تفرض التطورات التي تطرأ على شكل الميكروبات وقدرتها على مقاومة الأدوية المتداولة، البحث الدائم عن إنتاج مستحضرات جديدة، وهو ما دفع العلماء للبحث عن حلول بديلة، فكانت إحدى الاستراتيجيات الواعدة في هذا المجال استخدام تكنولوجيا النانو.
وشارك فريق بحثي مصري سعودي يضم الباحثة دينا الغواص من شعبة الصناعات الصيدلية بالمركز القومي للبحوث بمصر، والباحث أحمد الديواني من كلية العلوم بجامعة جدة السعودية، عبر استخدام جسيمات الزنك النانوية في تثبيط نشاط الميكروبات، ووضعوا نتائج ما توصلوا إليه في ورقة بحثية نشرتها دورية متخصصة في مجال ابتكارات المستحضرات الدوائية والبيولوجية journal of Innovations in Pharmaceutical and Biological Sciences في شهر مارس (آذار) الماضي.
مستحضرات نانوية
تقول د.الغواص في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن الدافع الأساسي الذي جعل الفريق البحثي يفكر في هذا التوجه، هو دراسة حديثة أشارت إلى أن العدوى المقاومة للأدوية ستقتل 10 ملايين شخص سنوياً في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2050، وهذا أكثر من العدد الذي يموت حالياً من السرطان، ما لم تُتخذ إجراءات تمنع الوصول إلى هذا الرقم المرعب.
وأحدى الإجراءات التي بدأ الباحثون يفكرون فيها منذ فترة، كما تؤكد د.الغواص، هو استخدام جسيمات النانو التي أعطت حلولاً بديلة اكتسبتها من مساحة سطحها الكبير مقارنةً بحجمها الصغير، وهو ما يمكّنها من التعامل مع التفاعلات الحيوية التي تحدث داخل الخلايا بشكل أفضل.
وأُجريت أبحاث سابقة قام أصحابها بتحضير جسيمات النانو من عده مركبات، لكن الفريق البحثي المصري السعودي وقع اختياره على أكسيد الزنك ذلك المركب غير العضوي، والذي يأخذ شكل مسحوق أبيض غير قابل للذوبان في الماء.
وتضيف د.الغواص: «يتميز هذا المركب بعده مزايا أهّلته لهذا الاستخدام، وهي أنه مضاد للميكروبات، وله خصائص في تنقية الأشعة فوق البنفسجية، ويعمل أيضاً كمحفز في التفاعلات الفيتوكيميائية (التفاعلات الكيميائية في النبات)، ويرجع ذلك إلى مزيج فريد من الخصائص المثيرة للاهتمام لهذا المركب ومنها أنه قليل السمية، وموصل جيد للكهرباء، بالإضافة إلى انخفاض تكلفته». ونجح الفريق البحثي في تحضير جزيئات النانو من أكسيد الزنك بطريقتين مختلفتين، ثم تم اختبار التركيزات المختلفة منها في تثبيط نشاط الميكروبات، كما تكشف الورقة البحثية.
مضاد الميكروبات
وأظهرت النتائج أن التركيزات الثلاثة من مسحوق جزيئات النانو لأكسيد الزنك وهي (0.1 و0.5 و1.0٪) كان لها نشاط مضاد للميكروبات، وأظهر المجهر الإلكتروني أن جسيمات النانو لها حجم حبيبات أكبر وشكل موحّد وذو طبيعة كريستالية مع متوسط حجم من 97.28 إلى 42.16 نانومتر.
وكان الفريق البحثي قد اختبر جزيئات النانو من أكسيد الزنك مع السلالات المرضية المعروفة باسم (الفطريات الخيطية)، و(البكتيريا الموجبة لصبغة غرام)، و(السالبة لصبغة جرام).
والفطريات الخيطية تُعرف بأنها المنتجة للسموم وتوجد على الحبوب ومنتجاتها والبذور الزيتية ومنتجاتها وجميع المنتجات الغذائية المعرضة للفساد، وصبغة غرام من أهم أنواع الصبغات المستخدمة في المستشفيات للتعرف على البكتيريا، ويعود الفضل في اكتشافها إلى الطبيب ذي الأصل الدنماركي هانس كريستيان غرام (Hans Christian Gram) الذي كان يعمل في مختبر التشريح التابع لمستشفى برلين في عام 1880، وقام بتطوير هذه الطريقة لتساعده على التفرقة بين أنواع البكتيريا المسببة للالتهاب الرئوي، حيث كانت أحد أنواع البكتيريا تصبغ بلون أحمر وأطلق عليها (بكتيريا سالبة غرام) والأخرى باللون الأزرق (بكتيريا موجبة غرام)، ويعتمد لون البكتيريا في صبغة غرام على التركيب الكيميائي لجدار الخلية.