لم ترتبط «مهرجانات بعلبك الدولية» باسم كما ارتبطت باسم مي عريضة. حتى سنتين خلتا كانت السيدة الأرستقراطية الأنيقة هنا حاضرة في القلعة، وإن لم تعد رئيسة اللجنة التنفيذية فهي منذ تنحيها أصبحت الرئيسة الفخرية التي لا يمكن لأي المهرجانات في لبنان والعالم العربي أن تستغني عنها.
صباح أمس استفاق لبنان على خبر رحيلها. عن 92 عاماً مضت السيدة تاركة وراءها فناً ونشاطاً وسمعة للبنان بلغت كل عاصمة. عمر طويل عاشته زاخراً بالأحداث. لعلها واحدة من النساء اللواتي لن ينساهن لبنان أبداً، فحياتها الشخصية كما أنشطتها الفنية والاجتماعية تمفصلت مع التاريخ وأحداثه. لطالما قالت وهي الفاتنة التي لفتت بجمالها أينما حلت «الجمال وحده لا يكفي تحتاج المرأة إلى شيء من الذكاء والصدق والعلاقات الجيدة».
كان الرئيس كميل شمعون وزوجته زلفا من عشاق الموسيقى الكلاسيكية، وحين تسلم الرئاسة كان في ذهنه إنجاز مشروع عن قلعة بعلبك. وفي عام 1955 أتت «فرقة الكوميديا الفرنسية» إلى لبنان، وقدمت على أدراج معبد باخوس أربع مسرحيات كلاسيكية، وبعد أن حضرت السيدة الأولى زلفا إحدى هذه الحفلات برفقة عريضة، عادت لتشرح للرئيس روعة ما رأت، فكانت الشرارة الأولى.
جمع الرئيس شمعون ما يقارب 70 شخصية كانت بينهم عريضة، وطلب من الجميع المساهمة إلى جانب وزارة التربية لإنجاح المشروع، وفي اليوم نفسه أعلن عن الهيئة التنفيذية للمهرجانات التي كان من بين أعضائها مي عريضة التي ستصبح عام 1973 رئيستها وتستمر طوال فترة الحرب الأهلية في هذا المنصب. وهي تقول إنّها طوال تلك الفترة الصعبة لم تتوقف عن نسج العلاقات والتواصل مع الفنانين الذين جاءوا إلى بعلبك قبلاً بانتظار الفرصة المناسبة لمعاودة العمل. وبالفعل ما أن هدأت الحرب حتى عادت المهرجانات عام 1998. وبقيت عريضة رئيسة للجنتها التنفيذية حتى سنوات قليلة خلت حيث تولتها من بعدها نايلة دوفريج، وسميت عريضة رئيسة فخرية.
تحتاج حياة مي عريضة إلى مجلد كامل لكثرة ما هي مليئة بالإثارة والحكايات، ربطتها قصص كثيرة مع شخصيات في العالم ومع سياسيين في لبنان وأهل السلطة، وعرفت بصلاتها الوطيدة مع الرئيس شمعون وزوجته زلفا.
ولدت لعائلة أرستقراطية، عاشت طفولة مغناج، ومراهقة مدللة بين الفنون والرياضة، وبقيت تمارس حتى في عمر متقدم، السباحة والتنس والتزلج على الجليد.
قبل مهرجانات بعلبك ومنذ العام 1953 حتى 1961. كانت رئيسة الاتحاد اللبناني للتزلج، وكانت أيضاً عضواً في الشبيبة الموسيقية وفي لجنة أصدقاء المعهد الموسيقي اللبناني.
هي من المؤسسين لمهرجانات بعلبك والشاهدة الوفية على وصول فيروز والرحابنة إلى القلعة التاريخية وانطلاق أعمالهم المسرحية من هناك. كانت هناك حين قدمت فيروز «أيام الحصاد» صيف عام 1957. على أدراج هيكل جوبيتر مع فيلمون وهبي وزكي ناصيف ووديعة جرار.
عاشت تاريخ لبنان من الانتداب إلى الاستقلال والازدهار في الخمسينات والستينات ومروراً بالحرب الأهلية التي اعتبرتها فترة تجميد لبعض نشاطاتها وعملاً للانطلاق من جديد. عام 1947 كانت ذهبية بالنسبة لها سافرت إلى باريس، وتعرفت إلى زوجة الجنرال كاترو الذي كان مفوضاً فرنسياً في لبنان، وعرفتها هذه الأخيرة إلى كريستيان ديور الذي كان في أوجه يومها فاختارها سفيرة لتصاميمه. وتقول في إحدى مقابلاتها، إنّها بتعرفها على ديور ومن ثم كريستيان برار أهم مصممي أزياء الأوبرا والمسرح، فتحت لها أبواب الفنانين في فرنسا ومن ثم في نيويورك.
بعد شيوع نبأ وفاتها غرد رئيس الحكومة سعد الحريري عبر حسابه الرسمي على «تويتر»: «مي عريضة سيدة صنعت مجداً للبنان يعانق أعمدة بعلبك. مي عريضة رحلت وفي خزنتها مهرجانات فرح وانفتاح وثقافة ستبقى علامة فارقة في تاريخ السياحة اللبنانية. أحر التعازي لعائلتها ولكل من تعنيه القيمة الوطنية لمهرجانات بعلبك».
ونعاها وزير الثقافة اللبناني غطاس الخوري، واصفاً إياها بأنّها «شخصية نسائية رائدة عملت على إبراز وجه لبنان الحضاري والثقافي وحفظ مكانة له على خارطة المهرجانات الدولية، ولا يمكن ذكر مهرجانات بعلبك إلّا ويكون اسم السيدة عريضة حاضرا في بالنا».
مي عريضة صنعت مجد «مهرجانات بعلبك الدولية» ورحلت
92 سنة عامرة بالإثارة والفن
مي عريضة صنعت مجد «مهرجانات بعلبك الدولية» ورحلت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة