رمضان يضغط على حركة «العقار» السعودي ويهبط بعدد صفقاته الأسبوعية 38 %

قيمتها تتراجع 22 % والعقارات المبيعة تنخفض 28 %

شمل الانخفاض في قيمة الصفقات القطاعين السكني والتجاري بنسب متفاوتة في سوق العقارات السعودية (تصوير: خالد الخميس)
شمل الانخفاض في قيمة الصفقات القطاعين السكني والتجاري بنسب متفاوتة في سوق العقارات السعودية (تصوير: خالد الخميس)
TT

رمضان يضغط على حركة «العقار» السعودي ويهبط بعدد صفقاته الأسبوعية 38 %

شمل الانخفاض في قيمة الصفقات القطاعين السكني والتجاري بنسب متفاوتة في سوق العقارات السعودية (تصوير: خالد الخميس)
شمل الانخفاض في قيمة الصفقات القطاعين السكني والتجاري بنسب متفاوتة في سوق العقارات السعودية (تصوير: خالد الخميس)

سجل عدد الصفقات العقارية السعودية انخفاضاً خلال الأسبوع الماضي حيث بلغ 38.3 في المائة ليسجل 2761 صفقة عقارية، امتداداً لانخفاضه في الأسبوع الذي سبقه بنسبة 1.8 في المائة، كما انخفض عدد العقارات المبيعة خلال الأسبوع بنسبة 27.9 في المائة، ليستقر عند 3393 عقارا مبيعا، مقارنة بانخفاضه خلال الأسبوع الأسبق بنسبة 1.6 في المائة.
ويأتي الانخفاض المتتالي بضغط مباشر من القرارات الحكومية التي بدأت تعيد بلورة القطاع، خصوصاً بعد البدء الفعلي لدفع رسوم الأراضي وإقرار ضريبة القيمة المضافة، وتنوع خيارات التملك عبر دخول الحكومة في ذلك عبر برنامج «سكني» الذي يحقق نجاحاً كبيراً، بالإضافة إلى تفاوت الأسعار بين عرض المستثمرين وقدرة المشترين.
واختلفت أسباب انخفاض إجمالي عدد الصفقات بالقطاع التجاري بالتحديد، لانعكاسات رسوم الأراضي وضغطها على قيمة الاستثمارات العقارية بشكل عام، بالإضافة إلى تخوف المستثمرين من المخاطرة بالشراء في هذه الوقت في ظل الضغوطات الكبيرة التي تعيشها السوق؛ أهمها الرسوم التي تظل الأكثر تأثيرا بحسب تسلسل نسبة الانخفاض منذ اعتمادها، والتوجس من مستقبل العقار الذي يعد هاجساً كبيراً لدى المهتمين به، ويتوقع أن ينعكس تضاؤل الطلب على الأسعار بشكل إيجابي عبر انخفاضها لمستويات تتماشى مع قدرات المشترين.
وقال صالح الغنام، المدير العام لـ«شركة الغنام للتطوير العقاري»، إن نزول عدد الصفقات بحسب المؤشر العقاري دليل على رفض المشترين الشراء بالأسعار الحالية التي يرونها مرتفعة، رغم أن المطورين يرغبون بشكل كبير في البيع ولو برأس المال لضمان جريان السيولة وعدم توقفها، وذلك باعتبار أن للمشروعات عمرا محددا وتنخفض كلما تأخر بيعها أو تصريفها، موضحاً أن السوق العقارية مترابطة إلى حد كبير بين أفرعها مهما اختلف النشاط، لذا تجد تأثير أي فرع على الآخر بشكل مباشر، ويتضح ذلك من الانخفاض الحاصل في عدد الصفقات، وأضاف: «هناك اقتناص فرص حاصل في السوق، خصوصاً للمضطرين أو من يتساهلون في النزول بالقيمة، لذا يتركز العمل عليهم، بدليل غياب الصفقات الكبرى التي تحرك السوق والركود الحاصل فيها».
وزاد الغنام بأنه «في الوقت الذي تدفع فيه الحكومة بكل قوتها في سبيل إعادة الأسعار إلى طبيعتها، وهو الهدف الرئيسي للقضاء على تضخم أسعار العقار بكل أفرعه، يتبين ما هو حاصل في السوق بضغط من رسوم الأراضي وتطورات برنامج (سكني) الذي بدا مؤثرا بشكل ملحوظ في ظل انتظام تسليم الدفعات وضخ كميات كبرى من العرض، وهو ما يهيئ أرضا خصبه للانخفاض في القيمة مستقبلاً، خصوصا أن أسعار العقار انخفضت بما يزيد على 20 في المائة في أقل من 12 شهرا، وهو ما يؤكد سطوة القرارات الحكومية على واقع السوق».
وشمل الانخفاض في قيمة الصفقات كلا من قيم صفقات القطاعين السكني والتجاري، حيث انخفضت قيمة صفقات القطاع السكني بنسبة 18.3 في المائة، مقارنة بارتفاعها خلال الأسبوع الأسبق بنسبة 2.6 في المائة، ولتستقر مع نهاية الأسبوع عند أدنى من مستوى 453 مليون دولار، وانخفضت بنسبة أكبر قيمة صفقات القطاع التجاري بنسبة 31.0 في المائة، مقارنة بارتفاعها القياسي خلال الأسبوع الأسبق بنسبة 82.5 في المائة، ولتستقر بدورها مع نهاية الأسبوع عند أدنى من مستوى 160 مليون دولار.
من جانبه، أكد عبد اللطيف العبد اللطيف، المستثمر العقاري، أن هناك انخفاضات متتالية في عدد الصفقات، وهو ما يميز السنة الأخيرة بشكل خاص بتلاؤم من القيمة مهما انحدرت مؤقتاً، الأمر الذي يوحي بأن هناك نزولا أكبر في القيمة بعد موجة عريضة من الارتفاعات لامست الضعف خلال العقد الماضي فقط، في أكبر سلسلة ارتفاعات شهدها القطاع العقاري السعودي، لافتاً إلى أن ما يحدث الآن ما هو إلا تصحيح للوضع العقاري الذي بدأت ملامح السيطرة عليه تتضح، معرجاً بأنهم بصفتهم عقاريين يرغبون في انخفاض في قيمة العقار ليتمكنوا من إعادة الحركة والتكسب من نشاط السوق بشرط عدم وقوع خسائر في ما يمتلكونه أو يعرضونه.
وأضاف العبد اللطيف أن الأمر منفصل فيما يحدث بين ازدياد وقوة الاقتصاد السعودي وتناقص قيمة صفقات القطاعين التجاري العقاري بالتحديد، حيث إن من مصادر التضخم ارتفاع أسعار العقارات التجارية التي تعد مرتفعة إلى حد كبير مقارنة بالخدمات التي تقدمها أو حتى بالنسبة إلى موقعها والمميزات التي تحتويها، وأن أي تصحيح في قيمتها سيلقي بظلاله بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي، باعتبار أن انخفاض قيمة العقار التجاري سيخفض تكاليف المشروعات العقارية وبالتالي سيؤدي إلى نزول في الأسعار.
وبين أن العقار السعودي في حركة تصحيح وليست حركة ضعف، وأن ذلك سينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد المحلي، خصوصا أن هناك انخفاضا كبيرا واستجابة للضغوطات التي يعيشها القطاع العقاري المحلي، حيث تشهد السوق نزولا ملحوظا في الأسعار تماشيا مع الطلب لمستويات معقولة ومغرية.
وبالنظر إلى سيولة السوق العقارية المحلية، يُظهر اتجاه متوسط الأداء الأسبوعي للسوق على مستوى سيولتها المدارة منذ مطلع العام الحالي، انخفاضا إلى مستوى 746 مليون دولار، أي أدنى من المتوسط الأسبوعي للعام الماضي بنسبة 39.8 في المائة.
من جانبه، أبان وليد الرويشد الذي يدير «شركة مستقبل الإعمار العقارية»، أن هناك انخفاضات متتالية في عدد الصفقات، «إلا أن ما يميز هذا الانخفاض المتتالي أن هناك نزولا ملحوظا في القيمة رغم أنه غير مكافئ وغير مستمر، الأمر الذي يتوقع معه أن تكون هناك انخفاضات مقبلة في القيمة بعد موجة عريضة من الارتفاعات لامست الضعف خلال السنوات الأخيرة»، لافتاً إلى أن ما يحدث الآن ما هو إلا تصحيح للوضع العقاري الذي بدأت ملامح السيطرة عليه تتضح.
وأوضح أن «الارتفاع المؤقت في قيمة الصفقات لا يمكن أن يمحو سلسلة الانخفاضات في القيمة العامة للأنشطة العقارية»، مبيناً أن الأراضي تعد المحرك الرئيسي للقطاع العقاري بأكثر من 89.9 في المائة من إجمالي حركة القطاع العقاري، وأن الأراضي بالتحديد تشهد ضغوطات متتالية في ظل فرض الرسوم وشح السيولة.
وانخفض متوسط سعر الشقق السكنية بنسبة 7.8 في المائة، وانخفض متوسط الأسعار السوقية للفيلات السكنية بنسبة 7.3 في المائة، ووصل انخفاض متوسط السعر السوقي للمتر المربع للأرض السكنية بنسبة 6.5 في المائة، وأخيرا انخفاض متوسط الأسعار السوقية للعمائر السكنية للفترة نفسها بنسبة 5.2 في المائة.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».