قال عبد الكريم بنعتيق، الوزير المنتدب المكلف المغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، إن المغرب «انتقل من فهم تقليدي إلى إدراك استراتيجي لموضوع الهجرة، وانتقل من دولة عبور إلى دولة استقرار للمهاجرين»، مبرزا أن احتضان نقاش الهجرة من طرف كل مكونات البلاد جعله «الدولة الوحيدة التي لا تطرح قضية الهجرة في النقاش السياسي الداخلي إبان الانتخابات أو خارجها». وأضاف: «بل تحظى بالإجماع في إطار المقاربة الاستراتيجية».
وذكر بنعتيق، في مداخلة ألقاها في ندوة حول موضوع: «الهجرة والاندماج»، نظمها مجلس النواب بدعم من الوزارة المنتدبة المكلفة المغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، أمس الأربعاء، بالرباط، أن ظاهرة الهجرة تمثل إحدى أعقد وأهم المشكلات المطروحة على الصعيدين المحلي والدولي، مشددا على أهمية تجاوز المنطق السابق الضيق المرتبط بالاقتصاد في مقاربتها. وأضاف بنعتيق أن الهجرة أصبحت لها رؤية شمولية تتجاوز ما هو اقتصادي.
وزاد المسؤول الحكومي موضحا أن الهجرة أصبحت تتجاوز ما هو اقتصادي لتصل «لما هو أمني وسياسي باعتبارها مؤثرة في صناعة القرارات السياسية في دول متعددة»، وأفاد بأن الظاهرة أصبحت مؤثرة حتى بالنسبة للدول الهشة التي تعيش صعوبات بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية.
وأكد بنعتيق أن الهجرة أصبحت تعرف ارتفاعا وصفه بـ«غير العادي»، مسجلا أنها أضحت بين دول الجنوب - الجنوب، بعدما كانت بين الجنوب والشمال الصناعي المتقدم، مشددا على أن هذا الواقع الذي نبهت إليه الكثير من المنظمات العالمية دفع قادة العالم للتفكير في إيجاد أجوبة لهذه الإشكالات المعقدة وبدأ «ميثاق عالمي من أجل هجرة منظمة ومنتظمة ودائمة».
واعتبر الوزير المغربي أن سياسة بلاده للهجرة «تنطلق من رؤية إنسانية تحترم كل مواثيق حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، وتعتبر أن الاندماج هو الهدف وليس الإمكانيات المالية والاقتصادية»، وأضاف أن الاندماج ينطلق من الحفاظ على الكرامة وتسوية الوضعية القانونية للمهاجرين الراغبين في الاستقرار بالمغرب.
من جهته، قال الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب، إن الهجرة تكتسي رهانات ومكانة خاصة بالنسبة للقارة الأفريقية، مؤكدا أن حصة القارة من الظاهرة في العالم «تشكل نسبة قليلة من مقارنة بالقرارات الأخرى». وأضاف المالكي في كلمة بالمناسبة ألقاها نيابة عنه، نائبه إدريس اشطيبي، أن الهجرة الأفريقية تقوم بالأساس داخل البلدان الأفريقية، موضحا أنه من أصل «5 مهاجرين أفارقة يبقى أربعة داخل بلدان أفريقيا»، مشددا على حاجة بلدان القارة إلى تعبئة مواردها البشرية لتوفير أسباب الصعود الأفريقي.
ودعا رئيس مجلس النواب المغربي دول القارة السمراء إلى «استغلال أكثر لثرواتها وتيسير حركية بشرية مفيدة لبلدانها»، كما شدد على ضرورة الحفاظ على «طاقاتها العلمية وكفاءاتها والتفكير في الخسائر التي تتسبب فيها ظاهرة الهجرة للقارة».
وأكد في الكلمة ذاتها، على أن المسؤولية مشتركة بين أعضاء المجموعة الدولية لـ«تحويل الاستثمارات وفق مبدأ رابح رابح الذي ما فتئ الملك محمد السادس يدعو له»، مسجلا أنه بعد تحقيق الانتقالات الديمقراطية في عدد من الدول الأفريقية والتخلص من التحديات التي واجهتها في العقود السابقة «ينبغي اليوم توفير أسباب التنمية المنتجة للشغل الضامن للكرامة».
بدوره، اعتبر إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب، أن دول استقبال المهاجرين حققت استفادة عميقة من الظاهرة وليست اقتصادية فقط، مؤكدا أنه لا يمكن الحديث عن الثقافة الفرنسية أو البلجيكية دون الحديث عن المبدعين من أبناء المهاجرين المغاربة.
وأفاد اليزمي بأن التجربة المغربية لملف الهجرة يمكن أن تشكل نموذجا بالقارة الأفريقية، مشددا على أهمية انخراط المؤسسة التشريعية في هذا الورش، وأكد أن الدمج بين قضايا الجاليات وقضايا الهجرة واللجوء وإحداث وزارة خاصة بالبلاد «ليس صدفة وإنما جاء انسجاما مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، لأنه لا يمكن أن نطالب باحترام حقوق المهاجرين المغاربة في العالم وننسى واجبنا تجاه المهاجرين الأجانب».
ودعا اليزمي إلى تعبئة كل الفاعلين للمساهمة في إعداد سياسة اللجوء والهجرة، مشددا على ضرورة انخراط رجال الفكر الأكاديمي والبحث العلمي وتعبئة المؤسسة التشريعية، لافتا إلى أنه «سيتم في القريب تقديم مشروع قانون حول اللجوء بالبرلمان وأتمنى أن تأخذ المؤسسة التشريعية المبادرة لطلب رأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول مشروع هذا القانون».
كما حث رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان على تعبئة المجتمع المدني لمواجهة العنصرية، مبرزا أنه «ليس هناك مجتمع لا يعرف شكلا من أشكال العنصرية أو التخوف من الأجانب»، ولا بد من تعبئة الصحافة والشركاء الدوليين لمواجهة هذا التحدي، منوها في الآن ذاته، بعدم استغلال ملف الهجرة في الحسابات السياسية بالبلاد عكس عدد من الدول الأخرى.
أما غوتز شميدت بريم، سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية في الرباط، فحث دول أوروبا على ضرورة التخلي عن نظرتها التقليدية لموضوع الهجرة، حيث قال: «ينبغي أن ننتقل من التقوقع والنظرة الضيقة حول الهجرة»، وأضاف: «أتمنى أن تلتحق ألمانيا وتساهم في تسهيل حركية المهاجرين وألا يظل الأمر مقتصرا للحديث عن الهجرة بنظرة تقليدية».
وأكد السفير الألماني أن بلاده تسعى وراء إقرار عقد اجتماعي عالمي حول الهجرة «يجد كل طرف نفسه فيه»، مشيرا إلى أهمية تنصيص الميثاق على علاقة «رابح رابح» بين الدول المصدرة للمهاجرين وبلدان الإقامة.
واعتبر بريم أن المهاجرين غير الشرعيين يصبحون أمام الوضع القائم «عرضة للاستغلال البشع الذي لا نقبله بتاتا»، معربا عن أسفه لوفاة «عدد رهيب من المهاجرين الذين يبتلعهم البحر الأبيض المتوسط».
ودعا السفر الألماني إلى مواجهة الخطاب المعادي للهجرة والمهاجرين بأوروبا، معتبرا أن كل الدول تعارض الظاهرة بخطاب «معاد ويحرض ضد المهاجرين والهجرة ويجد صداه وتتأثر به الساكنة»، مشددا على ضرورة «محاربة هذا المنطق الذي يحارب كل أشكال الهجرة».
يذكر أن الندوة تسعى لخلق فضاء للحوار والنقاش حول الفرص والتحديات المرتبطة بالهجرة واندماج المهاجرين وطنيا وإقليميا ودوليا، في وقت يعمل فيه المغرب على الاستعداد لتنظيم تظاهرتين مهمتين بمراكش من أجل تعاقد دولي جديد يحرر قدرات المهاجرين بهدف التنمية، وذلك بمشاركة عدد من البرلمانيين المغاربة والأجانب وممثلي القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والمنظمات الدولية.
وزير مغربي: نحن البلد الوحيد الذي لا تطرح الهجرة فيه للنقاش السياسي الداخلي
مجلس النواب يناقش «الهجرة والاندماج» في ندوة
وزير مغربي: نحن البلد الوحيد الذي لا تطرح الهجرة فيه للنقاش السياسي الداخلي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة