صوت الكولومبيون، أمس، لانتخاب أول رئيس سيحكم منذ أكثر من نصف قرن من دون تهديد القوات المسلحة الثورية (فارك)، وسط مبارزة سياسية غير مسبوقة بين اليمين المتشدد واليسار المعادي للنظام.
وفي كولومبيا حيث يحكم اليمين دائما، يبدو المرشح اليميني إيفان دوكي الحديث في السياسة الأوفر حظا للدورة الأولى، لكنه يواجه منافسة من مرشح معاد للنظام هو غوستافو بيترو، رئيس بلدية بوغوتا اليساري السابق والمنفصل عن الأحزاب التقليدية.
وستحدد هذه الانتخابات الأساسية مستقبل اتفاق السلام الموقع في 2016 مع أقوى حركة تمرد في الأميركتين، التي باتت اليوم مجردة من سلاحها، وقد استقطب هذا الميثاق مجتمعا أدمته أطول حرب أهلية في القارة. وأعلن الرئيس المنتهية ولايته خوان مانويل سانتوس (66 عاما)، أمس، بعدما أدلى بصوته في بوغوتا «حتى الآن، لم ينقل أي مكتب تصويت لسبب أمني»، مضيفا: «لم يحصل هذا منذ عقود كثيرة»، وفق تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وكان سانتوس قال عشية الانتخابات التي دعي أكثر من 36 مليون ناخب إلى الإدلاء بأصواتهم فيها، إن «مع انتخابات مارس (آذار) الماضي لانتخاب الكونغرس الجديد، ننهي الدورة الأولى الكاملة من الانتخابات الوطنية من دون تهديد النزاع المسلح مع فارك».
وبعد ولايتين منذ 2010. لا يعد بوسع هذا الرئيس الآتي من وسط اليمين، وأنهى مواجهة مسلحة استمرت أكثر من نصف قرن، أن يترشح لولاية جديدة. وبات ترسيخ السلام الذي أضعفه التأخر في تطبيق الاتفاق، رهنا بخلفه.
وينوي اليمين المتشدد، المعارض للاتفاق الموقع مع حركة التمرد والمحادثات التي بدأت مع جيش التحرير الوطني آخر حركة تمرد في البلاد، استعادة الرئاسة بمرشح شاب. وإذا لم يتحقق ذلك، ففي الدورة الثانية في 17 يونيو (حزيران).
وبالإضافة إلى إعادة النظر في اتفاق السلام الذي يعتبره متساهلا حيال المتمردين السابقين إذ يعفيهم من السجن إذا ما اعترفوا بجرائمهم، يعد إيفان دوكي باستئصال المخدرات والفساد وإنعاش رابع اقتصاد في أميركا اللاتينية الذي سجل تباطؤا في النمو إلى 1.8 في المائة.
ومن بين المرشحين الستة، يمثل هذا المحامي والخبير الاقتصادي ائتلافا يقوده المركز الديمقراطي الذي يتزعمه ألفارو أوريبي، الرئيس السابق المثير للجدل لكنه يتمتع بشعبية. ويدافع دوكي الذي سيحصل على ما بين 37.6 في المائة و41.5 في المائة من الأصوات وفق استطلاعات الرأي، عن حرية المبادرة والقيم التقليدية للعائلة، وينتقد فنزويلا المجاورة الواقعة في الإفلاس.
وأبرز منافسيه، غوستافو بيترو (58 عاما) المنتمي إلى حركة «كولومبيا إنسانية» وتمنحه استطلاعات الرأي 24.2 في المائة إلى 29.5 في المائة من الأصوات، هو متمرد سابق في حركة «إم - 19» يبهر الجماهير ببرنامج يتعاطف مع الفقراء، لكنه يتعرض للانتقاد بسبب علاقاته مع فنزويلا.
وفي بلد متحالف مع الولايات المتحدة، يدافع بيترو عن الاتفاق مع التمرد السابق (فارك) والحوار مع جيش التحرير الوطني الذي علق عملياته المسلحة بمناسبة الانتخابات. إلا أن السلطات شددت التدابير الأمنية ونشرت نحو 150 ألف جندي.
وما زال هذا البلد، المنتج العالمي الأول للكوكايين والبالغ عدد سكانه 49 مليون نسمة، يواجه عنف المجموعات غير الشرعية التي تتنازع السيطرة على تجارة المخدرات في المعاقل القديمة للقوات المسلحة الثورية الكولومبية التي تحولت إلى حزب سياسي أبقى على الأحرف الأولى من اسمه.
وتواجه كولومبيا التي تتصدر البلدان التي تعاني من عدم المساواة في القارة بعد هايتي وهندوراس، صعوبة في الخروج من نزاع تورطت فيه طوال عقود، نحو ثلاثين حركة تمرد وقوات الأمن وقوات شبه عسكرية، وأسفر عن أكثر من ثمانية ملايين ضحية بين قتيل ومفقود ومهجر.
في 2016 ووسط مفاجأة كبرى، رُفض اتفاق السلام في استفتاء، قبل أن يُعاد التفاوض في شأنه، ثم التصويت عليه في البرلمان. ولا يمكن أحيانا توقع نتائج الانتخابات، وعادة تبلغ نسبة الامتناع عن التصويت 50 في المائة.
وقال نيكولاس ليندو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيرجيو أربوليدا، لوكالة الصحافة الفرنسية إن «مرشحين يتصدران بوضوح، وما لم تحصل مفاجأة وخطأ كبير في استطلاعات الرأي، سينتقل بيترو ودوكي إلى الدورة الثانية، على رغم إمكانية فوز دوكي أيضا في الدورة الأولى».
وبعدما منيت بهزيمة ساحقة في مارس عندما واجهت حقيقة صناديق الاقتراع ولم تتمكن من تجاوز 0.5 في المائة للفوز بأكثر من المقاعد النيابية الـ10 الممنوحة باتفاق السلام، تخلت القوة البديلة الثورية المشتركة (فارك) عن الانتخابات الرئاسية. وفرض اليمين المتشدد نفسه في هذه الانتخابات التشريعية. وإذا ما خلف سانتوس في 7 أغسطس (آب)، فيتعين على دوكي الاعتماد على دعم الكونغرس. لكنه يستفيد خصوصا من هالة اوريبي. وبعد ولايتين (2002 - 2010)، لا يستطيع «والد كولومبيا»، كما وصفه أحد مديري الاجتماعات، أن يترشح.
لكن المحلل أندريس ماسياس من جامعة اكسترنادو نبه إلى أن «استطلاعات الرأي تؤكد أيضا مستوى كبيرا من المترددين أو التصويت بورقة بيضاء، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى مفاجأة».
كولومبيا تشهد أول انتخابات رئاسية للسلام مع فارك
كولومبيا تشهد أول انتخابات رئاسية للسلام مع فارك
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة