خبراء إسرائيليون لا يصدقون بأن نتنياهو جاد في خوض حرب شاملة

TT

خبراء إسرائيليون لا يصدقون بأن نتنياهو جاد في خوض حرب شاملة

على الرغم من حوادث الصدامات المسلحة الكثيرة في الأشهر الأخيرة، بين إسرائيل من جهة وبين إيران وميلشياتها في سوريا، ومع حماس والجهاد الإسلامي في الجنوب، والتوتر والتهديدات التي سبقتها وتخللتها ويتوقع أن تعقبها أيضا، فإن الكثير من الخبراء والمسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم المحسوبون على جناح اليمين في الخريطة الحزبية الإسرائيلية، يستبعدون نشوب حرب شاملة، ويعتبرون أقوال رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قبل ثلاثة أسابيع، إنه مستعد لمنع الوجود الإيراني في سوريا بالقوة، مهما كان الثمن، تهديداً غير مسبوق، وبعضهم يذكرون بأن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، كان قد أعلن قبل شهر أن «الثمن قد يكون حرباً على جميع الجبهات».
الجنرال عاموس يدلين، رئيس معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، الذي قاد، ذات مرة، شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وقاد الطائرات الإسرائيلية المقاتلة التي قصفت المفاعل النووي العراقي سنة 1991، اعتبر التهديدات الإسرائيلية «ضرباً من التبجح، الذي يذكرني بالغرور الذي ساد لدى قادتنا السياسيين عشية حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973».
لكن البروفسور، أريه الداد، رجل اليمين المتطرف، الذي شغل منصب عضو لجنة الخارجية والأمن البرلمانية لمدة 20 عاماً خلت، يهدئ من روعه ويقول له: «أنا أحترم رأيك كثيراً، كما تعرف. لكن لكي تحكم على مثل هذه الأمور عليك أن تقرأ نوايا الطرف الآخر. وهذه لا يمكن أن تقرأها. لذلك؛ افعل ما عليك فعله لخدمة مصالح بلادك، واستعد لأسوأ السيناريوهات، ودع عدوك يعرف بأنك تستعد كذلك. وهذا ما يحصل لدينا اليوم. فلدينا جيش يوضح للعدو، باستمرار، أنه يستعد. تارة يفعل ذلك بالتصريحات وتارة بالتدريبات وتارة بالعمليات الرادعة، مثل القصف الشديد الذي نفذته طائراتنا ضد أهداف إيران و«حزب الله» في سوريا، وكما (نفعل) مع حماس والجهاد الإسلامي هذه الأيام. والنتيجة كانت جيدة. فلم نتدهور إلى حرب شاملة، وذلك ليس فقط لأننا نحن لا نريدها، بل أيضاً لأن الطرف الآخر مرتدع ولا يريدها».
ويتفق معه في ذلك، البروفسور يورام شفايتسر، الباحث في شؤون الحروب الصغيرة والإرهاب في معهد الأمن القومي، ويقول: إن «إطلاق نحو 20 صاروخاً من سوريا في ليلة التاسع والعاشر من مايو (أيار)، بتوجيه من إيران، إلى الأراضي الإسرائيلية، أنهى فصلاً من النقاش الذي جرى في إسرائيل حول ما إذا كان وكيف وأين ستحاول إيران الانتقام لمقتل رجال الحرس الثوري الإيراني في الهجمات التي شنتها إسرائيل على الأراضي السورية. فبعد رد إيران الأول على الهجوم، الذي لم يسبب خسائر لإسرائيل، ردت إسرائيل على الهجوم الصاروخي بمهاجمة البنية التحتية العسكرية الإيرانية في الأراضي السورية وسببت لها ضرراً كبيراً، وفي ضوء الالتزام العلني لكبار المتحدثين الإيرانيين بأن إسرائيل ستبكي جنودها كما حزنت إيران على جنودها، لم يبق إلا أن نرى ما إذا كان وكيف ستنتقم إيران من إسرائيل، أيضاً على الهجوم المضاد الواسع: كيف ستكون قوة الرد وخصائصه وموقعه. تركز التصريحات الإيرانية الرد على النشاط الإسرائيلي باستهداف مواقع عسكرية في إسرائيل. ومع ذلك، في ضوء نطاق واستمرارية الهجمات الإسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا، إلى جانب التأثير المنسوب إلى إسرائيل على قرار الرئيس ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي، وإحراج إيران بعد الكشف عن أرشيفها النووي على الملأ، والتهديدات العلنية من قبل كبار المسؤولين الإسرائيليين بإحباط عزم إيران على إقامة بنية تحتية عسكرية في سوريا، كل هذا يضيف إلى الشعور الإيراني بالإذلال، وربما لتوسيع نطاق خيارات الاستجابة من جانبها أيضاً. بالإضافة إلى الحرس الثوري، لدى إيران مجموعة من المنظمات الوكيلة والميليشيات التي تضم نشطاء من اللبنانيين والعراقيين والسوريين والفلسطينيين والأفغان والباكستانيين. ويمكن لقسم منها أن يتجند للعمل ضد إسرائيل. وعلى الرغم من تصريحات القادة الإيرانيين بأن استمرار النشاط الإسرائيلي ضد قواتهم ووكلائهم في سوريا سيؤدي إلى تدمير حيفا وتل أبيب، يبدو أن إيران غير معنية بالتدهور نحو الحرب، وبخاصة في سوريا أو لبنان، وبسبب الخوف من تداعيات ذلك على بقاء نظام الأسد ووضع (حزب الله)، كما هي إسرائيل أيضاً ليست معنية بحرب واسعة. وبالتالي، فإن الضربات اللفظية المتبادلة بين إسرائيل وإيران، تلزم الطرفين بالحرص على أن تكون أفعالهما مؤلمة، من جهة، ومحدودة، في الوقت نفسه، لكي لا تتسبب في التصعيد».
الجنرال في الاحتياط، يعقوب دروري، الذي شغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي في حكومة نتنياهو، يقول إن «الرد الإيراني الضعيف على القصف الإسرائيلي الضخم الجارف في سوريا، إلى حدّ أن أغلبية الصواريخ التي أُطلقت على خط المواقع في هضبة الجولان اعترضها الجيش أو سقطت في سوريا، يزود الجيش الإسرائيلي بذريعة للتحرك بصورة واسعة ضد أغلبية البنية التحتية الإيرانية في سوريا. وفي إطار هذا الصراع الطويل يجب أن نفهم أيضاً زيارة رئيس الحكومة إلى روسيا، في توقيت هو الأفضل، على الرغم من أن أحداً لم يخطط ذلك. وجود نتنياهو ضيفاً كبيراً في الساحة الحمراء هو بمثابة تلميح لإيران، بأنه على الرغم من علاقة موسكو الوثيقة بها، فإنها لن توقف إسرائيل عن العمل ضد التمدد الإيراني، ولو أنها لن تفعل العكس وتعمل على تهدئة إيران.
إسرائيل تملك حرية العمل في سوريا، وبعد دعم الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لنا أصبحت إسرائيل تملك حرية أكبر من الماضي. هل من الممكن أن تتدهور هذه الأحداث إلى حرب مع إيران؟ الجواب هو نعم، على الرغم من عدم رغبة الطرفين في ذلك. من وجهة نظر إسرائيل، بناء آلة حرب إيرانية في سوريا، يمكن أن يصبح مسألة حساسة في المستقبل؛ لذا يجب منع بنائها الآن. وبالنسبة إلى الإيرانيين ما تفعله هو مرحلة مهمة في استراتيجية هدفها تحقيق هيمنة إقليمية لإيران، وفي المستقبل البعيد، وضع مظلة نووية فوقها. وإذا لم يتراجع أحد الطرفين، فإن النتيجة ستُحسم في الحرب.
هل ستقتصر ساحة المعركة العسكرية على سوريا أم ستنزلق إلى لبنان وإلى مواجهة مع (حزب الله)، وربما أيضاً إلى تبادل ضربات بين إسرائيل وإيران نفسها؟ من الصعب التنبؤ، لكن يجب أخذ ذلك في الحسبان».
أما العقيد في جيش الاحتياط أفرايم كام، فيقول: «في سيناريو مواجهة واسعة، سيكون لدى إيران أداة مهمة من المهم أن تأخذها إسرائيل في الحسبان: المخزون الكبير من الصواريخ والقذائف المتطورة التي تملكها إيران و(حزب الله)، والتي تغطي جميع أراضي إسرائيل. ويشكل هذا المخزون جوهر التهديد الإيراني لإسرائيل. لكن استخدامها الكثيف معناه مواجهة واسعة، لا ترغب فيها إيران».
ويخرج عن السرب الدكتور نمرود غورن، رئيس معهد «ميتافيم» للسياسات الخارجية، الذي ينصح نتنياهو بأن يتصرف بصفته «قائداً مسؤولاً عن شعب عانى ما يكفيه من الحروب، والتوقف عن استخدام لهجة الحرب، والتوجه لاستغلال الفرص الكبيرة التي خلقتها التطورات الإقليمية في السنوات السبع الأخيرة. فهناك فرصة حقيقية لإبرام اتفاقية سلام مع العالمين العربي والإسلامي مقابل تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني». ويقول إن إضاعة فرصة كهذه هو جريمة. لكن إضاعتها، جنباً إلى جنب مع إطلاق تصريحات والقيام بعمليات تقود إلى حرب، تجعل الجريمة جريمتين».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».