نتنياهو يفشل في تغيير موقف ألمانيا الداعم للاتفاق النووي مع إيران

اتفق مع ميركل على أن تصرف طهران في المنطقة «مثير للقلق»

 ميركل ونتنياهو فور انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في برلين أمس (أ.ف.ب)
ميركل ونتنياهو فور انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في برلين أمس (أ.ف.ب)
TT

نتنياهو يفشل في تغيير موقف ألمانيا الداعم للاتفاق النووي مع إيران

 ميركل ونتنياهو فور انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في برلين أمس (أ.ف.ب)
ميركل ونتنياهو فور انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في برلين أمس (أ.ف.ب)

لم ينجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تغيير موقف ألمانيا الداعم للاتفاق النووي الإيراني خلال زيارته برلين، المحطة الأولى في جولته الأوروبية، التي تشمل أيضاً باريس ولندن، على الرغم من أنه انتزع من المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، اعترافا بأن تصرفات إيران في المنطقة «مثيرة للقلق»، خاصة فيما يتعلق «بأمن إسرائيل».
وقالت ميركل في مؤتمر صحافي مشترك مع نتنياهو، في ختام زيارته التي لم تستمر أكثر من بضع ساعات: «على الرغم من أننا نختلف حول مدى فائدة الاتفاق النووي الإيراني، فإننا نتفق على أن تأثير إيران الإقليمي مثير للقلق». وأضافت في إشارة إلى تمدد إيران في سوريا، بأن ألمانيا ستستخدم نفوذها لكي تدفع بطهران إلى سحب قواتها من المناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية في سوريا.
ولم تذهب ميركل أبعد من ذلك في انتقاد الاتفاق النووي، بل اكتفت بالقول إنها «اتفقت مع نتنياهو على الاختلاف» في بعض القضايا، مضيفة: «ولكننا أصدقاء وشركاء وسنستمر بالعمل معا على القضايا المشتركة». وأعلنت ميركل خلال المؤتمر الصحافي أنها ستزور إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وتعد ألمانيا من أشد الداعمين الأوروبيين للاتفاق النووي مع إيران، وقد تعهدت بمحاولة العمل على إنقاذه بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، وإعادة فرض العقوبات على طهران، وتهديد الشركات الأوروبية العاملة هناك بعقوبات إذا لم تنسحب من إيران. وتعد ألمانيا من أكبر الشركاء الأوروبيين لإيران منذ الاتفاق النووي الإيراني، وتستثمر شركات ألمانية كبرى، من بينها دايلمر وفولكس فاغين وشركة سيمنز والعشرات من الشركات الأخرى في إيران.
وحرص كل من ميركل ونتنياهو على التأكيد بأن الخلافات بينهما حول إيران، تتعلق بالمقاربة وليس بالأهداف. وقال نتنياهو إنه لا يجب أن يسمح لإيران بموطئ قدم في سوريا. وأضاف: على ميليشياتها مغادرة كل الأراضي السورية. واتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي طهران «بنقل جنودها إلى سوريا بهدف واضح وهو الاعتداء على إسرائيل وتدميرها. وحث نتنياهو ألمانيا على اتخاذ موقف أكثر تشددا من إيران، مذكرا بأن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، كرر قبل يوم، كلامه بأنه يجب تدمير إسرائيل. وقال إن «الخطر الأكبر القادم اليوم هو من إيران... فقد كرر خامنئي، قبل يوم، الدعوة للقضاء على إسرائيل. من المذهل أن تدعو دولة اليوم لقتل 4 ملايين ونصف المليون يهودي». وأضاف في إشارة إلى المحرقة النازية: «تجمعنا بألمانيا علاقة خاصة بسبب تاريخنا... وأنا واثق بأن ألمانيا تحديدا لن تقبل» بتصريحات كهذه.
وكشف رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن تزويد المستشارة الألمانية بالوثائق المسروقة، التي يقول إن إسرائيل حصلت عليها، وتثبت «طموح إيران النووي». وقال إن ميركل دعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقيق في الأمر.
وغادر نتنياهو برلين في اليوم نفسه، إلى باريس التي يلتقي فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقبيل مغادرته المطار، التقى السفير الأميركي في برلين ريتشارد غرينيل، الذي كان أثار جدلا كبيرا في ألمانيا، بعد أن دعا في تغريدة له على «تويتر»، الشركات الألمانية لوقف أعمالها في إيران فورا. وتسببت في انتقادات وجهتها الأحزاب السياسية الألمانية، التي قالت إنها ترفض «الإملاءات» الأميركية.
وينتقل نتنياهو بعد زيارته باريس إلى لندن للقاء رئيسة الوزراء تيريزا ماي. وقبل بدء جولته، قال إن على أجندته موضوعان سيناقشهما مع القادة الأوروبيين: إيران وإيران.
ويعترف الأوروبيون بأن الاتفاق النووي الإيراني «ليس كاملا»، ولكنهم يعتبرونه الضمانة الأفضل لكبح طموح طهران النووي. وكانوا اقترحوا مناقشة اتفاق مواز يتطرق للنقاط الخلافية التي دفعت واشنطن للانسحاب منه، مثل برنامج إيران للصواريخ الباليستية، وتدخلاتها في دول المنطقة مثل سوريا ولبنان واليمن والعراق ودول الخليج.
ويحاول الأوروبيون مع الصين وروسيا إنقاذ الاتفاق النووي، عبر إقناع الشركات الأوروبية بعدم مغادرة السوق الإيراني، واستبدال الشركات المنسحبة بأخرى صينية. وكانت ميركل توجهت إلى الدولتين بعد إعلان ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، للبحث عن حلول لإنقاذ الاتفاق، رغم تشكيكها بإمكانية ذلك.



إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

إلى جانب الأهداف المتعددة، بما في ذلك الإقليمية والداخلية، التي حققتها الهجمات الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية للجيش السوري، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوة كبيرة نحو التحضير لهجوم واسع على إيران. فالحلم الذي راوده منذ 13 عاماً بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني أصبح، من وجهة نظره، أمراً واقعاً. ولديه شريك مهم يشجعه على ذلك، وهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

كان نتنياهو، ومن خلفه الجيش والمخابرات، مقتنعين بأن توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني هو مشروع ضخم يفوق بكثير قدرات إسرائيل.

لذلك، حاول نتنياهو خلال الحرب جرّ أقدام الولايات المتحدة للقيام بالمهمة، لكنه فشل. فالرئيس جو بايدن ظل متمسكاً بموقفه مؤيداً للحوار الدبلوماسي مع طهران. غير أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) غيّر القناعات. فقد كانت نتائج الهجوم قاسية على القدرات الدفاعية الإيرانية، وإيران أول من يعلم بذلك لكنها تفضل الصمت. وإذا أضفنا إلى ذلك أن خطة طهران لتطويق إسرائيل بأذرع عسكرية فتاكة تلقت ضربة قوية، حيث تم تدمير 60 إلى 70 في المائة من قدرات «حماس» العسكرية في غزة والضفة الغربية، وتدمير نصف قوة «حزب الله» على الأقل، فإنها قلّمت أظافر «الحرس الثوري» الإيراني.

طائرة مقاتلة إسرائيلية في مكان غير محدد في صورة نشرها الجيش في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أتيحت لإسرائيل فرصة مفاجئة ونادرة لضرب الجيش السوري، فاستغلتها دون تردد. وفي غضون أيام قليلة، دمرت سلاح الجو السوري وقواعده، وكذلك سلاح البحرية وموانئه، إلى جانب معظم الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ. وكل ذلك دون أن تتعرض لإطلاق رصاصة واحدة، ليخرج الجيش الإسرائيلي من الهجوم بلا أي إصابة.

كما هو معروف، نفذ الجيش الإسرائيلي هذه العملية ليؤكد مكانته كأقوى جيش في المنطقة، ولإظهار أنه يرد على المساس به بمقاييس ضخمة غير مسبوقة في الحروب. كما كانت رداً على الانتقادات الداخلية في إسرائيل، خصوصاً بعد نقاط ضعفه التي ظهرت في 7 أكتوبر 2023 وخلال الحرب.

بالنسبة لنتنياهو، كانت العملية وسيلة لإثبات قوته السياسية لخصومه الذين يرونه «قائداً فاسداً ومحتالاً»، ولإظهار أنه يدير حرباً تحقق مكاسب هائلة. ومع سهولة انهيار نظام الأسد وتحطيم الجيش السوري، أصبحت هذه العملية تحقق مكسباً استراتيجياً لم تتوقعه أي مخابرات في العالم، ولم تتخيله أعتى الساحرات، حيث مهدت الطريق أمام نتنياهو للضربة التالية: إيران.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اليوم، تناقلت جميع وسائل الإعلام العبرية تصريحات صريحة لمسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليَّيْن، يؤكدون فيها أن «الهدف المقبل للجيش الإسرائيلي هو توجيه ضربة لإيران». وذكر هؤلاء المسؤولون أن العمليات العسكرية الجارية في سوريا تهدف إلى «تنظيف الطريق، جواً وبراً»؛ لتمهيد الطريق لضربة مباشرة ضد إيران. كما أشار البعض إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يدرس توجيه ضربة قاصمة للحوثيين في اليمن كجزء من هذه الاستعدادات.

بالطبع، يعتقد الخبراء أن ضرب إيران «ليس بالمهمة السهلة. فهي لا تزال دولة قوية، تخصص موارد هائلة لتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع عقيدة لا تعترف بالهزيمة أو الخسارة».

بالنسبة لإيران، حسابات الربح والخسارة ليست محورية؛ إذ تحتفل بالنصر دون هوادة مهما كان الثمن الذي تدفعه باهظاً، خصوصاً عندما يكون الآخرون هم من يتحملون التكلفة.

وفي إسرائيل، كما في دوائر سياسية عديدة في الولايات المتحدة والغرب، يزداد الاقتناع بأن القيادة الإيرانية تدرك التحديات والأخطار المتراكمة ضدها. ويُعتقد على نطاق واسع أنها قد ترى الحل الوحيد أمامها يكمن في تسريع تطوير قدراتها النووية العسكرية، وصولاً إلى إنتاج قنبلتها الذرية الأولى.

صورة جوية تظهر سفناً للبحرية السورية استهدفتها غارة إسرائيلية في ميناء اللاذقية الثلاثاء (أ.ف.ب)

هذا الواقع يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط دفاعاً عن نفسها، بل أيضاً نيابة عن دول الغرب وحماية لمصالحها المشتركة. تدعم دول الغرب هذا التوجه. وقد بدأت إسرائيل بطرح هذا الملف منذ عدة أشهر أمام حلفائها، لكنها تطرحه الآن بقوة أكبر بعد انهيار نظام الأسد وتدمير قدرات الجيش السوري.

رغم إعجاب الغرب بالقدرات الإسرائيلية وإشادته بجيشها، الذي استطاع قلب الموازين وتحقيق مكاسب عسكرية بعد إخفاقه المهين أمام هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حيث يُتوقع أن تصبح هذه المكاسب مادة دراسية في الكليات الحربية، فإن هناك تساؤلات ملؤها الشكوك: هل هذه الحسابات الإسرائيلية واقعية ودقيقة؟ أم أنها تعتمد بشكل كبير على الغرور والغطرسة أكثر من التحليل المهني والتخطيط الاستراتيجي؟

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

وماذا سيكون موقف إسرائيل إذا تبين أن القيادة الإيرانية بدأت بالفعل الاستعداد للتحول إلى دولة نووية منذ التهديدات الأولى لها، وقد تُفاجئ العالم اليوم بإعلان تجربة نووية ناجحة، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية عام 2007؟

وفي الداخل الإسرائيلي، تُطرح تساؤلات صعبة؛ أبرزها: «هل نخوض مغامرة كهذه، نخدم فيها الغرب وكل خصوم إيران في المنطقة، بينما ندفع نحن الثمن كاملاً؟».