استفتاء لإبقاء رئيس بوروندي في الحكم «مدى الحياة»

واشنطن تعرب عن قلقها... ومنظمات حقوقية تصف التعديل الدستوري بـ«الخطير»

رئيس رابطة حماية الحقوق المدنية والأشخاص المحتجزين في بوروندي بيير كليفر يتكلم في باريس حول التعديلات الدستورية المقترحة (أ.ف.ب)
رئيس رابطة حماية الحقوق المدنية والأشخاص المحتجزين في بوروندي بيير كليفر يتكلم في باريس حول التعديلات الدستورية المقترحة (أ.ف.ب)
TT

استفتاء لإبقاء رئيس بوروندي في الحكم «مدى الحياة»

رئيس رابطة حماية الحقوق المدنية والأشخاص المحتجزين في بوروندي بيير كليفر يتكلم في باريس حول التعديلات الدستورية المقترحة (أ.ف.ب)
رئيس رابطة حماية الحقوق المدنية والأشخاص المحتجزين في بوروندي بيير كليفر يتكلم في باريس حول التعديلات الدستورية المقترحة (أ.ف.ب)

دعت المعارضة المنقسمة على نفسها في بوروندي المواطنين إلى التصويت بالرفض أو مقاطعة الاستفتاء برمته والمقرر تنظيمه غدا الخميس يسمح بالرئيس البقاء في الحكم مدى الحياة. غير أنه بعد إجراء السلطات حملة للدعاية للاستفتاء حافلة بالترهيب الشديد فإن دعوة المقاطعة ليس أمامها فرص تذكر للنجاح. وقبيل إجراء الاستفتاء حجبت الحكومة بث ثلاث من المحطات التلفزيونية الدولية وهي «بي بي سي» و«صوت أميركا» و«راديو فرنسا الدولي»، وتم اعتقال كثير من المواطنين المعارضين للاستفتاء وهرب عدد آخر منهم للخارج.
وقال لويس مودجي وهو كبير باحثين بمنظمة «هيومان رايس ووتش» الحقوقية الدولية لـلوكالة الألمانية هذا الأسبوع إن «الاستفتاء المخطط تنظيمه صاحبته موجة من الانتهاكات الخطيرة». وأضاف أن المسؤولين في بوروندي وأعضاء منظمة الشباب التابعة للحزب الحاكم والمعروفة باسم «إمبونراكيوري»، نفذوا أعمال عنف استنادا إلى عدم تعرضهم التام للمحاسبة، وذلك بهدف مساعدة نكورونزيزا على إحكام قبضته على السلطة». وتابع مودجي: «تعرض معارضو الاستفتاء سواء كانوا حقيقيين أو متخيلين للقتل والضرب والتهديد والتضييق عليهم أثناء الأعداد للتصويت على التعديل الدستوري».
وقال رئيس برلمان بوروندي السابق ليونس نجنداكومانا قبيل عملية التصويت في الاستفتاء، إنه يشعر بالقلق من أنه في حالة الموافقة على التعديل الدستوري فإنه يمكن لنكورونزيزا أن يظل رئيسا للبلاد مدى الحياة.
الاستفتاء هذا الأسبوع، حول إدخال تعديل دستوري، يمكن أن يؤدي إلى تمديد فترة بقاء الرئيس الحالي بيير نكورونزيزا في الحكم حتى عام 2034.
ومؤخرا نصب نكورونزيزا، 54 عاما، وهو زعيم سابق للمتمردين نفسه في موقع «الزعيم الأعلى الأبدي»، وحذر من أي شخص يريد أن يمنع إجراء الاستفتاء عليه أن «يجابه الله».
ويعد نكورونزيزا الذي رأس بوروندي - تلك الدولة الواقعة في منطقة شرق أفريقيا والتي تعاني من الاضطرابات - منذ عام 2015، أحدث زعيم أفريقي يحاول مد فتره حكمه، وذلك بعد أن ألغت كل من أوغندا ورواندا الحد الأقصى لفترة الرئاسة، بينما تجاهل رئيس الكونغو انتهاء فترة ولايته.
وأضاف نجنداكومانا لوكالة الأنباء الألمانية: «آخر مرة شهدت فيها بوروندي مثل هؤلاء الحكام الذين يظلون يحكمون إلى حين وفاتهم كانت في زمن الملوك، ونحن لسنا على استعداد لقبول عودة هذه الأوضاع، ويجب أن نحتشد جميعا لنقول لا، فهذا التعديل الدستوري خطير».
وأعربت وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها إزاء الاستفتاء، وقالت إنه «يهدف إلى تعديل دستور بوروندي من خلال عملية تفتقر إلى الشفافية». وفي بيان صدر في وقت سابق من الشهر الحالي أدانت هيذر نويرت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية «الحالات المتعددة من أعمال العنف والترهيب والتضييق التي ارتكبت ضد من تتخيل السلطات أنهم معارضون للاستفتاء».
كما عارضت الكنيسة الكاثوليكية التي تتمتع بنفوذ قوي في بوروندي إجراء الاستفتاء.
وقال يواشيم نتاهوندري رئيس المجلس الوطني لأساقفة بوروندي: «إننا نرى أن الوقت ليس مناسبا لتعديل الدستور بطريقة لها أبعاد عميقة الأثر». وأضاف في تصريحات للوكالة الألمانية إن «كثيرا من المواطنين يعيشون اليوم في مناخ من الخوف حتى ولو لم يعبروا عن ذلك علنا، وهو خوف كبير لدرجة أن الناس لا يجرؤون على الإعراب صراحة عما يجول بخاطرهم وذلك خوفا من التعرض للانتقام».
وتشير اللجنة الانتخابية في بوروندي إلى أن عدد الناخبين المسجلين في البلاد يبلغ خمسة ملايين نسمة. ويسمح الدستور الحالي في بوروندي للرؤساء بتولي الحكم لفترتين بحد أقصى تبلغ مدة كل منهما خمسة أعوام، غير أن نكورونزيزا يسعى لتعديل هذه
المادة الدستورية لتصبح مدة الفترة الرئاسية سبعة أعوام، ومن المقرر أن تنتهي فترة ولايته عام 2020، وفي حالة ترشيح نفسه بعد إقرار التعديل الجديد فيمكن أن يظل في السلطة حتى عام 2034، وأدت الخطوات التي قام بها نكورونزيزا من قبل لمد فترة حكمه إلى اندلاع موجة من العنف في فترة سابقة. فعندما فاز نكورونزيزا بفترة حكم ثالثة عام 2015، منتهكا بذلك مواد الدستور، اندلعت أعمال عنف تسببت في هروب مئات الآلاف من المواطنين من ديارهم.
يذكر أن بوروندي، التي تعاني من الفقر الشديد، لحق بها الشلل من جراء حرب أهلية انتهت عام 2005، وتسبب فيها أساسا صراع بين عرقيتي الهوتو والتوتسي وامتدت إلى دولة رواندا المجاورة.



إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)

عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وساطة بلاده لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة على غرار ما قامت به لتسوية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا حول اتفاق الأخيرة مع إقليم أرض الصومال على استخدام ساحلها على البحر الأحمر.

وقال إردوغان، في اتصال هاتفي، الجمعة، مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إن «بإمكان تركيا التوسط لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة». وبحسب بيان للرئاسة التركية، تناول إردوغان مع البرهان، خلال الاتصال الهاتفي، العلاقات بين تركيا والسودان، وقضايا إقليمية وعالمية، وأكد أن تحقيق السلام والاستقرار في السودان والحفاظ على وحدة أراضيه وسيادته ومنع تحوله إلى ساحة للتدخلات الخارجية، من المبادئ الأساسية لتركيا.

ولفت إردوغان، بحسب البيان، إلى أن تركيا توسطت لحل الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، وأن الاتفاق بين البلدين سيساهم في السلام بالمنطقة.

اتهامات متبادلة

ودأب قادة الجيش السوداني على اتهام دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم قوات «الدعم السريع» وتزويدها بالأسلحة والمعدات. وتقدم مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، بشكوى رسمية ضدها، واتهمها بالتخطيط لإشعال الحرب ودعم «قوات الدعم السريع» بمساعدة من تشاد، طالباً إدانتها، بيد أن أبوظبي فندت تلك الاتهامات ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر للأدلة الموثوقة.

وفي المقابل وجهت دولة الإمارات رسالة إلى مجلس الأمن في 21 أبريل (نيسان)، شددت خلالها على أن نشر المعلومات المضللة والروايات الزائفة، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان بعد عام من الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع». وأكدت أنها «ستظل ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، ودعم أي عملية تهدف إلى وضع السودان على المسار السياسي للتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة بقيادة مدنية».

الشيخ محمد بن زايد وعبد الفتاح البرهان في أبو ظبي 14 فبراير (أ.ف.ب)

وفي يوليو (تموز) الماضي، بحث رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في اتصال هاتفي، مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، «سبل دعم السودان للخروج من الأزمة التي يمر بها»، وأكد حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان.

تعهدات تركية للبرهان

ووفقاً لنشرة صحافية صادرة عن مجلس السيادة السوداني، فإن الرئيس إردوغان تعهد للبرهان باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية التركية للسودان، وباستئناف عمل الخطوط الجوية التركية قريباً، وباستعداد بلاده لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتعاون في الزراعة والتعدين.

وذكر السيادي أن البرهان أشاد بمواقف تركيا «الداعمة للسودان»، وجهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم، ودورها في معالجة الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، ودورها في الملف السوري، مبدياً ترحيبه بأي دور تركي لوقف الحرب «التي تسببت فيها ميليشيا الدعم السريع المتمردة». ودعا البرهان لتعزيز الاستثمارات التركية في مختلف المجالات، مؤكداً ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراته.

ويرى مراقبون أن الاتصال الهاتفي بين إردوغان والبرهان في هذا التوقيت يأتي في ظل متغيرات وترتيبات جديدة في المنطقة تشمل السودان، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

ومنذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حرباً خلفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.

حضور تركي في القرن الأفريقي

وقطعت تركيا، الأربعاء الماضي، خطوة كبيرة على طريق حل النزاع بين الصومال وإثيوبيا، بعد جولات من المباحثات بين الطرفين في إطار ما عرف بـ«عملية أنقرة»، يراها مراقبون ترسيخاً للحضور التركي القوي في منطقة القرن الأفريقي.

إردوغان يتوسط الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال مؤتمر صحافي في أنقرة مساء الأربعاء الماضي (الرئاسة التركية)

وأعلن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الصومالي، آبي أحمد، في مؤتمر صحافي مع إردوغان مساء الأربعاء، أعقب 8 ساعات من المفاوضات الماراثونية سبقتها جولتان من المفاوضات في أنقرة في الأشهر الماضية، أنهما قررا بدء المفاوضات الفنية بحسن نية بحلول نهاية فبراير (شباط) 2025 على أبعد تقدير، والتوصل إلى نتيجة منها والتوقيع على اتفاق في غضون 4 أشهر، بحسب ما ورد في «إعلان أنقرة». وقبل الطرفان العمل معاً على حل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي تسببت في زيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وقال إردوغان إن البلدين الجارين توصلا، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة، إلى اتفاق «تاريخي» ينهي التوترات بينهما.

وبحسب نص إعلان أنقرة، الذي نشرته تركيا، اتفق البلدان على «التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك، والعمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولاً إلى البحر «موثوقاً به وآمناً ومستداماً تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفيدرالية».

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر، قائلاً: «أعتقد أنه من خلال الاجتماع الذي عقدناه سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر لإثيوبيا».

إردوغان مع الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي عقب توقيع إعلان أنقرة (الرئاسة التركية)

وتدخلت تركيا في النزاع بطلب من إثيوبيا، التي وقعت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي اتفاقية مع منطقة «أرض الصومال»، التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991، لكن لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي، وتشمل النقل البحري واستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر، واستغلال 20 كيلومتراً من ساحل أرض الصومال لمدة 50 عاماً مقابل الاعتراف باستقلالها عن الصومال، مع منحها حصة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية.

ترحيب دولي

ورحب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال لقائه إردوغان في أنقرة، ليل الخميس – الجمعة، بنجاح تركيا في التوصل إلى اتفاق بين الصومال وإثيوبيا. كما رحب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق، وأشاد بدور الوساطة الذي لعبته تركيا بهذا الخصوص.

وترتبط تركيا بعلاقات قوية بإثيوبيا، كما أصبحت حليفاً وثيقاً للحكومة الصومالية في السنوات القليلة الماضية. وافتتحت عام 2017 أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في مقديشو، وتقدم تدريباً للجيش والشرطة الصوماليين.

وبدأت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة في الصومال تمثل كل منها مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع، بموجب مذكرة تفاهم وقعت بين البلدين في مارس (آذار) الماضي، لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي.

وجاء توقيع المذكرة بعد شهر واحد من توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، تقدم تركيا بمقتضاها دعماً أمنياً بحرياً للصومال، لمساعدته في الدفاع عن مياهه الإقليمية لمدة 10 سنوات.