عندما عقد المدير الفني الفرنسي زين الدين زيدان مؤتمراً صحافياً للإعلان عن رحيله عن تدريب نادي ريال مدريد الإسباني، كان الشيء المثير للاهتمام أن هذا الإعلان قد تزامن مع الذكرى العشرين لإقالة المدير الفني الألماني يوب هاينكس من تدريب النادي الملكي بعد ثمانية أيام فقط من قيادة الفريق للفوز بدوري أبطال أوروبا.
وأعلن رئيس نادي ريال مدريد آنذاك، لورينزو سانز، أن «هذا الموسم كان من الممكن أن يكون أسوأ موسم للنادي خلال السنوات الأخيرة» إذا لم ينهِ هاينكس فترته بالفوز على يوفنتوس الإيطالي في نهائي دوري أبطال أوروبا. وكانت «الجريمة» التي ارتكبها المدير الفني الألماني هو أنه أنهى الموسم في المركز الرابع في الدوري الإسباني الممتاز، وهو الأمر الذي خلق أزمة كبيرة في النادي الملكي. وبالطبع لم يكن هاينكس هو آخر مدير فني يعاني من قسوة العمل والمتطلبات التي لا ترحم في ريال مدريد.
وامتدت قائمة المديرين الفنيين الذين عانوا في ريال مدريد لتشمل الكثير من الأسماء اللامعة الأخرى، مثل فيسنتي دل بوسكي الذي أقيل من منصبه رغم قيادته الفريق الملكي للحصول على لقبين لدوري أبطال أوروبا خلال أربع سنوات، وكارلو أنشيلوتي الذي أقيل بعد عام واحد من قيادة النادي للحصول على دوري أبطال أوروبا للمرة العاشرة في تاريخ النادي، وفابيو كابيلو الذي لم يستمر في منصبه سوى 11 يوماً بعد الفوز بلقب الدوري الإسباني الممتاز عام 2007، وربما يكون تاريخ النادي مع المديرين الفنيين بهذا الشكل قد أفاد زيدان كثيراً وهو يفكر في مصيره مع النادي.
وفي الحقيقة، يجب الإشارة إلى أنه لا يوجد عدد كبير من المديرين الفنيين قد رحلوا عن ريال مدريد بإرادتهم، مثلما فعل زيدان؛ لأن الكثير من المديرين الفنيين يحلمون بمجرد العمل في ريال مدريد. ومع ذلك، من الصعب أن تختلف مع القرار الذي اتخذه زيدان بالرحيل عن النادي بإرادته، نظراً إلى صعوبة العمل «الخانق» في أندية القمة في كرة القدم الإسبانية. وهناك سابقة شهيرة في هذا الأمر، وهي رحيل المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا عن نادي برشلونة قبل ست سنوات من الآن. وقال غوارديولا وهو يعلن رحيله عن النادي الكاتالوني، إن العمل لمدة أربع سنوات مع الفريق الكاتالوني قد ألحق أضراراً بالغة بشعره، قائلاً: «لقد اختفى شعري، وأصبحت في حاجة إلى زراعة شعر جديد».
لم يحدث هذا الأمر مع غوارديولا فقط، لكنه تكرر مع لويس إنريكي، الذي تولى تدريب برشلونة خلال الفترة بين عامي 2014 و2017. والذي لم يستطع تحمل ضغوط العمل في برشلونة. وفاز إنريكي بالثلاثية في أول موسم له مع الفريق، لكنه تعرض لانتقادات قاسية وضغوط لم يستطع تحملها بعد ذلك ليعلن رحيله عن النادي في مارس (آذار) عام 2017، وأسندت قيادة الفريق بعد ذلك إلى ارنستو فالفيردي، الذي قاد العملاق الكاتالوني للفوز بلقب الدوري الإسباني الممتاز وكأس ملك إسبانيا، لكنه لم يسلم من الانتقادات بسبب اعتماده على طريقة دفاعية ولعبه بتحفظ كبير وخروج الفريق من دور الثمانية لدوري أبطال أوروبا أمام روما الإيطالي وتحطيم آمال النادي في أن يصبح أول فريق في إسبانيا يفوز بلقب الدوري الإسباني الممتاز من دون أي هزيمة منذ 86 عاماً، بعدما خسر الفريق مباراته في الجولة قبل الأخيرة من الموسم أمام ليفانتي.
وتتمثل المشكلة التي واجهها كل من إنريكي وغوارديولا وزيدان في إرضاء الناس والجمهور. قد يكون هذا الأمر صحيحاً في الكثير من الأندية الكبرى، وبخاصة في الدوري الإنجليزي الممتاز، لكن هذه المشكلة باتت أكثر وضوحاً في برشلونة وريال مدريد اللذين هيمنا على كرة القدم المحلية والأوروبية بالدرجة التي جعلت الخطوط الفاصلة بين النجاح والفشل غير واضحة تماماً. لقد وصل ريال مدريد إلى الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا ثماني مرات متتالية؛ ولذا سيكون من الصعب بعد ذلك إرضاء الجمهور بعد كل هذه الإنجازات التي بات الجمهور يراها على أنها شيء عادي بالنسبة لهذا النادي العريق. وظهرت حالة من التناقض الواضح بين ريال مدريد وبين منافسيه بعد المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا السبت الماضي، فعلى الرغم من هزيمة ليفربول في المباراة فإنه كان سعيداً بمجرد الوصول للمباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا.
ومن غير المرجح أن ترى مديراً فنياً مثل الألماني يورغن كلوب يحصل على الوقت الكافي لبناء فريق قوي مع برشلونة أو ريال مدريد؛ لأن هذين الناديين لا يسمحان بأي هبوط في المستوى أو تدهور في النتائج. لكن في المقابل، لن تجد الكثير من التعاطف مع أي مدير فني يقود برشلونة أو ريال مدريد؛ لأنه يحصل على الكثير من المميزات والإمكانات التي لا يتمتع بها أي مدير فني في أي نادٍ آخر. وبالتالي، يكون من الصعب الحكم على الإنجازات التي يحققها أي مدير فني مع ريال مدريد أو برشلونة.
لقد حل غوارديولا محل يوب هاينكس في بايرن ميونيخ ويبدو مستعداً الآن للعمل لفترة طويلة مع مانشستر سيتي، لكن منتقديه يشيرون إلى أنه لم ينجح في الفوز بدوري أبطال أوروبا منذ رحيله عن برشلونة. كما يرى منتقدو لويس إنريكي أن النجاحات التي حققها مع برشلونة كانت بفضل امتلاكه هجوماً نارياً مكوناً من ليونيل ميسي ونيمار ولويس سواريز، وأنه لن يحقق نجاحاً كبيراً في حال توليه الإدارة الفنية لتشيلسي خلفا لأنطونيو كونتي، مشيرين إلى أن المدير الفني لنابولي الإيطالي ماوريسيو ساري سيكون خياراً أفضل منه بالنسبة لتشيلسي.
أما بالنسبة لزيدان، فهناك حالة من الجدل حول ما إذا كان مديراً فنياً جيداً أو ببساطة مجرد شخص وجد نفسه في المكان المناسب والتوقيت المناسب عندما تعاقد معه النادي خلفا لرافائيل بينيتيز في عام 2015. صحيح أن زيدان قاد ريال مدريد للفوز ببطولة دوري أبطال أوروبا ثلاث مرات متتالية وكان يجري تغييرات تقلب نتائج المباريات، لكن لا يجب أن ننسى أن فريقه يمتلك أفضل لاعب في العالم، كريستيانو رونالدو، ولديه بدلاء على أعلى مستوى، بالدرجة التي تجعله يضع لاعباً مثل الويلزي غاريث بيل على مقاعد البدلاء ثم يستعين به في بعض الأوقات ليغير مجرى المباريات، بالشكل الذي رأيناه في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا أمام ليفربول.
أما السبيل الوحيد أمام زيدان لكي يرد على المشككين؛ فهو أن يواصل العمل بشكل جيد مع فريق يمتلك إمكانات أقل من ريال مدريد. لكن في المقابل، ومثله في هذا الأمر مثل إنريكي وغوارديولا، يجب أن نحترم رغبة زيدان في الحصول على بعض الراحة بعيداً عن بيئة عمل يصبح فيها الفوز شيئاً أساسياً ولا معنى له في الوقت نفسه. إن العمل في مثل هذه البيئة لا يجعلك تشعر بالسعادة حتى عندما تحقق الفوز، وهو ما يفسر لنا حالة التعب والإرهاق التي تصيب المدير الفني الذي يعمل في مثل هذه الأجواء والظروف.
رحيل زيدان أحدث دليل على صعوبة تدريب الأندية الكبرى في إسبانيا
الخطوط الفاصلة بين النجاح والفشل في ريال مدريد وبرشلونة غير واضحة تماماً

زيدان وغوارديولا رحلا عن ريال مدريد وبرشلونة بإرادتيهما قبل أن تهب عواصف تطيح بهما رغم نجاحهما
رحيل زيدان أحدث دليل على صعوبة تدريب الأندية الكبرى في إسبانيا

زيدان وغوارديولا رحلا عن ريال مدريد وبرشلونة بإرادتيهما قبل أن تهب عواصف تطيح بهما رغم نجاحهما
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة