إيران... تراجع الساسة وظهور العسكر

علاقات الرئيس الإيراني حسن روحاني وقادة الحرس الثوري تشهد خلافات حول السياسة الخارجية والاقتصاد (موقع الرئاسة الإيرانية)
علاقات الرئيس الإيراني حسن روحاني وقادة الحرس الثوري تشهد خلافات حول السياسة الخارجية والاقتصاد (موقع الرئاسة الإيرانية)
TT

إيران... تراجع الساسة وظهور العسكر

علاقات الرئيس الإيراني حسن روحاني وقادة الحرس الثوري تشهد خلافات حول السياسة الخارجية والاقتصاد (موقع الرئاسة الإيرانية)
علاقات الرئيس الإيراني حسن روحاني وقادة الحرس الثوري تشهد خلافات حول السياسة الخارجية والاقتصاد (موقع الرئاسة الإيرانية)

تنقسم إيران، التي لا تزال تشتد بنيران الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على مواقعها في سوريا، بشدة على نفسها إزاء كيفية الرد على تلك الهجمات. وفي حين أن البعض من أعضاء المؤسسة الحاكمة في طهران يهدد باتخاذ الرد المناسب على العدوان الصهيوني، ينكر البعض الآخر وقوع أي هجوم إسرائيلي على القواعد الإيرانية في سوريا من الأساس. إلى جانب فئة ثالثة تطالب على نحو ضمني بالصمت وحفظ النفس وتجنب أي تصعيد عسكري عبر الرد على الهجمات الإسرائيلية.
وكانت الشخصية الأكثر بروزا من الفئة الأولى هي الأدميرال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الذي قال إن الرد الإيراني سوف يأتي في موعده المناسب وعندما يأتي سوف يكون مهلكا. وخرجت نسخة أكثر لطفا من هذا التهديد عن قائد الجيش الإيراني المعين حديثا الجنرال عبد الرحيم موسوي الذي صرح قائلا بأن قواته على أهبة الاستعداد لمواجهة كافة الاحتمالات. والأمر الأكثر إثارة للاهتمام في هذا السياق كان الجنرال محمد حسين باقري، رئيس الأركان الإيراني، الذي تقدم بنسخة أكثر وداعة ولينا من التهديد المسبق.
صرح الجنرال باقري يقول، وفقا لما نقلته وكالة «برس - تي في» الإخبارية المقربة من النظام الحاكم ويديرها الحرس الثوري الإيراني: «إن ألقى العدو بناظريه على مصالحنا أو تصرفاتنا حتى ولو عبر أدنى درجات العدوان، فإن الجمهورية الإسلامية سوف تقابله بالرد الملائم في الوقت المناسب».
ومن بين القادة العسكريين الذين يصولون ويجولون في تلك الأنحاء نجد الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس المتفرع عن الحرس الثوري الإيراني والشخصية الأولى المسؤولة عن تصدير الثورة الخمينية إلى الخارج. ففي بيان مقتضب صدر عنه بالأمس قال الجنرال سليماني إنه: «على استعداد لإعلان الجهاد»، وذلك من دون أن يذكر صراحة الهجمات الإسرائيلية على القوات الإيرانية العاملة في سوريا برفقة (متطوعي الشهادة) وهم المرتزقة الشيعة من أفغانستان ولبنان وباكستان الذين ينتشرون فيما لا يقل عن 12 موقعا داخل الأراضي السورية.
وحقيقة هيمنة العسكر الإيرانيين على الجدال الدائر الآن يؤكد على تراجع نفوذ الشق المدني من النظام الإسلامي الحاكم في إيران. فلقد طُلب من الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف إجراء سلسلة من «التحقيقات الدبلوماسية» عبر محادثات مع حكومات كل من بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين. وبرغم ذلك، يبدو أنهما – أي روحاني وظريف – لم يحصلا على أي تعليمات واضحة بشأن الهدف الحقيقي من مثل هذه التحركات.
ويبدو أن ذلك الجزء من المؤسسة الرسمية الإيرانية والمعني بإنكار الهجمات الإسرائيلية يستمد وحيه الملهم من الحاشية المقربة من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي والذي التزم الصمت المطبق إزاء الهجمات الإسرائيلية الأخيرة. وكما كان الحال في حوادث أخرى سابقة، لا يبدو أن خامنئي يفضل التدخل المباشر في مواجهة قد تخسرها طهران عن جدارة. وإن كانت هناك خسارة لماء الوجه، فإن خامنئي يرغب في ادخار ذلك إلى الرئيس روحاني وزمرته.
وعوضا عن التركيز على الأوضاع المتدهورة والمتردية في سوريا، فإن الشخصيات المقربة من علي خامنئي قد حاولت الزعم بتحقيق النصر في لبنان الذي تمكن فرع حزب الله الشيعي فيه، الممول والمدعوم رأسا من طهران، من حيازة الزعامة في الائتلاف الذي يضم الرئيس ميشال عون خلال الانتخابات اللبنانية الأخيرة.
وفي خطبة الجمعة الأخيرة في طهران، زعم آية الله أحمد خاتمي، وهو من أحد الملالي المرشحين لخلافة خامنئي على منصب المرشد الأعلى للبلاد، أن حزب الله اللبناني قد حقق انتصارا مدويا في الانتخابات اللبنانية الأخيرة، الأمر الذي سبب رجفة عارمة في الولايات المتحدة ناهيكم عن ذكر ما حل بإسرائيل جراء ذلك.
وفي الأثناء ذاتها، زعم سعد الله الزرعي، المستشار الاستراتيجي لخامنئي، قائلا إن «قوى المقاومة» التي تتزعمها إيران قد هاجمت المواقع الإسرائيلية في مرتفعات الجولان المحتلة، الأمر الذي أثار حفيظة إسرائيل فردت بالهجمات الجوية الأخيرة. وواصل الزرعي مزاعمه قائلا: «لقد نجحنا عبر هجومنا في هضبة الجولان من تدمير مركز الاستخبارات الرئيسي للعدو الإسرائيلي تدميرا تاما مما أسفر عن مقتل العشرات من العاملين هناك».
وإعلان الانتصار في أعقاب النكسات الكبيرة هو من التكتيكات القديمة المعروفة عن الجمهورية الإسلامية. وهو يستخدم دائما في حفظ ماء الوجه وتفسير انعدام اتخاذ أي رد فعل عندما يكون ذلك مستحيلا أو باهظ التكلفة للغاية.
وفي الشهر الماضي، ووفق توجيهات من القيادة العسكرية الإيرانية، عقد وزير الخارجية محمد جواد ظريف محادثات مع الثلاثي الأوروبي (بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا) حول إمكانية الانسحاب الإيراني التدريجي من المستنقع اليمني. وزعمت طهران أنها على أهبة الاستعداد لتخفيض دعمها المالي والعسكري إلى المتمردين الحوثيين هناك في مقابل الاعتراف بتواجدها الظاهر في سوريا كلاعب رئيسي وكبير.
في بادئ الأمر، بدا الأمر كما لو أن بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا قد استمالهم العرض الإيراني. ومع ذلك، وبعد التشاور مع واشنطن، قرر الثلاثي الأوروبي عدم ابتلاع الطعم الإيراني. إذ تريد الولايات المتحدة الانسحاب الإيراني الكامل من كل من اليمن وسوريا. والمثير للاهتمام في هذا السياق، أن روسيا هي الأخرى غير مسرورة من التواجد الإيراني في سوريا بالقرب من الحدود اللبنانية وخط وقف إطلاق النار الإسرائيلي في مرتفعات الجولان.
ويأمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تحقيق الاستقرار داخل سوريا تحت قيادته المنفردة، وهو الخيار الذي يعارض التطلعات الإيرانية في استخدام الأراضي السورية كنقطة انطلاق لمواجهة الولايات المتحدة، وإسرائيل، والدول العربية. ولقد أوضح الرئيس الروسي، عبر اجتماعين رسميين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه لن يعارض أي إجراءات تتخذها إسرائيل داخل سوريا طالما أنها سوف تستهدف القواعد الإيرانية منفردة وليس قوات الرئيس السوري بشار الأسد. وكان وفقا للتحليل ذاته أن رفض الرئيس الروسي الطلب الإيراني بمد المظلة الجوية إما من قبل سلاح الجو الروسي أو ما تبقى من القوات الجوية الحكومية السورية.
وهكذا، من دون الغطاء والحماية الجوية، لن تكون القوات الإيرانية والمرتزقة اللبنانيون الموالون لهم بأكثر من لقمة سائغة للهجمات الجوية الإسرائيلية وعمليات إطلاق الصواريخ المرافقة.
وخلال الهجمتين الإسرائيليتين الأخيرتين، سقط نحو 50 جنديا إيرانيا صرعى. وحاولت السلطة الرسمية في طهران صرف الانتباه عن الخسائر عن طريق حظر المراسم الشعبية العامة لتكريم الشهداء أو التغطية الإعلامية لمراسم الدفن. وحتى الآن، كانت مثل هذه المراسم تلقى أقصى قدر من الدعاية الإعلامية الحكومية في إيران لخلق الانطباع لدى العامة بأن إيران راسخة الوجود في الداخل السوري بل وتعد العدة لمهاجمة وتدمير إسرائيل بمساعدة مباشرة من قوات حزب الله اللبناني، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وحركة المقاومة الإسلامية حماس.
يقول المحلل الإيراني منوشهر فاديي: «يأمل بوتين الاستمرار في رسم أجندة الأعمال في سوريا من خلال حشد الدعم من الولايات المتحدة، ومن الدول العربية، ومن تركيا. وهذا الدعم يستلزم الدفع بالجانب الإيراني خارج الدائرة الضيقة لصناعة القرار في سوريا. ولا يرغب بوتين في إقصاء إيران بالكامل، وإنما هو غير مستعد لمنح طهران المجال الذي تصبو إليه داخل سوريا».
ويدور العرض الروسي حول السماح لإيران بإقامة قاعدة لها في دير الزور على مقربة من الحدود السورية العراقية، بعيدا جدا عن الحدود السورية اللبنانية وعن خط وقف إطلاق النار مع إسرائيل في هضبة الجولان. ومن شأن ذلك أن يطمئن الولايات المتحدة، وإسرائيل، والدول العربية المعنية، مع إقناعهم بقبول إعادة صياغة المشهد السوري بالتعاون مع موسكو.
وفي إيران اليوم، ومع تعالي دقات طبول الحرب في الأجواء، تتراجع الشخصيات السياسية إلى الخلفية مع تأكيد القيادة العسكرية سيطرتها على مجريات الأمور. ومن عجيب المفارقات، أن القيادة العسكرية المتصاعدة في طهران ليست لديها رغبة أكيدة في القتال لأجل سوريا في الوقت الذي تتصور فيه الفرص الجديدة السانحة لبسط وتأكيد نفوذها وسلطاتها داخل إيران ذاتها.



إيران توقف زوج المحامية والناشطة نسرين ستوده

المحامية والناشطة الإيرانية نسرين ستوده وزوجها رضا خندان (أرشيفية - أ.ف.ب)
المحامية والناشطة الإيرانية نسرين ستوده وزوجها رضا خندان (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

إيران توقف زوج المحامية والناشطة نسرين ستوده

المحامية والناشطة الإيرانية نسرين ستوده وزوجها رضا خندان (أرشيفية - أ.ف.ب)
المحامية والناشطة الإيرانية نسرين ستوده وزوجها رضا خندان (أرشيفية - أ.ف.ب)

أوقفت السلطات الإيرانية، اليوم الجمعة، رضا خندان زوج المحامية والناشطة نسرين ستوده التي اعتُقلت عدة مرات في السنوات الأخيرة، بحسب ابنته ومحاميه.

ونشرت ابنته ميراف خاندان عبر حسابها على موقع «إنستغرام»: «تم اعتقال والدي في منزله هذا الصباح». وأكد محاميه محمد مقيمي المعلومة في منشور على منصة «إكس»، موضحاً أن الناشط قد يكون أوقف لقضاء حكم سابق.

ولم ترد تفاصيل أخرى بشأن طبيعة القضية أو مكان احتجازه، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأوقفت زوجته ستوده البالغة 61 عاماً والحائزة عام 2012 جائزة «ساخاروف» لحرية الفكر التي يمنحها البرلمان الأوروبي، آخر مرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أثناء حضورها جنازة أرميتا غاراواند التي توفيت عن 17 عاماً في ظروف مثيرة للجدل. وكانت دول أوروبية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد أعربت عن دعمها للمحامية التي أُطلق سراحها بعد أسبوعين.

وقد دافعت عن العديد من المعارضين والناشطين، من بينهم نساء رفضن ارتداء الحجاب الإلزامي في إيران، وكذلك مساجين حُكم عليهم بالإعدام بسبب جرائم ارتكبوها عندما كانوا قاصرين. وكان زوجها يساندها باستمرار، ويطالب بالإفراج عنها في كل فترة اعتقال. ويأتي توقيفه فيما من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في الأيام المقبلة قانون جديد يهدف إلى تشديد العقوبات المرتبطة بانتهاك قواعد اللباس في إيران.

وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير إن النساء قد يواجهن عقوبة تصل إلى الإعدام إذا انتهكن القانون الرامي إلى «تعزيز ثقافة العفة والحجاب».