باحتياجاتهم.
من ناحية أخرى، تحاول مصر تعزيز الأمن، إذ يقاتل الجيش فرعاً لـ«داعش شبه جزيرة سيناء». وتنقسم الآراء بين الذين يرون أن البلاد باتت أكثر أمناً الآن مما كانت عليه قبل سنوات، ويأملون أن تجذب الإصلاحات الاقتصادية والاستقرار مزيداً من الاستثمارات الأجنبية والسياحة التي تشتد الحاجة إليها، وآخرين ينتقدون ما يعتبرونه تضييقاً على الحريات.
ويُشرف مدبولي بصفته وزيراً للإسكان أيضاً على أهم المشاريع القومية الكبرى التي دشنها الرئيس السيسي خلال ولايته الأولى، وينتظر استكمالها في الولاية الجديدة التي بدأت في يونيو (حزيران) الحالي ولمدة 4 سنوات، وأبرزها العاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة العلمين الجديدة، ومدينة الجلالة، فضلاً عن اضطلاع وزارته بملف القضاء على العشوائيات في القاهرة، ما عده «مهندس المشاريع الكبرى» في مصر. وبدا مدبولي للجميع أخيراً، من خلال جهده الدؤوب والملموس شعبياً - خصوصاً في مشاريع الإسكان الاجتماعي التي أحدثت طفرة في حلم القضاء على العشوائيات - أنه يحظى بقدر كبير من ثقة الرئيس السيسي، ولقد أثنى الرئيس عليه غير مرة، وكذلك على أداء الوزارة في عهده.
أبو بكر الديب، الخبير في الشأن الاقتصادي، يقول إن التشكيل الوزاري الجديد «يفتح شهية المستثمرين، وينعش الاقتصاد»، موضحاً أن رئيس الوزراء الجديد تنتظره 10 تحديات، أهمها يتعلق بالملف الاقتصادي، كارتفاع الدين الخارجي وفوائده، وصعوبة تدفق الاستثمارات الخارجية، ومشكلة الزيادة السكانية، واستكمال المشروعات القومية التي بدأها الرئيس السيسي خلال فترة ولايته الأولى كمشاريع الطرق والبنية التحتية وزيادة الإنتاج، وتحسين التعليم والتموين والصحة، ومواجهة ارتفاع الأسعار وارتفاع عجز الموازنة العامة وعجز ميزان.

مزايا مدبولي
ويوضح الديب أن مدبولي يعد من أقدم الوزراء الموجودين حالياً، وذلك منذ تكليف المهندس إبراهيم محلب له في عام 2014 بتولي وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة. ويضيف أن اختيار مدبولي جاء لعدة أسباب، أبرزها تنفيذ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، ونجاحه في ملف إسكان الشباب، ومساهمته في تخطيط «مثلث ماسبيرو»، وتنفيذه مشاريع طرق وكبارٍ ورفع كفاءتها في فترة وجيزة، وتنفيذ أكثر من 250 ألف وحدة سكنية خلال عام، وهو ما يعادل ما تم تنفيذه في تاريخ وزارة الإسكان بالكامل، بالإضافة إلى تنفيذ نحو 400 ألف وحدة سكنية. وحقاً نجحت الوزارة في عهده في تنفيذ أكثر من 80 في المائة من نصيبها من المشروع القومي للطرق، وطرحت الوزارة أكثر من 500 ألف وحدة سكنية.
أيضاً يشيد الديب بجهود الدكتور محمد معيط، نائب وزير المالية لشؤون الخزانة العامة، في عدد من الملفات بالوزارة، خصوصاً ملفي التأمين الصحي الشامل، وإجراءات الحماية الاجتماعية للمواطنين، قائلاً إنه «مايسترو» و«نصير الفقراء» في الوزارة. ويتابع أن معيط، الذي عُين وزيراً للمالية، أحد الكفاءات المتميزة في الاقتصاد، إذ تقلد عدداً من المناصب، آخرها مساعد أول وزير المالية للخزانة العامة، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2015، ولم يكن هذا أول عمل له بوزارة المالية، إذ كان يشغل منصب مساعد وزير المالية للتأمينات الاجتماعية، والمسؤول عن ملف التأمينات، وقت أن كانت الهيئة تتبع وزارة المالية في عهد الوزير الأسبق يوسف بطرس غالي، وبقي في الوزارة حتى عام 2013. وعقب خروجه من المالية، عين نائباً لرئيس هيئة الرقابة المالية، والقائم بأعمال رئيس الهيئة، ثم انتقل للعمل مساعد أول وزير الصحة للتأمينات، وتولى مسؤولية إعداد قانون التأمين الصحي الجديد، ثم عاد للعمل بوزارة المالية مساعداً أول للوزير.
عبد المحسن سلامة، نقيب الصحافيين، يرى أن الفترة الأولى للرئيس السيسي «شهدت مواجهة إرث التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على مدى عقود طويلة وممتدة، بالإضافة إلى مواجهة الإرهاب الغاشم الذي استشرى بعد الفوضى التي أصابت المنطقة، ولا يزال يحاول جاهداً كسر إرادة الشعوب وتدمير دولهم». ويردف أن تحديات المرحلة الجديدة «تختلف عن تحديات المرحلة السابقة، لذلك كان قرار تشكيل حكومة جديدة وإجراء تغيير وزاري».

إعادة بناء الإنسان المصري
يرى سلامة، أن أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة هو «إعادة بناء الإنسان المصري، لأن البشر هم أدوات التقدم والتنوير، ولن تكون هناك تنمية أو نهضة إلا من خلال إعادة بناء الإنسان المصري». ويؤكد أن الرئيس السيسي حدد ثلاثة محاور لبناء الإنسان، سيجري التركيز عليها خلال المرحلة المقبلة «هي التعليم والصحة والثقافة، بما يضمن الارتقاء بعقل وجسد وروح الإنسان المصري».
النائب خالد هلالي، عضو مجلس النواب، من جهته، يعتبر تكليف الرئيس السيسي، المهندس مدبولي، بتشكيل الحكومة الجديدة، «اختياراً موفقاً وصائباً». ويوضح: «مدبولي نجح في العديد من ملفات الإسكان خلال الفترة الماضية، ومصر تحتاج الكثير في الفترة المقبلة من أجل مواصلة البناء والتعمير».
ويتابع هلالي أن «مدبولي يستحق رئاسة مجلس الوزراء باعتباره رجل المهام وصاحب الإنجازات، ومن أنجح وزراء الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة في تاريخ مصر»، مؤكداً ثقته في قدرة رئيس الوزراء الجديد على تحقيق نتائج سريعة وملموسة للشعب المصري.
من جهته، يعتبر المستشار هاني رياض القللي، المتحدث الرسمي لحركة «وعي» للتثقيف السياسي، أن التغييرات التي حدثت في وزارة مدبولي «تغييرات كبيرة على نطاق واسع، وكانت بمثابة مفاجأة للجميع، خصوصاً أن التغييرات شملت بعض الوزارات الحساسة مثل الدفاع والداخلية والطيران المدني». ويشير القللي إلى أن الحكومة الجديدة تنتظرها بعض التحديات مثل استئصال كل البؤر الإرهابية والقضاء على الإرهاب بشكل سريع، واستكمال المشاريع التنموية الكبرى التي بدأها الرئيس خلال فترة ولايته الأولى، بالإضافة إلى تخفيف العبء عن كاهل المواطن البسيط.
ثم يستطرد أن التغييرات الواسعة «تؤكد أن الوزراء الجدد لديهم تحديات كبيرة يجب إنجازها بشكل سريع للنهوض بمصر إلى بر الأمان، والعبور بها إلى المستقبل المشرق»، مطالباً الجميع بالوقوف بجانب الحكومة الجديدة لإنجاز المهام التي تأخرت، كما يجب العمل على احترام القانون أول طريق بناء الإنسان الذي تحدث عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي.

تأييد برلماني واسع لمدبولي
- يشترط الدستور المصري موافقة البرلمان على قرار رئيس الجمهورية اختيار رئيس الحكومة ووزرائه، ثم عرض رئيس الوزراء برنامج الحكومة الجديدة على البرلمان، حيث تنص المادة (146) من الدستور على أن «يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب». وأعطى الدستور الحزب أو الائتلاف الحائز على الغالبية في البرلمان ترشيح شخصية لرئاسة الوزراء في حال رفض البرلمان ترشيح الرئيس، لكن هذا السيناريو غير متوقع مع الدكتور مدبولي الذي يحظى بتأييد واسع في البرلمان.
وكان «ائتلاف دعم مصر»، صاحب الغالبية البرلمانية، قد أكد أن قرار الرئيس بتكليف مدبولي تشكيل الحكومة الجديدة «يمثل انطلاقة نحو المستقبل، ودفعة جديدة في سبيل استكمال خطط التنمية ومسيرة الإصلاحات التي بدأتها مصر تحت القيادة السياسية الحكيمة للرئيس». وأضاف، في بيان له، أن «مدبولي كان عنصراً فاعلاً في الحكومة السابقة وأبلى بلاءً حسناً في حقيبة وزارة الإسكان، التي شهدت في عهده طفرة كبيرة وتحسناً ملموساً في إحداث نهضة عمرانية وتوفير وحدات سكنية لمحدودي ومتوسطي الدخل وجميع شرائح الإسكان».
بدوره، قال مدبولي فور أداء حكومته اليمين إن الرئيس السيسي كلفه بالاهتمام بملفات التعليم والصحة وبناء الإنسان المصري والإصلاح الإداري، ليرتبط ذلك بالانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، واستكمال إجراءات الإصلاح الاقتصادي. وأضاف أن الإصلاح الاقتصادي «توجه عام للدولة رغم صعوبة الإجراءات»، مشدداً على أن الرئيس كلفه بإعطاء دفعة للمشاريع القومية لأهمية دورها في خلق فرص عمل، حيث وفرت 3 ملايين فرصة عمل استفاد منها نحو 12 مليون مواطن، مشيراً أيضاً إلى أهمية تلك المشروعات في بناء مصر المستقبل.
وأشار إلى أن الرئيس السيسي وجه الحكومة الجديدة - أيضاً - بأهمية إعطاء طفرة لشركات قطاع الأعمال العام، موضحاً أن الرئيس وجه - كذلك - بالاهتمام بالملفات الأمنية وتحسين الخدمات الجماهيرية، مؤكداً أن «التركيز على تحسين الخدمات التعليمية والصحية وبناء الإنسان المصري على رأس أولوياتنا».



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.