ينتظر لبنان إطلاق ورشة واسعة من العمل السياسي والتشريعي، فور تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، ويتصدر هذه الورشة الحوار الذي سيدعو إليه رئيس الجمهورية ميشال عون، تحت عنوان «بحث الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان»، التي يفترض أن تحدد مصير سلاح «حزب الله»، رغم عقبات كبرى تعترض هذا الحوار، أولها نتيجة الانتخابات التي وسّعت كتلة حلفاء الحزب، والتطورات العسكرية المستجدة في سوريا، التي تنذر بحربٍ محتملة بين إيران وإسرائيل.
وأمام الغموض الذي يكتنف مصير الحوار وحظوظه في مرحلة ما بعد الانتخابات، أوضحت مصادر القصر الجمهوري، أن «الاستراتيجية الدفاعية لا تزال العنوان الأساسي لحوار الرئيس ميشال عون مع القوى السياسية بعد تشكيل الحكومة وانتظام عمل المجلس النيابي». وأعلنت لـ«الشرق الأوسط»، أن عون «هو من أعاد التأكيد على أهمية إقرار الاستراتيجية الدفاعية في رسالته إلى اللبنانيين غداة انتهاء الانتخابات»، مذكرة بما أعلنه رئيس الجمهورية سابقاً، بأن «الحكومة الأولى للعهد هي حكومة ما بعد الانتخابات، وبالتالي فإن المرحلة المقبلة هي مرحلة الإنجازات على كل الصعد».
وقال عون في رسالته مساء الثلاثاء إلى اللبنانيين: «سأسعى مع رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة كي يستعيد المجلس العتيد دوره الرقابي والتشريعي، فيكون مساحة اللقاء الطبيعية لعرض القضايا التي تهم اللبنانيين ومناقشتها». وشدد على أهمية «إطلاق الحوار الوطني بهدف استكمال تطبيق اتفاق الطائف بكل مندرجاته الواردة في وثيقة الوفاق الوطني، من دون انتقائية أو استنسابية، وتطويرها وفقاً للحاجة من خلال توافق وطني، ووضع استراتيجية دفاعية تنظم الدفاع عن الوطن وتحفظ سيادته وسلامة أراضيه».
وتتقاطع آراء الخبراء عند استحالة قبول «حزب الله» بأي حلّ يضع سلاحه خارج المعادلة العسكرية على مستوى لبنان والمنطقة. ويؤكد النائب والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون، لـ«الشرق الأوسط»، أن «فكرة الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية، طرحها (حزب الله) منذ انسحاب القوات السورية من لبنان في عام 2005 بهدف كسب الوقت، وإغراق البلاد في حوار لا ينتهي». وذكّر بأن «عقيدة الحزب قائمة على بقاء سلاحه طالما أن إسرائيل موجودة»، مشدداً على أن الاستراتيجية الدفاعية «يضعها المجلس الأعلى للدفاع ويعرضها على الحكومة لإقرارها، ولا تكون بالوقوع في فخّ حوار عقيم».
أما مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية، الدكتور سامي نادر، فبدا أكثر تشاؤماً حيال هذه القضية، واعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المرحلة غير مناسبة لطرح الاستراتيجية الدفاعية؛ لأن ما بعد الانتخابات ليس كما قبلها». وأضاف: «لقد تغيرت موازين القوى لصالح (حزب الله) وبات لديه فائض قوة سياسية أضيفت إلى فائض قوته العسكرية؛ وهو ما يصعّب مهمة رئيس الجمهورية»، داعياً إلى «ترقب الوضع الإقليمي؛ لأن الحزب سيضع أي بحث بسلاحه في ظل التوتر في المنطقة في خانة الاستهداف».
ولا يزال لبنان يبحث منذ عام 2006 بالاستراتيجية الدفاعية ووضع سلاح «حزب الله» بتصرّف الجيش اللبناني، بعد قرار مجلس الأمن الدولي 1559 الذي صدر في عام 2004، ونص على انسحاب القوات السورية من لبنان، وحل جميع الميليشيات المسلّحة ونزع سلاحها.
من جهته، اعتبر أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور شفيق المصري، أن «لا تفاوض على الاستراتيجية الدفاعية؛ لأن هذه الاستراتيجية هي من مسؤولية الجيش والقوات المسلّحة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «مقولة (حزب الله) القائمة على قاعدة (الجيش والشعب والمقاومة)، لا تسير مع منطق الدولة التي تحكمها مؤسسات شرعية». وشدد على ضرورة «الالتزام بالقرارات الدولية وتطبيقها من قبل الدولة اللبنانية»، مشدداً على أن «القرار 1559 معزز بآلية دولية لتطبيقه، ويمكن أن يلجأ المجتمع الدولي إلى فرضه بأي وقت، وفق شروط الشرعية الدولية».
ويبدو أن انتهاء دور سلاح «حزب الله» من دون أثمان سياسية، مهمة معقدة، حيث لفت الدكتور سامي نادر إلى أن «الإصرار على بحث الاستراتيجية الدفاعية، سيدفع إلى أمرين، الأول فرض قراءته لهذه الاستراتيجية وقوننة سلاحه، كما قونن الحشد الشعبي ميليشياته في العراق، خصوصاً أن كتلة حلفاء الحزب توسعت في المجلس النيابي، وثانياً إذا قبل بالطرح سيكون من ضمن سلّة متكاملة، ربما تبدأ بتثبيت حقيبة وزارة المال للطائفة الشيعية، مقدمةً لتعديل اتفاق الطائف ولو على جرعات، بما يخدم مشروعه في لبنان والمنطقة». وشدد الدكتور سامي نادر على أن لبنان «أمام لحظة غير مناسبة؛ لأن موازين القوى تبدلت، ولأن الحزب الذي كان مضطراً إلى مراعاة التسوية السياسية، وتطمين الدول العربية والأوروبية، لم يعد مضطراً إليها الآن، وبالتالي سيضع حاله في موقع المستهدف في لحظة بات محشوراً فيها إقليمياً في ظلّ التلويح بحرب بين إيران وإسرائيل».
تخوّف من «قوننة» سلاح «حزب الله» أسوة بـ{الحشد الشعبي}
الاستراتيجية الدفاعية تغرق في حوار شراء الوقت
تخوّف من «قوننة» سلاح «حزب الله» أسوة بـ{الحشد الشعبي}
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة