سنوات السينما: White Heat (1949)

كاغني ومايو في لقطة من «حرارة بيضاء»
كاغني ومايو في لقطة من «حرارة بيضاء»
TT

سنوات السينما: White Heat (1949)

كاغني ومايو في لقطة من «حرارة بيضاء»
كاغني ومايو في لقطة من «حرارة بيضاء»

White Heat (1949)
- جيمس كاغني المخدوع
عندما صعد المخرج جيمس كاميرون منصّة الأوسكار ليتسلم جائزة عن فيلمه «تايتانيك» سنة 1998 رفع يديه وصاح «ماما. أنا على قمّة العالم». الكثير ممن صفقوا له وممن تابعوا الحفل من راحة منازلهم لم يدركوا أن المخرج إنما كان يماثل المشهد الأخير للممثل جيمس كاغني في «حرارة بيضاء» الذي أخرجه (بجدارة رائعة) راوول وولش.
في ذلك المشهد يصعد رئيس العصابة كودي طبقة عليا من أحد مصانع تكرير النفط طالباً النجاة من رصاص الشرطة مدمدماً بعبارات غير مفهومة تكشف عن متاعبه النفسية. حين وصوله إلى الطابق العلوي مصاباً ومنهوك القوى يرفع يديه ويصيح «ماما، أنا على قمة العالم» في الوقت الذي ينفجر فيه المصنع قاضياً عليه.
العبارة أيضاً مستوحاة من والدة كودي التي كانت الوحيدة التي وثق بها والتي كانت دائما ما تقول له «قف على قمة العالم». لكن الفكرة الأصلية التي تقف وراء الفيلم مستوحاة من شخصيتين حقيقيتين هما «الأم باركر» وابنها اللذان شكلا، مع آخرين، عصابة فعلية في الثلاثينات.‬ الاختلاف الكبير هو أن أم باركر قادت تلك العصابة، في حين كان لا بد للفيلم أن يضع الابن في القيادة.
هي حكاية كودي الذي يقود عصابة من اللصوص ويبدأ الفيلم بهم وقد أغاروا على قطار وسرقوا 400 ألف دولار من إحدى عرباته المحصنة. كودي (كاغني) يلجأ والعصابة إلى كوخ جبلي حيث تنتظره والدته (مرغريت ويشرلي) وزوجته فيرنا (فرجينا مايو). الأخيرة لها دائماً مآرب أنانية ولديها خطط للهروب مع عضو العصابة بغ إد (ستيف كوكران). الأم لا تثق بها لكن كودي يحبها.
للخلاص من ملاحقة البوليس يعترف كودي بجريمة أخرى لا تتجاوز عقوبتها ثلاث سنوات. هنا يتحول جزء من الفيلم إلى دراما سجون. هناك يتم إدخال التحري هانك (إدموند أو برايان) متخفياً في صورة مجرم لكي يكسب ثقة كودي وينجح. كودي يهرب بعدما اكتشف موت والدته فيهرب (مع التحري المدسوس وبضعة آخرين من السجن) طالباً الانتقام. زوجته هي التي قتلت أمه لكنها تدعي أن إد هو الفاعل وكودي يقتله قبل أن يحاصره البوليس لينتهي الفيلم بلهيب النار يلفه وصيحته الشهيرة. في واقعه هو عن رجل عصابة مخدوع من قِبل معظم من يجاورهم: من زوجته، من إد الذي يحاول قيادة العصابة، من التحري الذي يدعي إنه مجرم ومن شخصيات ثانوية أخرى. فقط والدته هي التي لا تخدعه لكنها لا تقل عنه إجراماً. العلاقة بينهما يغزوها علم النفس المبطن (فكر بنظرية فرويد) وسلطتها عليه لا تقاوم.
حين يصل إليه نبأ موتها وهو ما زال في السجن تصيبه نوبة عصبية. يترك مكانه على مائدة الطعام ويسير فوقها رافساً الأواني التي يتناول فيها باقي السجناء طعامهم. حين يهرع رجال البوليس لإيقافه يواجههم بلكماته القوية قبل التغلب عليه.
في تصوير المشهد لم يكن لا كاغني ولا وولش (عملا سابقاً في فيلم عصابات آخر هو The Roaring Twenties سنة 1939 راضين عن النتيجة. تقدم الممثل من المخرج وسأله أن يتركه يفعل ما يريد. النتيجة هي ذلك المشهد القوي بكل حضوره وإيحاءاته.
فرجينيا مايو لا تقل حسن أداء بالمرّة. تعكس صورة الأنثى الجشعة والأنانية. سعيا للحياة وللمال تنتقل ما مساندة زوجها إلى مساندة عشيقها والعكس. القيم الكبيرة الأخرى في هذا الفيلم حقيقة أن المخرج المتمرس في الأفلام الخشنة لا يترك الفيلم يفلت للحظة واحدة من التشويق. من البداية حيث سيارة العصابة منطلقة في الطرق الجبلية الملتوية للوصول إلى القطار الذي ستسرقه إلى حين نهاية كودي التراجيدية المذكورة.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.