المكلا تحاول نسيان مشاهد الموت وتعيش استقراراً لم تشهده منذ عقود

{الشرق الأوسط} ترصد عودة الأمن إلى المدينة اليمنية بعد عامين على تخلّصها من «القاعدة»

المتحدث باسم قيادة المنطقة العسكرية الثانية يشير إلى آثار التدمير الذي طال «مركز بلفقيه الثقافي» بعد استهداف عناصر «القاعدة» له («الشرق الأوسط»)
المتحدث باسم قيادة المنطقة العسكرية الثانية يشير إلى آثار التدمير الذي طال «مركز بلفقيه الثقافي» بعد استهداف عناصر «القاعدة» له («الشرق الأوسط»)
TT

المكلا تحاول نسيان مشاهد الموت وتعيش استقراراً لم تشهده منذ عقود

المتحدث باسم قيادة المنطقة العسكرية الثانية يشير إلى آثار التدمير الذي طال «مركز بلفقيه الثقافي» بعد استهداف عناصر «القاعدة» له («الشرق الأوسط»)
المتحدث باسم قيادة المنطقة العسكرية الثانية يشير إلى آثار التدمير الذي طال «مركز بلفقيه الثقافي» بعد استهداف عناصر «القاعدة» له («الشرق الأوسط»)

بعد عامين على دحر تنظيم القاعدة من مدينة المكلا التابعة لمحافظة حضرموت شرقي اليمن، تعيش المدينة الساحلية التي يقطنها أكثر من نصف مليون نسمة استقراراً أمنياً لم تشهده منذ عقود، حسبما أفاد سكان محليون. ولا تزال بعض المباني والمؤسسات الحكومية المدمّرة بفعل قصف الطيران أو البارجات البحرية، شاهداً على آثار هذا التنظيم الإرهابي الذي سيطر على المدينة لمدة عام كامل، وحوّل ساحاتها إلى معسكرات تدريب أو منصات لتنفيذ حكم الإعدام.
«الشرق الأوسط» زارت بعض المقرات والمؤسسات التي كان يسيطر عليها التنظيم في المدينة وهي الآن تخضع لحراسة أمنية مشددة.
وكانت قوات النخبة الحضرمية بقيادة اللواء فرج سالمين البحسني، محافظ حضرموت حالياً، وبإسناد مباشر من قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، قد نفذت عملية عسكرية مباغتة في 24 أبريل (نيسان) 2016 للسيطرة على المكلا، العاصمة الإدارية لمحافظة حضرموت، من تنظيم القاعدة، وكانت تلك المرة الأولى التي تتحرك فيها قوات عسكرية إلى المدينة منذ سيطرة التنظيم عليها في 2015.
وقال اللواء البحسني، إن تنظيم القاعدة تلقى «ضربة قاصمة في المكلا»، مضيفاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» من مكتبه المطل على بحر العرب: إن «طرد (القاعدة) يمثل عبرة لأي جماعة إرهابية». واستطرد اللواء البحسني الذي تجاوز عقده السادس «نطمئن الناس في الداخل والخارج أن حضرموت ضربت مثلاً قياسياً وناجحاً جداً في دحر الإرهاب، ونؤكد انتهاء تواجد أي تجمع لعناصر تنظيم القاعدة الإرهابي في أي منطقة من هذه المناطق وإلى الأبد بإذن الله». ولم يستبعد بقاء خلايا نائمة تضم الواحدة منها شخصين أو ثلاثة، مشيراً إلى أن هذا يحدث في أي دولة.
وأكد مسؤول أمني رفيع بقيادة المحافظة، أن عناصر التنظيم فقدوا أي حاضنة أو تواجد في المكلا، وأن قوات الأمن تتابعهم في منطقة الوادي بشكل دقيق وتنفذ عمليات نوعية. وأردف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أنه «من المستحيل دخول أي من عناصر (القاعدة) إلى المكلا حالياً، وفي حال غامر أحدهم سيجد قوات الأمن له بالمرصاد قبل أن يأخذ أنفاسه».
قامت «الشرق الأوسط» بجولة على بعض المقرات والمؤسسات التي كان التنظيم الإرهابي يسيطر عليها في المكلا، بدءاً بكورنيش الستين على بحر العرب، وهو المكان الذي اختاره «القاعدة» لتنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص على عنصرين من أعضائه (وهما سعوديا الجنسية) بتهمة التجسس. وأكد الناطق باسم قيادة المنطقة العسكرية الثانية هشام الجابري، أن اختيار تنظيم القاعدة لكورنيش الستين لم يكن صدفة وإنما تم بشكل مدروس من أجل أن يشاهد حكم الإعدام أكبر عدد من الناس، كما أنه كان رسالة لأعضاء التنظيم بأن القتل سيكون مصير أي واحد منهم يفكر في «الخيانة».
بحسب الجابري، قام عناصر «القاعدة» بأخذ الجثتين بعد تنفيذ الإعدام إلى «مركز بلفقيه الثقافي» غير البعيد عن الكورنيش الذي كان مقراً للمجلس الأهلي وقصف لاحقاً عن طريق بارجة للتحالف من البحر وطائرات «إف 15» إبان تحرير المكلا، وقاموا بربط الجثتين بإحكام، قبل أن يتم تعليقهما على جسرين في المكلا الأول هو جسر الهايبر والثاني الجسر الصيني، وكلا الجسرين يقع على خور المكلا، واستمر تعليق الجثتين من الساعة العاشرة صباحاً حتى الثامنة مساءً تقريباً.
ومن المشاهد التي لا يزال الكثير من اليمنيين يتذكرونها تنفيذ أحكام الرجم في النساء، والإعدام في ساحات مدينة المكلا، وعليه توجهنا إلى المؤسسة الاقتصادية بالمكلا وهو المكان الذي نفذ فيها تنظيم القاعدة عدداً من أحكام الإعدام. بدا المبنى المكون من طابقين مدمّراً بالكامل بفعل طيران التحالف الذي قصفه عند تحرير المدينة، وأمام المبنى الساحة الكبيرة التي نفذ فيها التنظيم كل عمليات الإعدام والرجم وقطع الأيدي. ويوضح الناطق باسم قيادة المنطقة العسكرية الثانية، أن تنظيم القاعدة نفذ في المؤسسة الاقتصادية حكم الرجم ضد امرأة قال إنها جاءت حينها لتكفير ذنوبها، كما تم تنفيذ حكم القتل رمياً بالرصاص في أحد أعضاء «القاعدة» بعد قتله أحد أبناء القبائل، وقطعت أيدي عدد من الأشخاص بتهمة السرقة.
عمد تنظيم القاعدة إلى تضليل سكان المكلا عندما طالبهم بالمشاركة في معسكراته للتدريب لمواجهة الميليشيات الحوثية التي أوهمهم أنها على مشارف المدينة. ويقول أبو سعيد (45 عاماً): «قام أعضاء (القاعدة) بإعطاء دورات تدريب عسكرية في نادي الشعب للمواطنين، بزعم أن الحوثيين على مشارف المدينة، عندما طالبناهم بالسلاح رفضوا فتبين لنا خداعهم». وأضاف: «كانت تقام أيضاً أمسيات وعظية يلقيها المنشد غالب القعيطي، وهو أحد المسؤولين الماليين في (القاعدة) وقتل بطائرة من دون طيار في ميناء المكلا، وبحسب شهود عيان تناثرت آلاف الدولارات الأميركية بعد عملية القصف؛ ما يدل على أنه كان يحمل كمية كبيرة من النقود». من جانبه، يقول محمد أبو عيران، وهو إعلامي من أبناء المكلا، إن «المدينة تعيش الآن استقراراً أمنياً لم تشهده منذ عقود، الناس يشعرون بالأمن والأمان اليوم، لن تصدق لو قلت إن حالة الأمن هذه لم نشعر بها حتى قبل 2011 إبان الحكومة المركزية في صنعاء».
أثناء التجوال في مدينة المكلا يمكن مشاهدة نقاط تفتيش عدة تابعة للنخبة الحضرمية منتشرة على مداخل المدينة وبين الأحياء لتعزيز الأمن والاستقرار، لكن ما يلفت الانتباه هو الانضباطية العالية لدى أفراد هذه النقاط، والاحترافية في التعامل مع السكان المحليين أو الزائرين، ومن المشاهد غير المعهودة عند نقاط التفتيش – حتى في زمن الرئيس علي عبد الله صالح – هو تساوي الجميع أمام سيادة القانون؛ إذ لا يسمح بمرور مسؤول مدني أو عسكري من دون الوقوف والتأكد من هويته، وهو ما لم يكن يحدث قبل سنوات قليلة في اليمن.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.