«آستانة 9» يعلن خطوات لتفعيل العملية السياسية... ويرحّل ملف المعتقلين

رئيس وفد المعارضة السورية يشير إلى ضغوطات من موسكو على دمشق

الجلسة الختامية من اجتماعات آستانة أمس (أ.ف.ب)
الجلسة الختامية من اجتماعات آستانة أمس (أ.ف.ب)
TT

«آستانة 9» يعلن خطوات لتفعيل العملية السياسية... ويرحّل ملف المعتقلين

الجلسة الختامية من اجتماعات آستانة أمس (أ.ف.ب)
الجلسة الختامية من اجتماعات آستانة أمس (أ.ف.ب)

أعلنت روسيا وتركيا وإيران اتفاقا على خطوات تهدف لدفع التسوية السياسية في سوريا وعقد اجتماع في مدينة سوتشي الروسية في يوليو (تموز) المقبل، وأكدت الأطراف الضامنة وقف النار التزامها بتثبيت الهدنة ومواصلة العمل لتعزيز مناطق خفض التصعيد، لكنها فشلت في تحقيق تقدم على صعيد ملف المعتقلين الذي كان بين أبرز الملفات العالقة في الجولة التاسعة للمفاوضات في آستانة. ورغم ذلك أعرب رئيس وفد المعارضة أحمد طعمة عن ارتياح لنتائج الجولة، وأشار إلى ضغوط جدية تمارسها موسكو على النظام لدفع مسار التسوية.
وأصدرت البلدان الثلاثة في ختام جولة المفاوضات أمس بيانا مشتركا اشتمل على عدد من النقاط وصفت بأنها تهدف إلى دعم عملية التسوية السياسية في سوريا.
وأكدت الأطراف الثلاثة استعدادها لمواصلة الجهود المشتركة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 ودعم تنفيذ توصيات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي.
وأعلنت عن اتفاق على إجراء مشاورات ثلاثية مع المبعوث الأممي الخاص لسوريا ستيفان دي ميستورا والأطراف السورية بهدف «تهيئة الظروف المناسبة لإطلاق عمل اللجنة الدستورية في جنيف بأسرع وقت ممكن». كما أشارت إلى الاتفاق على عقد جولة محادثات جديدة حول سوريا في سوتشي في يوليو المقبل، لمناقشة الخطوات اللاحقة ومسار العملية السياسية. فيما تم تأجيل بحث ملف المعتقلين بعد فشل الأطراف في تحقيق توافق بشأنه، وتم الاتفاق على عقد اجتماع جديد لمجموعة العمل حول تبادل المعتقلين لدى الطرفين السوريين في أنقرة الشهر المقبل.
وأكدت البلدان الضامنة التزامها الثابت بسيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، ودعت لضرورة تجنب الجميع لأي خطوات من شأنها المساس بهذه المبادئ أو محاولات «تقويض إنجازات مسار آستانة».
وحمل البيان المشترك تشديدا على أهمية تنفيذ الاتفاقات حول مناطق خفض التصعيد في سوريا، بصفتها العنصر الأساسي للحفاظ على وقف النار وتخفيض مستوى العنف في البلاد، لكن البيان أكد في الوقت ذاته على عدم تعارض مسألة خفض التصعيد على مواصلة العمليات العسكرية ضد الإرهاب.
ودعت الأطراف الثلاثة إلى تفعيل الجهود الرامية لمساعدة السوريين في استعادة الحياة السلمية الطبيعية عبر توفير له حرية الوصول إلى المعونات الإنسانية والمساعدة الطبية، إضافة مع تأمين عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم.
وكان لافتا غياب أي إشارة في البيان إلى إجراء تعديلات على بعض مناطق خفض التصعيد، وخصوصا في الجنوب وفقا لطلب من جانب النظام السوري.
كما لفت الأنظار إلى أن الدعوة إلى عقد اجتماع جديد في سوتشي حملت إشارات إلى احتمال نقل مسار آستانة إلى سوتشي وفقا لمصدر قريب من المفاوضات تحدثت إليه «الشرق الأوسط».
لكن رئيس وفد المعارضة أحمد طعمة قلل من أهمية هذا الاحتمال وأكد أن المعارضة لن توافق على إدخال تعديل على مكان عقد اجتماعات آستانة، مضيفا أن المهم هو تحقيق إنجاز وتقدم وإذا لم يتم تحقيق خطوات ملموسة فإن الحضور في أي مكان سيكون عليه تحفظات. وأشار طعمة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى ارتياح المعارضة لنتائج الجولة الحالية وقال إنه لمس توجها روسيا جديا لممارسة ضغوط على النظام من أجل دفع الحل السياسي، وبرغم ذلك قال إنه لا يتوقع تطورا سريعا في هذا الاتجاه، مشيرا إلى أن مواقف النظام لا تعكس استجابة للتوجه الروسي.
وحول ملف المعتقلين، قال طعمة إن التأجيل لا يعني تقليل أهمية الملف، مشيرا إلى أن الأهم هو اتفاق الأطراف الضامنة على مواصلة مناقشة الملف في الجولة المقبلة.
وأشاد طعمة بالحضور الواسع للمعارضة وقال إن الوفد ضم خبرات سياسية وممثلين عن الائتلاف الوطني والمجلس السوري التركماني والنساء وغيرهم.
وكانت الخارجية الكازاخية قللت من أهمية تقارير تحدثت عن تقليص حضور المعارضة، وقالت إنه ضم في الجولة التاسعة ممثلي أهم الفصائل المسلحة، ولم يطرأ على قوام الوفد أي تغيير يذكر مقارنة بالجولات السابقة.
وانتقدت كازاخستان غياب واشنطن عن هذه الجولة واعتبرت أن هذا الغياب «لن يؤثر في مخرجاتها». وقال حيدر بك توماتوف مدير دائرة آسيا وأفريقيا في الخارجية إن «الدول الضامنة موجودة وكل شيء يعتمد عليها في الوقت الحالي. وبالإضافة إلى ذلك يشارك وفد المعارضة السورية والحكومة السورية... وكل القوى هنا، فهل نحتاج إلى أكثر من ذلك».
وجاء حديثه تعليقا على تصريح للسفارة الأميركية في آستانة، أشارت فيه إلى أنه «رغم ترحيبنا بأي خفض حقيقي للعنف في سوريا، يبقى تركيزنا منصبا على جنيف والتقدم الهام لمفاوضاتها».
إلى ذلك، أعلن مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، أن عملية «آستانة قائمة وستستمر»، مؤكدا أن نتائج الجولة التاسعة كانت إيجابية.
وأشاد بنتائج الجولة ووصفها بأنها «إيجابية، وتسهم في تقدم عملية آستانة، وبالتالي، الشائعات التي انتشرت من قبل وسائل الإعلام، بشكل رئيسي من قبل وسائل الإعلام الغربية، بخصوص زوال عملية آستانة، أؤكد أنه مبالغ بها إلى حد كبير».
ولفت إلى النقاشات حول مناطق خفض التصعيد مشيرا إلى أنه «فيما يتعلق بمنطقة خفض التصعيد في إدلب نحن نعول على جهود شركائنا الأتراك الذين أخذوا على عاتقهم تأمين الاستقرار والأهم وقف الأعمال الاستفزازية بين المعارضة والقوات الحكومية».
وأعرب رئيس وفد النظام بشار الجعفري عن الارتياح لنتائج الجولة التاسعة، وشدد على أن «سوريا ستواصل مكافحة الإرهاب وتحرير كل شبر من أراضيها سواء من الإرهاب أو من كل معتد عليها»، لافتا إلى أن «الإنجاز الذي حققه الجيش العربي السوري بتحرير الغوطة الشرقية من الإرهاب جعل دمشق ومحيطها آمنين».
وشارك وفد عن النظام السوري في اللقاء الذي استمر يومين وهو الأول للدول الثلاث التي تدعم أطرافا مختلفة في النزاع السوري منذ التصعيد العسكري الأخير بين إيران وإسرائيل في سوريا الأسبوع الماضي. ومنذ بدأت المفاوضات بشأن سوريا في آستانة مطلع 2017، تركزت في معظمها على محاولات تخفيف حدة المعارك بين قوات النظام السوري المدعومة من روسيا وإيران وفصائل المعارضة.
وأفضت اللقاءات السابقة إلى إنشاء أربع مناطق لخفض التوتر في سوريا أتاحت خفض حدة المعارك، لكنها لم تتح تحقيق تقدم ملموس على المسار السياسي.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.