سينما جان ـ لوك غودار... كتاب من الصور والتجريب

أفلامه ألغاز تحيّـر النقاد وتقسم المثقفين

غودار في شبابه و في الإطار (جان - لوك غودار)
غودار في شبابه و في الإطار (جان - لوك غودار)
TT

سينما جان ـ لوك غودار... كتاب من الصور والتجريب

غودار في شبابه و في الإطار (جان - لوك غودار)
غودار في شبابه و في الإطار (جان - لوك غودار)

إذ عاد جان - لوك غودار إلى التنفس من رئة السينما في فيلمه الجديد «كتاب الصورة»، عاد الوسط السينمائي بدوره إلى تداول مخرج كان اقترح على الممثل وورن بيتي ذات مرة أن ينقل أحداث الفيلم الأميركي المقتبس عن شخصيات وأحداث أميركية تماماً (هو فيلم «بوني وكلايد») إلى اليابان.
هذا حدث عندما توجه الممثل - المنتج بيتي إلى المخرج الراحل فرنسوا تروفو يسأله إخراج هذا الفيلم البوليسي عن العصابة التي شغلت عناوين الصحف في سنوات اليأس الاقتصادية أواخر العشرينات. تروفو هو الذي اقترح على بيتي أن يتوجه إلى غودار وغودار وافق على أن يتم نقل الأحداث إلى اليابان.
في النهاية، قام الأميركي آرثر بن بتحقيق هذا الفيلم الأساسي في بنية السينما الأميركية في الستينات، وبقي الفيلم أميركياً خالصاً بدوره. لكن إذا ما كان قدر كبير من الاستعجاب حل محل الإعجاب لدى بيتي، الذي سمع وتابع قيام تروفو وغودار بخلق سينما فرنسية جديدة في الستينات ما دفعه إلى محاولة العمل مع أحدهما، فإن كلا المخرجين أكملا شق طريق واحد سرعان ما تفرّع إلى اثنين.

- نشاط وانحسار
فرنسوا تروفو حافظ على منواله في تحقيق أفلام غزلية - رومانسية تستعير من تجاربه الشخصية حيناً وتلتزم بتجارب مكتوبة للسينما برهافة وحس فني جميل. غودار انصرف إلى العمل بمقتضى مفهوم مغاير تماماً: سينماه عبّرت عن نظرته الغاضبة على أحوال العالم وعن لجوئه حيناً للماوية وحيناً للفلسفة الفوضوية مع تفعيل غير سلس في سرده وعرضه لما يريد تقديمه.
ما بدأ لدى غودار علامةً رائعةَ قوامها تحقيق أفلام لا تُـدير ظهرها للجمهور المواكب، انتهى إلى تمرده حتى على سينماه الأولى وانتهاج سلسلة أعمال تحمل طابعاً تجريبياً محضاً. البداية كانت مع «نفس لاهث» سنة 1960 والفترة استمرت حتى عام 1968 بتحقيقه فيلم «واحد زائد واحد».
بعد ذلك هو سينمائي يخرج من تجاربه الأولى مع المونتاج والكتابة والتحقيق إلى داخل سينما وجودية متأثرة بسينما المخرج الروسي دزيغا فرتوف. سينما مركّـبة بدأت بفيلم «حكمة مرحة» (1968) واستمرت بضع سنوات رفض فيها العمل ضمن «النظم البرجوازية». مثل فرتوف، وصف غودار العمل مع التقاليد السائدة بالأمر الشائن وتطلع إلى وقت يستطيع فيه فرض سينما تهم الناس وتتعامل مع التزاماته السياسية بصدق. ألّف وجان - بيير غوران جماعة «دزيغا فرتوف غروف» وأعلن أن أفلامه ستقوم على «صنع أفلام ثورية بأسلوب ثوري».
كان طبيعياً، إذن، أن ينقطع المخرج عن العمل مع سينمائيي الصناعة الفرنسية بالكامل واعتبارهم سبباً في تخلف الوعي الاجتماعي وعدم قدرة السينما التي يقدّمونها على معالجة مشكلات الحياة على الأرض.
تبع ذلك، في السبعينات، نقلة أخرى انقلب فيه غودار حتى على بعض أعماله السابقة. أسس شركة اسمها «بلا صورة» (Sonimage) وقام، وزوجته (الثالثة) آن ماري ميافيل بالانتقال لبلدة غرينويل. هذه الفترة كانت نشطة في مطلع السبعينات ثم انحسرت عن أعمال أقل عدداً في النصف الثاني من العقد. في النصف الأول أنجز أشياء قلما شوهدت من بينها «فلاديمير وروزا» (1971) الذي ما زال يحمل فكرة مثيرة بحد ذاتها. فهو عن لينين وكارل روزا. هو لعب الدور الأول وغوران لعب الثاني في حكاية أريد لها أن تنتقد المجتمع الفرنسي. ليس تمثيلاً كذاك الذي قد يقوم به جان - بول بلموندو أمام ألان ديلون، مثلاً، بل محاورة بين الاثنين تتعرض لمساوئ المجتمع الفرنسي وتاريخ ثورته السابقة.
«كل شيء على ما يرام» (1972) كان نظرة غودارية على بنية السينما من خلال الرغبة في تثويرها. هناك جين فوندا (في قمة معارضتها للحرب الفيتنامية) لجانب إيف مونتان، ومرّة أخرى، يضع ممثليه في حالة حوار طويل أكثر من مرّة ويلعب بأدوات التوليف بحيث يفشل المشاهد، كالعادة منذ فيلم غودار الأول، في التأكد مما يرى والانكفاء عن التوقع لما سيحدث خلال الفيلم.

- سيد أسلوبه
بعد ذلك شاهدناه مخرجاً لسيناريو شاركت زوجته في وضعه لجانب السيناريست الفرنسي المأثور جان - كلود كارييه هو «كل رجل لنفسه» مع إيزابيل أوبير ونتالي بأي وجاك دوترونك. فيه نظرة على العلاقات العاطفية التي يعيشها الناس. لا تخلو هذه النظرة من النقد، لكن الحال هو أنه لم يعد نقداً على بساط واسع من العرض، بل بات أكثر تحديداً.
خلال الثمانينات لم يتوقف غودار عن امتطاء حصان الموضوع النقدي والتحليلي للمجتمع بعين لم تعد ماوية، لكنها بقيت يسارية النزعة، وآخر تشكيلي. «فيلمه «تحري» (مع جان - بيير ليو وكلود برسور وجوني هاليدي وجولي دلبي، سنة 1985) كان عودة إلى سينما مروية جيداً تذكر بمطلع سنواته وتتجاوزها في النتائج الفنية. هذا تكرر مع «مرحى يا ماري» (1985 أيضاً) وكلاهما أفضل ما أنجزه غودار في تلك الفترة.
المرحلة الجديدة لا يمكن إلا تقديمها مرحلةً فنيةً متكاملةً. هو المفكر الذي جرب وتعلم من تجاربه فازداد يقيناً، ولو أن هذا اليقين فردي التوجه. لا بأس، من حق المبدع أن يؤمن بما يريد طالما أن النتائج المرتسمة كلوحات أو كمقطوعات موسيقية أو على شاشات السينما، تؤمّن ما يريد توفيره لجمهوره بنجاح.
هو ما زال سيد السينما التجريبية. أفلامه، بما فيها هذا الأخير: «كتاب الصورة»، هو لقاء توسطي بين الوثيقة والتجريب. في أفلامه القريبة الأخرى (مثل «جسور إلى ساراييفو» و«وداعاً للغة») هو لقاء توسطي آخر بين الحكاية والتجريب. وهو اليوم مثار إعجاب ملحوظ. هناك نقاد لا يطيقون أعماله ولا يرغبون في فك ما يعتبرونه ألغازاً، لكن هناك أكثر منهم ممن تعلم كيف يرى أعمال غودار من منظور المخرج نفسه ويقدرها. طبعاً كل أعماله ما زالت مثار حيرة مشاهديها، نقاداً وجمهوراً، لكن الرجل، وقد بلغ الثمانين، صلب في اختياراته وأعماله وأفكاره. حين يرحل لن يستطع أحد أن يقول عنه إنه خان ذاته على الإطلاق.

- عروض جديدة
Book Club
> أربع ممثلات معمرات، هن جين فوندا ودايان كيتون وماري ستينبرغن وكانديس برغن، يشتركن في هذه الكوميديا العائلية حول مشكلات زوجية متأخرة.
Mary Shelley
> فترة عاطفية متقلبة من حياة الكاتبة ماري شيلي كما تؤديها إيلي فانينغ، وذلك قبل أن تضع روايتها المعروفة «فرنكنستين».
How to Talk to Girls At Parties
> فتاة من الفضاء (إيلي فانينغ أيضاً) تحط في مدينة كرويدن وتكتشف عيوب شبانها وخطر الحياة فيها.
In Darkness
> امرأة عمياء (نتالي دورمر) قد تكون أفضل شاهد عيان على جريمة قتل اعتبرت سابقاً انتحاراً.


مقالات ذات صلة

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)
سينما بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

يأتي فيلم «سعود وينه؟» بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي.

«الشرق الأوسط» (جدة)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
TT

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».