استجداء حوثي للقبائل وحصار للنواب ونهب للمصارف

الميليشيات تعوّض نقصها بتجنيد السجناء والأيتام والمعدمين

TT

استجداء حوثي للقبائل وحصار للنواب ونهب للمصارف

دفعت الخسائر الميدانية الأخيرة التي منيت بها الميليشيات الحوثية في أكثر من جبهة، إلى محاولة تعويض النقص الحاد في صفوفها، عبر اللجوء إلى تجنيد السجناء ونزلاء دور الأيتام، واستغلال المساعدات الإنسانية من أجل إغراء أبناء الأسر المعدمة للالتحاق بالقتال إلى جانبها.
وتزامنت هذه المساعي مع استمرار القادة المحليين للميليشيات في استجداء القبائل والمكونات المجتمعية الدفع بأبنائهم للقتال، وذلك بموازاة التشديد الأمني الذي كثفته الجماعة عند منافذ العاصمة صنعاء، وفي محيط منازل قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» وأعضاء البرلمان، خشية إفلاتهم نحو مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
وأقدمت الجماعة -حسب ما ذكرته مصادر أمنية في صنعاء- على اعتقال القيادي المعيّن من قِبلها مسؤولاً عن الحزام الأمني للعاصمة والمكنّى «أبو آلاء» واتهامه بالخيانة، على خلفية تمكن 5 من نواب البرلمان الموالين لحزب «المؤتمر» من الفرار هذا الأسبوع، من قبضة الجماعة باتجاه عدن وشبوة.
في غضون ذلك، فرضت الميليشيات إتاوات جديدة على ملاك المتاجر الكبرى ورجال الأعمال، لدعم المجهود الحربي، وقامت بشن حملات مباغتة على شركات الصرافة والمصارف المحلية نهبت خلالها كميات ضخمة من العملة المحلية التي كانت قد أصدرتها أخيراً الحكومة الشرعية بحجة أنها غير مسموح بتداولها في مناطق سيطرة الجماعة.
وذكرت مصادر أمنية مناهضة للحوثيين في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن قادة الميليشيات اتخذت قراراً باللجوء إلى نزلاء السجن المركزي في العاصمة اليمنية المحتلة، من أجل استقطابهم للقتال في صفوفهم مقابل الإفراج عنهم وتبييض جرائمهم.
قرار الجماعة الذي اتخذه، أول من أمس (الخميس)، عناصرها المعينون في أجهزة النيابة والقضاء والأمن، نص على إطلاق كل السجناء المحكومين في الحق العام، مقابل تعهدهم بالالتحاق بجبهات القتال، وفقاً للمصادر التي أوردت أيضاً أن الميليشيات تسعى كذلك إلى إطلاق المئات من السجناء المعسرين الموقوفين على ذمة أموال للآخرين تعثروا في دفعها، مقابل الشرط نفسه، على أن تتكفل الجماعة بسداد ما عليهم من أموال، عبر الإيعاز إلى عدد من رجال الأعمال والمؤسسات الإيرادية الخاضعة لهم من أجل دفع الأموال المستحقة على مئات السجناء تمهيداً لإطلاق سراحهم والدفع بهم إلى جبهات القتال، في مسعى لتعويض النقص الحاد في عناصرهم، بخاصة في جبهات الساحل الغربي.
وطبقاً للمصادر نفسها، أبدى رجل الأعمال وتاجر القمح الشهير الموالي للجماعة يحيى الحباري استعداده لدفع الأموال المطلوبة من أجل إغلاق ملفات العشرات من السجناء المعسرين، بعد أخذ التزام منهم بالتوجه إلى الجبهات.
ويعد الحباري أحد أبرز المتورطين من رجال الأعمال في دعم الجماعة وتمويل أنشطتها المختلفة طوعياً، في الوقت الذي تتداول فيه أنباء في صنعاء، عن تورطه في التواطؤ مع الميليشيات الحوثية من أجل استهداف السفينة التركية التي كانت تقلّ شحنة من القمح تعود ملكيتها لأحد منافسيه في السوق وهو رجل الأعمال «فاهم».
وكانت الميليشيات الحوثية، قد عيّنت حديثاً قريبه القيادي الميداني في صفوفها، ويدعى فارس الحباري، عضواً في نسختها من مجلس الشورى، في سياق مكافأته لجهة الأدوار التي لعبها في التمكين لها من السيطرة على مديرية أرحب التي ينتمي إليها.
إلى ذلك، ذكرت المصادر أن النيابة الخاضعة للميليشيات في صنعاء أعدت لائحة بأسماء المئات من السجناء الذين تستعد لإطلاقهم، في الأيام المقبلة، بعد أن كانت قد أخضعتهم الجماعة لدورات مكثفة في سياق عملية استقطابهم إلى مشروعها الطائفي.
وبينما تحاول الجماعة التغطية على مساعيها لتجنيد السجناء، زعمت المصادر الرسمية التابعة لها أن قرار الإفراج عنهم يشمل فقط «من قضوا ثلاثة أرباع المدة المحكوم بها عليهم في عقوبة الحبس المتعلقة بالحق العام في الجرائم الجسيمة وثبت عنهم حسن السيرة والسلوك، وعزوفهم عن الجريمة».
كما ذكرت النسخة الحوثية من وكالة «سبأ» أنه تم تشكيل عدد من اللجان الفرعية التي تولت إعداد كشوف السجناء المعسرين، وقالت: «سيتم هذا العام الإفراج عن أكبر عدد ممكن من الذين أنهوا فترة العقوبة ولم يتمكنوا من الخروج من السجن بسبب الحقوق الخاصة (الأموال) المحكوم بها عليهم».
وكانت الميليشيات قد عيّنت أحد عناصرها الطائفيين ممن ينتمون إلى سلالة زعيمها الحوثي، ويدعى عبد الله الهادي، رئيساً لمصلحة السجون ومنحته رتبة لواء وكلفته الإشراف على استقطاب السجناء وإخضاعهم للدورات الطائفية.
وفي محافظة إب، الخاضعة للجماعة، أفادت مصادر حقوقية لـ«الشرق الأوسط» بأن محافظ الميليشيات عبد الواحد صلاح، تفقد أول من أمس (الخميس)، دار رعاية الأيتام في مدينة إب، وسط أنباء عن تلقيه أوامر من الجماعة بإلحاق العشرات من نزلاء الدار، بجبهات القتال في الساحل الغربي.
وكان عناصر الجماعة في محافظة إب قد أقدموا في وقت سابق من هذا العام، على إطلاق سراح المئات من السجناء من أصحاب السوابق والمحكومين في جرائم جسيمة بعد أن تم تجنيدهم طائفياً في صفوف الميليشيات، في الوقت الذي كانت شهدت فيه دار الأيتام في صنعاء تجنيد عدد من نزلائها ممن يدرسون في المرحلة الثانوية، قبل أن يتم الدفع بهم إلى جبهة نهم شمال شرقي العاصمة صنعاء.
وفي سياق متصل، ذكرت مصادر محلية في محافظة ريمة أن محافظ الجماعة الحوثية ويدعى حسن العمري، لجأ إلى استقطاب المجندين من أبناء الأسر الفقيرة مقابل منحهم سلالاً غذائية من تلك التي استولت عليها الجماعة من المنظمات الدولية.
وبينما اعترفت المصادر الرسمية للميليشيات بأن محافظها في ريمة، أشرف أول من أمس، على توزيع أكثر من 700 سلة غذائية في مديرية الجبين، مركز المحافظة، مقدَّمة على حد زعمها من مشروع الإمام علي بن أبي طالب، قالت مصادر محلية بأن المحافظ الحوثي أخذ تعهداً من الأسر الفقيرة التي حصلت على السلال الغذائية بأن تدفع بأبنائها إلى جبهات القتال، كما أنه ترأس اجتماعاً لأعيان مديرية مزهر، من أجل حضهم على حشد المجندين باتجاه الساحل الغربي، في مقابل وعود بتقديم مساعدات غذائية لسكان المديرية.
ويرجح المراقبون أن الميليشيات الحوثية استنفدت كل أوراقها الفاشلة في إقناع الشارع اليمني في مناطق سيطرتها من أجل الانخراط في صفوفها، وهو ما جعلها تلجأ إلى تسخير المعونات الإنسانية من أجل تجنيد أبناء الأسر الفقيرة، وإلى تجنيد السجناء ونزلاء دور الأيتام.
وعلى وقع المأزق الميداني الذي باتت فيه الجماعة، بخاصة في الساحل الغربي، حيث بدأت القوات المشتركة المدعومة من قوات تحالف دعم الشرعية في التوغل في أولى مناطق مديرية زبيد باتجاه الحديدة شمالاً، واصل محافظو الحوثي في عمران والمحويت وحجة تحركاتهم الميدانية في الأوساط القبلية من أجل استجداء المجندين.
وطبقاً لما أفادت به مصادر قبلية لـ«الشرق الأوسط» لقي الاستجداء الحوثي إحجاماً تاماً من قبل الأهالي، على الرغم من وعود محافظي الجماعة بتنفيذ مشاريع خدمية في المناطق التي زاروها، وتقديم مساعدات غذائية.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.