العقوبات الأميركية ـ الخليجية على «حزب الله» تفرض واقعاً جديداً في لبنان

الحكومة الجديدة تكبّلها محاذير تمثيل الحزب والصراع على الحقائب الأساسية

TT

العقوبات الأميركية ـ الخليجية على «حزب الله» تفرض واقعاً جديداً في لبنان

لا تقتصر تداعيات العقوبات الأميركية - الخليجية الجديدة على «حزب الله» وقيادته فحسب، لكنها فرضت تحديات كبيرة على المؤسسات الدستورية في لبنان، التي باتت تواجه أساساً معضلة كبرى تتمثّل في كيفية التعاطي مع هذه العقوبات، وبالتالي رصد هامش تحرّك الحزب داخل هذه المؤسسات، وهي جاءت لتزيد من تعقيدات مخاض تشكيل الحكومة العتيدة، التي تتنازع كلّ الأطراف حقائبها، بما فيها «حزب الله» الذي يطالب للمرّة الأولى بحقائب أساسية، ليقدم عبرها الخدمات لجمهوره.
ورسم بعض الخبراء صورة قاتمة لما ينتظر لبنان نتيجة هذه العقوبات، إذ اعتبر مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن العقوبات التي طالت بشكل أساسي أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله ونائبه نعيم قاسم، وأعضاء في مجلس شورى الحزب، «جاءت لتطوّق نتائج الانتخابات اللبنانية، وتقطع الطريق على محاولة وضع يد الحزب على المؤسسات الشرعية في لبنان، ومنعه من تكريس الغطاء السياسي لدوره العسكري». ورأى أنه «في السنوات الماضية، كانت لدى (حزب الله) أغلبية عسكرية، والأغلبية النيابية لتيار (المستقبل)، لكنه بات يمتلك اليوم القوتين السياسية والعسكرية، وينخرط بالدولة بشكل أكبر، ويجاهر بأنه سيمسك بكل الملفات». وأمام هذه التطورات الجديدة، سأل سامي نادر: «هل يستطيع سعد الحريري أن يؤلف حكومة بالشراكة مع حزب مصنّف تنظيماً إرهابياً ويواجه عقوبات عربية ودولية؟».
وكانت رئاسة أمن الدولة في المملكة العربية السعودية أعلنت ليل الأربعاء الماضي، أنها «تصنف 10 أسماء منهم 5 أعضاء تابعين لمجلس شورى (حزب الله) المعني باتخاذ قرارات الحزب، وبشكل خاص: حسن نصر الله، ونعيم قاسم، ومحمد يزبك، وحسين خليل، وإبراهيم أمين السيد، و5 أسماء لارتباطهم بأنشطة داعمة لحزب الله الإرهابي وهم طلال حميه، وعلي يوسف شراره، ومجموعة سبيكترم (الطيف)، وحسن إبراهيمي، وشركة ماهر للتجارة والمقاولات، عملاً بنظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله في السعودية».
لكنّ عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» راشد فايد، قدّم مقاربة مختلفة عن قراءة سامي نادر، ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن العقوبات «تطول دور حزب الله في الخارج، وتهدف إلى قصّ أجنحته في الخارج وإرغامه على العودة إلى الداخل اللبناني وممارسة دوره حزباً سياسياً». وأكد أنه «من مصلحة حزب الله عدم التأزيم مع الدول التي فرضت العقوبات عليه، كما أن هذه الدول لا مصلحة لها بهزّ الاستقرار في لبنان، وهي تدرك أن الحزب لديه كتلة نيابية كبيرة في مجلس النواب»، مذكراً بأنه «لم يصدر حتى الآن موقف خارجي يحذّر من مشاركة الحزب في الحكومة الجديدة».
ولا يخفي راشد فايد، أن تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، لن يكون سهلاً بالنظر إلى السقوف المرتفعة للأطراف السياسية، ومطالبتها بحصص وزارية كبيرة، لكنه شدد على أن «المطالب التعجيزية لن تؤدي إلى حلول، وستؤخر تشكيل الحكومة». أما بما يتعلّق بمطالبة «حزب الله» بحقائب أساسية، فلفت إلى «استحالة أن يتسلّم الحزب أي حقيبة سيادية، لأن علاقاته الدولية محصورة بإيران والنظام السوري فقط».
لكن اللافت فيما أعلنه مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية، أن «العقوبات الجديدة أطاحت بالتسوية التي أرست حواراً مع حزب الله، وأوجدت معادلة النأي بالنفس، وهي تقول صراحة لا تسوية مع تنظيم إرهابي». ولفت سامي نادر إلى أن «الرسالة الأقوى موجهة الآن إلى شريك حزب الله، أي رئيس الجمهورية وإلى الداخل اللبناني ككل». وشدد على أن «العقوبات الخليجية يكاد وقعها يكون أكبر من العقوبات الأميركية، لأن الخليج العربي لديه كثير من أوراق الضغط، وإذا استمرت هذه الوتيرة من العقوبات العربية والدولية، فهي قد تؤدي إلى انهيار الوضع اللبناني غير القادر على الصمود أصلاً».
وأكدت المملكة العربية السعودية أن «هذا التصنيف لقيادات حزب الله وكياناته جاء بالشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية (الرئيس المشارك لمركز استهداف تمويل الإرهاب)، بالإضافة إلى جميع الدول الأعضاء في مركز استهداف تمويل الإرهاب، وهي دول مجلس التعاون الخليجي: الكويت، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وقطر وسلطنة عمان».
من جهته، اعتبر أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأميركية الدكتور شفيق المصري، أن «تصنيف حزب الله أميركياً وخليجياً منظمة إرهابية ليس جديداً، لكنّ الجديد فيه أنه وضع قيادة الحزب ضمن قائمة الإرهاب». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «القرار الأميركي ليس دولياً، وبالتالي ينحصر مفعوله في الدول التي أعلنت العقوبات»، لافتاً إلى أن «القرار الخليجي لم يفسّر حتى الآن إلى أي مدى سيذهب بالعقوبات، فهل يكون متشدداً ويطول كلّ من لهم صلة بحزب الله، أم أن العقوبات تقتصر على من وردت أسماؤهم في القرار؟». وذكّر بأن «الإدارة الأميركية كانت حذرت قبل فترة، من تولي أعضاء من حزب الله حقائب وزارية، مثل المالية والخارجية والدفاع، ما يعني أن لا مشكلة لديها في وزراء ليست على تواصل معهم».



الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
TT

الحوثيون يتبنّون هجمات بالمسيّرات ضد أهداف إسرائيلية

صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)
صورة وزّعها الإعلام الحوثي تظهر صواريخ وطائرات من دون طيار (رويترز)

تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة بالطائرات المسيّرة ضد أهداف إسرائيلية، الجمعة، إلى جانب تبنّى هجمات بالاشتراك مع فصائل عراقية موالية لطهران، دون أن يعلق الجيش الإسرائيلي على الفور بخصوص آثار هذه العمليات.

وتشن الجماعة المدعومة من إيران منذ أكثر من عام هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، فضلاً عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

صاروخ أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل من نوع «فلسطين 2» (إعلام حوثي)

وخلال حشد حوثي في ميدان السبعين بصنعاء، الجمعة، ادعى المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع أن قوات جماعته نفذت عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى هدفاً عسكرياً في عسقلان، فيما استهدفت الثانية هدفاً في تل أبيب.

وزعم المتحدث الحوثي أن العمليتين تم تنفيذهما بطائرتين مسيّرتين تمكنتا من تجاوز المنظومات الاعتراضية والوصول إلى هدفيهما.

إلى ذلك، قال سريع إن قوات جماعته نفذت بالاشتراك مع ما وصفها بـ«المقاومة الإسلامية في العراق» عمليةً عسكريةً ضد أهداف حيوية جنوب إسرائيل، وذلك بعدد من الطائرات المسيّرة، زاعماً أن العملية حققت أهدافها بنجاح.

وتوعد المتحدث الحوثي بالاستمرار في تنفيذ الهجمات ضد إسرائيل حتى توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها.

19 صاروخاً ومسيّرة

في أحدث خطبة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الخميس، قال إن جماعته أطلقت باتجاه إسرائيل خلال أسبوع 19 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيّرة، زاعماً أنها استهدفت تل أبيب وأسدود وعسقلان.

كما ادعى الحوثي استهداف خمس سفن أميركية في خليج عدن، منها: بارجتان حربيتان، وهدد بالاستمرار في الهجمات، وقال إن جماعته نجحت في تدريب وتعبئة أكثر من 600 ألف شخص للقتال خلال أكثر من عام.

من آثار مسيّرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في جنوب تل أبيب الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

وتبنّى الحوثيون على امتداد أكثر من عام إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، لكن لم يكن لها أي تأثير هجومي، باستثناء مسيّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

واستدعت هذه الهجمات من إسرائيل الرد في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، وهو ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وتكرّرت الضربات الإسرائيلية في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، ضد مستودعات للوقود في كل من الحديدة ورأس عيسى. كما استهدفت محطتي توليد كهرباء في الحديدة، بالإضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات. وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً، وفق ما أقر به الحوثيون.

أحدث الهجمات

أعلن الجيش الإسرائيلي، الاثنين الماضي، أن طائرة مسيّرة، يعتقد أنها انطلقت من اليمن، أصابت مبنى في جنوب تل أبيب، وفق ما نقلته وسائل إعلام غربية.

وقالت القناة «13» الإسرائيلية: «ضربت طائرة مسيّرة الطابق الـ15 من مبنى سكني في يفنه، ولحق دمار كبير بشقتين»، مشيرة إلى وصول قوات كبيرة إلى المكان.

وأفاد الجيش الإسرائيلي بورود «تقارير عن سقوط هدف جوي مشبوه في منطقة مدينة يفنه. ولم يتم تفعيل أي تحذير». وقالت نجمة داود الحمراء إنه لم تقع إصابات.

وأشارت قوات الإطفاء والإنقاذ، التي وصلت إلى مكان الحادث، إلى وقوع أضرار جسيمة في شقتين. كما نقل موقع «0404» الإسرائيلي اليوم عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله: «يبدو أن الطائرة المسيّرة التي أصابت مبنى في يفنه قد انطلقت من اليمن»، مشيراً إلى أنه يجري التحقيق في الحادث.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تطلق صاروخاً ضد أهداف حوثية (رويترز)

وعلى صعيد الهجمات البحرية، كانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، الماضي، أنّ سفينتين عسكريّتين أميركيّتين صدّتا هجوماً شنّه الحوثيون بواسطة طائرات من دون طيّار وصاروخ كروز، وذلك في أثناء حراستهما ثلاث سفن تجارية في خليج عدن.

وقال البيان إن «المدمّرتين أحبطتا هجمات شُنّت بطائرات من دون طيار وبصاروخ كروز مضاد للسفن، لتضمنا بذلك سلامتهما وأفرادهما، وكذلك سلامة السفن المدنية وأطقمها».

وأوضح البيان أنّ «المدمرتين كانتا ترافقان ثلاث سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة»، مشيراً إلى عدم وقوع إصابات أو إلحاق أضرار بأيّ سفن.

يشار إلى أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر أدت منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، كما أدت إلى مقتل 3 بحارة وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

وفي حين تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ بدء التصعيد، كانت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا في أربع مرات على الأقل، نفذت منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 800 غارة على أهداف للجماعة أملاً في الحد من قدرتها على تنفيذ الهجمات البحرية.