بلجيكا تعزز فرضية الدافع الإرهابي في هجوم لييج

تفتيش زنزانة قاتل الشرطيتين ومنزل والدته بحثاً عن أدلة على تطرفه... و«داعش» تبنى الاعتداء

تجمع تضامني لزملاء الطالب سيريل فانغريكين البالغ 22 سنة والذي قُتل إلى جانب الشرطيتين في اعتداء لييج بشرق بلجيكا أول من أمس (أ.ف.ب)
تجمع تضامني لزملاء الطالب سيريل فانغريكين البالغ 22 سنة والذي قُتل إلى جانب الشرطيتين في اعتداء لييج بشرق بلجيكا أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

بلجيكا تعزز فرضية الدافع الإرهابي في هجوم لييج

تجمع تضامني لزملاء الطالب سيريل فانغريكين البالغ 22 سنة والذي قُتل إلى جانب الشرطيتين في اعتداء لييج بشرق بلجيكا أول من أمس (أ.ف.ب)
تجمع تضامني لزملاء الطالب سيريل فانغريكين البالغ 22 سنة والذي قُتل إلى جانب الشرطيتين في اعتداء لييج بشرق بلجيكا أول من أمس (أ.ف.ب)

قال مكتب التحقيقات الفيدرالي البلجيكي، أمس الأربعاء، إنه لا يستبعد أن يكون الهجوم المسلّح الذي وقع في لييج شرق بلجيكا صباح الثلاثاء «عملاً إرهابياً»، في تعزيز لهذه الفرضية التي انتشرت في وسائل الإعلام المحلية مباشرة بعد وقوع الاعتداء الذي تسبب في مقتل شرطيتين ومدني، بالإضافة إلى المهاجم نفسه الذي يُشتبه بتورطه في جريمة قتل أخرى.
وشكّل الاعتداء الذي وقع في مدينة لييج الصناعية صدمة حيث قام مهاجم مسلح بسكين بطعن شرطيتين مرات عدة، قبل أن يستخدم أسلحتهما النارية للإجهاز عليهما، في أسلوب روجت له بحسب المحققين تسجيلات مصورة نشرها تنظيم «داعش» عبر الإنترنت، بحسب ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية، أمس. وأضافت الوكالة أن الشرطة تحاول جاهدة الكشف عن دوافع المهاجم الذي تم التعريف عنه على أنه بنجامين هيرمان، وهو مشرد يبلغ من العمر 31 عاماً، وأودع السجن مرات عدة لارتكابه أعمال عنف وجرائم صغيرة. وعند ارتكابه الاعتداء، كان خارجاً من السجن بموجب إذن لفترة وجيزة.
وقال المتحدث باسم المكتب التحقيقات (النيابة البلجيكية)، ايريك فاندير سبت، في مؤتمر صحافي، إن التحقيق في عملية الهجوم بدأ على أساس فرضية أن له علاقة بالإرهاب بناء على أسلوب عمل تنظيم «داعش» الذي يدعو مؤيديه إلى مهاجمة عناصر الشرطة واستخدام أسلحتهم الرسمية لقتلهم، وهو ما قام به المهاجم هيرمان.
وحول وجود اتصالات بين هيرمان وأشخاص متطرفين داخل السجن، وأيضاً ما تردد بشأن ترديده «الله أكبر» أثناء الهجوم على الشرطيين، قال المتحدث إن التحقيق يشمل فعلاً مدى ارتباط منفذ الهجوم بتنظيم «داعش». وخلال إجابته عن أسئلة الصحافيين، قال المتحدث إن الحقائق تشير إلى أن الاعتداء «جريمة قتل إرهابية ومحاولة قتل إرهابية». وأضاف أن التقييم مبني على «عناصر أولية» من التحقيق بما في ذلك «حقيقة أن المهاجم صرخ الله أكبر مرات عدة (...) والمعلومات الواردة من أمن الدولة التي تفيد أنه كان على اتصال بأشخاص تطرفوا»، بحسب ما ذكرت الوكالة الفرنسية. لكن المتحدث حذّر من أنه لم يتم التأكد من صحة هذه المعلومات التي تعود إلى «أواخر عام 2016 ومطلع 2017».
وأكد المدعون أن أسلوب المهاجم المتمثل بالاعتداء على عناصر مسلحين من الشرطة، واستخدام سلاحهم ضدهم هو أسلوب معروف لدى «داعش» الذي أعلن مسؤوليته عن اعتداءات دامية وقعت في بروكسل عام 2016.

وأظهر تسجيل مصور حصلت عليه وكالة الصحافة الفرنسية رجلاً يصرخ «الله أكبر»، وهو يسير في شوارع لييج خلال الهجوم. وفي تسجيل آخر، ظهر المشتبه به أثناء فراره من مدرسة اختبأ فيها، قبل أن تبدأ الشرطة إطلاق النار عليه بشكل كثيف ويسقط أرضاً. لكن وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون دعا إلى توخي الحذر في الإشارة إلى أن الاعتداء يحمل طابعاً متطرفاً.
وقال لإذاعة «آر تي إل»: «هناك مؤشرات إلى حدوث تطرف في السجن لكن هل هذا التطرف أدى إلى هذه الأفعال؟»، داعياً إلى «انتظار نتائج التحقيق».
وتم إيلاء اهتمام خاص لعملية قتل مروعة بواسطة مطرقة لشخص يُشتبه بأنه تاجر هيروين على ارتباط بهيرمان وقعت في وقت متقدم الاثنين في قرية قرب حدود لوكسمبورغ. وقالت الوكالة الفرنسية إن المحققين عثروا الثلاثاء على المطرقة في سيارة هيرمان، وأفاد جامبون بأن الشرطة تعتقد أن مهاجم لييج هو الذين نفذ جريمة القتل بعد ساعات فقط من الإفراج المؤقت عنه من السجن.
وأكدت النيابة أن التحقيق جار لمعرفة إن كان هيرمان على ارتباط بالقضية مشيرة إلى أنه تحقيق منفصل.
وإضافة إلى الشرطيتين، أطلق المهاجم النار على طالب يبلغ من العمر 22 عاماً كان جالساً في سيارة متوقفة وسط لييج وأرداه قتيلاً. واحتجز لاحقاً عاملة تنظيف في مدرسة قريبة تضم مئات التلاميذ تتراوح أعمارهم بين عامين و18 عاماً كرهينة.
وتم التعريف عن الشرطيتين اللتين قتلتا على أنهما لوسيل غارسيا، وهي جدة تبلغ من العمر 53 عاماً، وثريا بالقاسمي البالغة 45 عاماً، وهي أم لتوأم يبلغان من العمر 13 عاماً.
وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن حدة النقاش المرتبط بسياسة السجون في البلاد ارتفعت وسط تقارير بأن هيرمان خالف مراراً شروط إذن خروجه المؤقت من السجن قبيل الإفراج الكامل عنه المتوقع في 2020.
وقال وزير العدل البلجيكي كوين غينز لإذاعة «آر تي بي إف»: «أشعر بالمسؤولية كوني مسؤولاً عن السجون».
وشهدت لييج في 2011 عملية إطلاق نار أخرى دامية عندما قتل شخص مُدان ستة أشخاص، وأصاب أكثر من 120 بجروح قبل أن ينتحر.
وأكدت شرطة لييج الثلاثاء أنه كان «من الواضح أن هدف القاتل كان مهاجمة الشرطة». وأضافت أن أحد الشرطيين الأربعة الجرحى تعرض لإصابة بالغة في ساقه.
وأجرت السلطات البلجيكية في الساعات الماضية عمليات تفتيش للزنزانة التي كان يقيم فيها بنيامين قبل الخروج من السجن لقضاء عطلة، كما فتَّشَت منزل والدته الذي يذهب إليه عند خروجه من مقر الاعتقال لقضاء العطلات، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام في بروكسل. ويُعتقد أن المحققين يحاولون البحث عن أدلة تشير إلى أن بنيامين تأثر بالفكر المتطرف في السجن خلال الفترة الأخيرة.
واصدر تنظيم «داعش» بياناً مساء أمس أعلن فيه مسؤوليته عن الهجوم، على غرار تبنيه لهجمات أخرى نفذها أشخاص بمفردهم في أوروبا.
وأكد مصدر أمني بلجيكي لـ«رويترز» أن هيرمان تحوّل إلى الإسلام أثناء اعتقاله، ويعتقد أنه تبنى أفكاراً متطرفة. وقد يكون هيرمان، الذي دخل السجن وخرج منه مرات عدة منذ 2003، قد وجد سبيلاً إلى العنف الذي أثار مخاوف من أن تصبح سجون أوروبا حاضنات للفكر المتطرف.
وقال وزير العدل جينس إن هذه كانت المرة الرابعة عشرة التي يسمح له فيها بالخروج من السجن بشكل مؤقت لتحضيره لإطلاق سراحه والاندماج في المجتمع.
وندد رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل بـ«العنف الجبان والأعمى» في هجوم الثلاثاء. وتعيش بلجيكا حالة استنفار قصوى منذ تفكيك خلية إرهابية في بلدة فيرفييه في يناير (كانون الثاني) 2015 كانت تخطط لشن هجوم على قوات الشرطة. وكانت الخلية على ارتباط بعبد الحميد أباعود العقل المدبر لاعتداءات نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 في باريس، التي راح ضحيتها 130 شخصاً وتبناها تنظيم «داعش». واستهدفت اعتداءات انتحارية نفذها «داعش» لاحقاً مطار بروكسل ومحطة قطارات فيها، ما أسفر عن مقتل 32 شخصاً في مارس (آذار) 2016. وفي 6 أغسطس (آب) 2016، هاجم شخص شرطيتين بساطور، هاتفياً «الله أكبر» في بلدة شارلروا قبل أن تقتله قوات الأمن.
وفي القاهرة، أدانت مصر، في بيان صادر عن وزارة الخارجية، أمس، جريمة مدينة لييج. وجدد البيان التأكيد على «موقف مصر الثابت والرافض لكل صور وأشكال الإرهاب وترويع الآمنين أياً كانت أسبابه ومبرراته، وأهمية تكاتف المجتمع الدولي للتصدي لظاهرة الإرهاب بكل حزم وقوة»، مشدداً على «وقوف مصر بجانب الحكومة البلجيكية والشعب البلجيكي الصديق».
وفي السياق ذاته، دان الأزهر بشدة الحادث، وأكد في بيان أن «استهداف الأبرياء وترويع الآمنين عمل جبان وجريمة بغيضة تعد من الإفساد في الأرض»، مشدداً على أن الأديان السماوية «ترفض سفك الدماء». وطالب بضرورة «تضافر الجهود الدولية للقضاء على مثل هذه الأعمال الإرهابية واستئصال خطرها الذي يهدد السلام العالمي».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».