الصين... مهمّة تاريخية إلى القمر

في سبق فضائي لاستكشاف الجانب المظلم منه

منظومة محطة «تيانغونغ-2» مع المدارية الصينية المركبة المأهولة «شينزاو -11»
منظومة محطة «تيانغونغ-2» مع المدارية الصينية المركبة المأهولة «شينزاو -11»
TT

الصين... مهمّة تاريخية إلى القمر

منظومة محطة «تيانغونغ-2» مع المدارية الصينية المركبة المأهولة «شينزاو -11»
منظومة محطة «تيانغونغ-2» مع المدارية الصينية المركبة المأهولة «شينزاو -11»

يواجه طموح الصين بإرسال سفينة فضائية للهبوط في الجانب البعيد من القمر في وقت لاحق من هذا العام تحديات كبيرة، ولكنّ نجاح هذا المشروع سيدفع ببرنامج البلاد الفضائي إلى الطليعة في واحد من أهمّ مجالات الاستكشاف الفضائي على سطح القمر، حسب الخبراء. وتأمل الصين أن تكون البلد الأوّل في إتمام مثل هذا الهبوط المشابه.

قمر مجهول
ويعرف الجانب البعيد من القمر بالجانب المظلم أيضاً، لأنّه بعيد عن الرؤية الأرضية ولا يزال مجهولاً.
وقال جون م. لوجسدون من معهد السياسة الفضائية التابع لجامعة جورج واشنطن إنّ صناعة القدرات اللازمة لاستكشاف الجانب البعيد من القمر يعد إنجازاً مثيراً للإعجاب. وأضاف في حديث نقلته وكالة «أسوشيتد برس» «تركّز الدّول الرائدة في الفضاء حول العالم اهتماماً كبيراً في مجال استكشاف القمر، وفي حال حقّق مشروع استكشاف الجانب البعيد من القمر نجاحاً، فإنه سيضع الصين في مرتبة متقدّمة على خطّ تحقيق هذا الهدف».
ولكنّ ضبط القمر الصناعي المستخدم لتتبع وتحليل البيانات ثم نقلها، في الوضعية الصحيحة سيكون أمرا شائكاً ولن يمثّل إلّا الخطوة الأولى فقط نحو الهبوط، على حدّ قول لوجسدون، الذي لفت إلى أنّ القيام بأمور معينة في الفضاء، وخاصة على مسافة بعيدة من الأرض، يبقى صعباً، ما يعني أنّ النجاح ليس مضموناً أبداً.
بدوره، اعتبر برنارد فوينج، رئيس مجموعة الاستكشاف القمري الدولية التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية والتي تعاونت مع البرنامج الصيني، أنّ الهبوط برفق في الجانب البعيد من القمر سيكون «سابقة عالمية تاريخية».
وأضاف أن هذا الهبوط سيقدّم «فرصة علمية عميقة لدراسة الجانب البعيد»، الذي يتميّز بتركيبة مختلفة عن المواقع الموجودة في الجانب القريب حيث هبطت المهمات السابقة.
ولكنّه في المقابل حذّر من الصعوبات التي تنتظر هذه الرحلة، وقال إن «استخدام قمر صناعي للسيطرة وجمع البيانات سيكون تحدياً عظيماً».
ولكن العلماء يحتاجون إلى وسيلة متحرّكة للاتصالات مثل قمر صناعي للتواصل مع السفينة الفضائية الهابطة في الجانب البعيد لأنّ التركيبة الصخرية للقمر قد تتسبب في انقطاع الاتصال مع الأرض.
تجدر الإشارة إلى أن السعودية تشارك في مهمة الفضاء الصينية، ببناء وتطوير حمولة لأنظمة استشعار الفضاء بهدف التقاط صورٍ ضوئية للقمر، تم إنجازها في وقت قياسي لم يتجاوز 12 شهراً.
وقال الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية (انظر «الشرق الأوسط» 21 مايو (أيار) 2018، العدد 14419)، إن الحمولة تتكون من وحدات تصوير، ومعالجة بيانات، والوسيط بين أنظمة القمر الصناعي ونظام الحمولة، مشيراً إلى أنها تتميز بخفة وزنها وقدرتها على تحمل بيئة الفضاء، وتصوير القمر بزوايا وارتفاعات مختلفة بدقة تباين تتفاوت وفق تغير المدار القمري من 38 متراً إلى 88 متراً عند الارتفاعات بين 300 كلم و9000 كلم وتخزينها ومعالجتها.

طموحات فضائية
وكانت الصين قد أنزلت سابقاً الروفر الفضائي «جادي رابيت» على القمر وتخطّط إنزال مسبار «شينغ إي 5» في نفس الموقع العام المقبل ليعود بعدها إلى الأرض حاملاً عينات قمرية، في عملية تحصل للمرّة الأولى منذ عام 1976.
وقادت الصين أول بعثة فضائية بشرية لها عام 2003 وحلّت في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة وروسيا في مجال الاستكشاف الفضائي، واضعة محطتين فضائيتين لها في المدار.
وتتضمن البعثات الصينية القادمة إطلاق وحدة أساسية بزنة 20 طنا لمحطة «تيانجونع 2» الموجودة في المدار الفضائي، إلى جانب العناصر الخاصة بمحطة أخرى تزن 60 طنا من المزمع إطلاقها عام 2022. وعربة جوالة ستنطلق إلى المريخ عام 2020.
هذا بالإضافة إلى أن الصين حصلت على «القاعدة التقنية» اللازمة لإرسال رواد فضاء إلى القمر، بسب ما أفاد زهو جيانبينغ، المصمم الرئيس لبرنامج الفضاء البشري في مؤتمر صحافي الشهر الفائت.
وأضاف زهو: «قمنا بمحادثات عميقة مع الكثير من الخبراء حول الاستكشافات البشرية على القمر، وأجرينا بحثاً حول التقنيات الضرورية لها في السنوات الفائتة».
ويلفت لوجسدون إلى أنّه وعلى الرغم من أنّ برنامج الصين الفضائي يدار بجزء كبير منه من قبل السلطات العسكرية، تمثّل بعثة «شينغ إي 4» جهدا فضائياً مدنياً طموحاً عمادها العلم إلى جانب بناء القدرات الفضائية المرتبطة بأمن البلاد القومي».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً