تحتاج مهمة تدريب فريق نادي آرسنال لنمط قوي ومتزن من الرجال، قلما يوجد. ومن المنطقي أن تكون دائرة البحث عن شخص لهذا المنصب على مجموعة محدودة للغاية. ومن الواضح أن آرسين فينغر لا يرغب في إثارة الكثير من الجلبة حول رحيله عن النادي، بل ولم يعقد حتى مؤتمراً صحافياً قبل ما تعهد إيفان غازديز، الرئيس التنفيذي لآرسنال، منذ أسبوعين بأنه سيكون «حدثاً يجذب أنظار العالم». في الواقع، لا يسعني سوى التساؤل حول ما إذا كان غازديز قد بالغ بعض الشيء في مشاعره. الحقيقة أن آرسنال لم يتخذ قراراً حتى هذه اللحظة ما إذا كان سيشيد تمثالاً لفينغر، في الوقت الذي يبدو فيه أن الوقت الأمثل للإعلان عن مثل هذه الخطوة كان يوم إعلانه رحيله عن النادي.
ومع أن إدارة النادي قررت إنتاج 60.000 قميص تحمل عبارة «شكراً آرسين»، فإن أحداً لا يتوقع أن تحلق طائرة مروحية فوق الاستاد لتوديع فينغر، على غرار ما حدث مع كيفين كيغان في نيوكاسل عام 1984، أو تدافع الجماهير نحوه. الحقيقة المحزنة أن فينغر لم يعد يثير مثل هذا المستوى من الإعجاب... ليس اليوم على أي حال. يبدو هذا أمراً مثيراً للإحباط، خاصة في اليوم الذي ألقى فيه تحية الوداع للمرة الأخيرة على استاد الإمارات. من ناحية أخرى، بدا واضحاً خلال مواجهة آرسنال ووستهام يونايتد، بعد يومين من إعلان رحيله عن النادي، أن هذا الانفصال لن يكون سلساً. وعلى ما يبدو، لم تملك جماهير آرسنال الطاقة لتوجيه وداع حار للمدرب. بدلاً عن ذلك، خيمت سحابة من الحزن على المكان. وبدا أن خوف الجماهير الأكبر كان من فتور المشاعر، وليس الوداع. وعليه، اتضح أن أي شخص انتظر أن تنهمر الورود والأزهار على أقدام فينغر كان مخطئاً للغاية.
الأحد الماضي، كان ينبغي أن يكون مناسبة تحمل طابعاً عاطفياً أكبر، مع انضمام الأسماء الكبرى اللامعة من حقبة فينغر إلى قائمة الضيوف لحضور المباراة أمام بيرنلي. اللافت أن ثمة شعورا سائدا بأن هذا كان وداعاً طويلاً ومرهقاً بالفعل، ولسوء حظ فينغر فإن شيئاً ليس بمقدوره تجميل وجه الحقيقة المؤسفة الخاصة بأن موسمه الأخير مع آرسنال كان مظلماً. والآن، أصبح لزاماً على غازديز إمعان النظر بحرص في استراتيجيته نحو اختيار الرجل الذي سيخلف فينغر.
أولاً وقبل أي شيء، من المفترض أن مسؤولي آرسنال يعرفون تمام المعرفة أن رجلاً نجح في اقتناص بطولة دوري أبطال أوروبا في ثلاث مناسبات مختلفة، متاح. والسؤال هنا: هل يتذكر هؤلاء المسؤولون أن الرجل المقصود - الإيطالي كارلو أنشيلوتي - فاز ببطولتي الدوري الممتاز وكأس الاتحاد الإنجليزي في موسمه الأول مع الكرة الإنجليزية؟ وهل يعي هؤلاء المسؤولون أن أنشيلوتي حريص للغاية، على أقل تقدير، على العودة إلى كرة القدم التي حصد في إطارها عددا من البطولات والميداليات الفردية يكفي لسد مخزن طائرات؟
وتبدو هذه التساؤلات منطقية بالنظر إلى أنه من الغريب حقاً في اعتقادي الشخصي أن أنشيلوتي - البالغ من العمر 58 عاماً، أي إنه يصغر فينغر بـ10 سنوات - لا يجتذب مزيداً من الاهتمام. هل تفحص مسؤولو آرسنال سيرته الذاتية في الفترة الأخيرة؟ وإذا كان ذلك قد حدث، فهل هم في وضع يوفر لهم رفاهية تجاهل مدرب بمثل هذه القدرات والإنجازات؟ لو كانوا يفضلون مدرب برشلونة السابق لويس إنريكي، فإن ثمة حجة منطقية يمكن طرحها في هذا الاتجاه حول أنهم اختاروا رجلاً يعي جيداً ما يتطلبه الفوز على أعلى المستويات.
لقد كان جوسيب غوارديولا صاحب الفضل وراء دفع برشلونة لأن يصبح نادياً عظيماً. ومع هذا، تظل الحقيقة أن لويس إنريكي نجح في دفع الفريق نحو مستوى أفضل خلال ذلك الموسم، 2014 – 2015، عندما فاز بثلاث بطولات مع اعتماده على خط هجوم مؤلف من ليونيل ميسي ولويس سواريز ونيمار. ورغم أن سجله مع أندية أخرى ليس بهذه الروعة، فإنه من الواضح تماماً سبب اهتمام مسؤولي آرسنال به.
في الوقت ذاته، تمكن أنشيلوتي من التفوق على غوارديولا وسير أليكس فيرغسون وجوزيه مورينيو وأوتمار هيتسفيلد وأريغو ساكي والجميع فيما عدا بوب بيسلي - الذي قضى ما يقارب من خمسين عاماً مع نادي ليفربول كلاعب واختصاصي علاج طبيعي ومدرب ومدير رياضي - فيما يخص عدد مرات الفوز بالكأس الأوروبية. وقد نجح في اقتناص بطولات كبرى في إنجلترا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا، بينها بطولات دوري في أربع من هذه الدول.
علاوة على ذلك، يعيش أنشيلوتي في لندن، بجانب امتلاكه عقارات في ميلانو ومدينة فانكوفر في كندا. كما أن زوجته الكندية، ماريان، عاشقة للندن. أما مسألة أن فترة عمله الأخيرة في إنجلترا انتهت بطرده، فتكشف عن تشيلسي أكثر مما تكشفه عنه. دعونا فقط نمعن النظر في القصة التي سردها أنشيلوتي حول توجيه الدعوة له للذهاب إلى منزل رومان أبراموفيتش بعد مباراة أمام ويست بروميتش ألبيون ليجري إخطاره هناك بأن أداء الفريق لم يكن على المستوى المرجو. كان ذلك في اليوم الأول من الموسم الجديد، وإنصافاً لأنشيلوتي ينبغي التنويه هنا بأن تشيلسي كان قد فاز لتوه ببطولتي الدوري الممتاز وكأس الاتحاد الإنجليزي معاً للمرة الأولى في تاريخه. ومع هذا، لم يكن أبراموفيتش راضياً عن أداء الفريق، وتعرض أنشيلوتي لتوبيخ شديد. جدير بالذكر أن تشيلسي فاز في تلك المباراة بنتيجة 6 - 0.
في نهاية ذلك الموسم، تعرض أنشيلوتي للطرد لارتكابه جريمة شنعاء تمثلت في إنجازه موسم الدوري الممتاز في المركز الثاني. وبالنظر إلى هذه الخلفية، سيكون من المثير للدهشة لو أن أنشيلوتي قبل تعريض نفسه مجدداً لمثل هذه المعاملة والعمل لحساب أبراموفيتش، وذلك إذا ما رحل مواطنه أنطونيو كونتي عن ستامفورد بريدج، مثلما هو متوقع على نطاق واسع. ومع هذا، ربما يتعين على آرسنال الاستعداد للمنافسة على أنشيلوتي.
من ناحية أخرى، من غير الواضح حتى هذه اللحظة ما إذا كانت فكرة الاستعانة بأنشيلوتي تروق لآرسنال. وبالنظر إلى بعض التقارير المتواترة من داخل نادي آرسنال، يبدو أن مسؤولي النادي يفضلون السير في اتجاه مختلف في كل الأحوال. وأفادت هذه التقارير إلى أن آرسنال يدرس مجموعة من الخيارات المتمثلة في مدربين أصغر سناً ويرغب في التحلي بالجرأة في قراراته المقبلة، مثلما سبق وأن فعل عام 1996 عندما خرجت صحيفة «إيفيننغ ستاندرد» اللندنية بعنوانها الشهير «آرسين من؟»... في إشارة إلى عدم معرفة الكثيرين بالمدرب الجديد القادم لتدريب آرسنال.
ويبدو هذا أمراً لا بأس فيه على الإطلاق في ظل ظروف مثالية، لكن هل مهمة تدريب آرسنال تليق بالفعل بشخص يبدأ مسيرته بمجال التدريب؟ جدير بالذكر أن فينغر لا يتولى إدارة الفريق الأول لدى آرسنال فحسب، وإنما يدلو بدلوه في كل ما يخص النادي تقريباً، وصولاً إلى اختيار أكاليل الزهور أثناء المباريات على أرض استاد ويمبلي وتوزيع بطاقات الوقود على العاملين. وسيرث أي شخص سيحل محله نادياً على وشك إنجاز موسم بالدوري الممتاز بأقل عدد من النقاط على امتداد الأعوام الـ22 التي قضاها فينغر مع النادي، وكذلك أقل مركز بجدول ترتيب الأندية، علاوة على أن الفريق سجل لتوه أسوأ سلسلة من النتائج خارج أرضه منذ عام 1966.
وعليه، تبدو تلك مهمة كبرى مثيرة للفزع، وتحتاج إلى شخص قوي وشديد المراس ولد ليكون واحداً من رجال قلائل يمتلكون هذه السمات. وإذا ما رغب آرسنال في التحلي بالجرأة حقاً، فإن عليه بالتأكيد تحويل أنظاره نحو المرشح صاحب الإمكانات والنتائج الأفضل. ولا بد أنه أمر يثير الحيرة أن مدرباً مثل مساعد مدرب مانشستر سيتي الإسباني ميكيل أرتيتا يتردد اسمه بمعدل أكبر، ناهيك عن حقيقة أن الكرة الإنجليزية تميل بطبعها نحو الاختيارات العاطفية. يذكر أن أرتيتا سبق له اللعب في صفوف آرسنال، والآن يضطلع بدور في مانشستر سيتي، وإن كان غوارديولا من يضطلع بأعمال التدريب. ومع هذا، هل يكفي ذلك حقاً كي يقفز أرتيتا نحو تولي تدريب فريق بحجم آرسنال؟ هل كان يمكن لأحد أن يتذكر اسمه حتى لو أنه لم يرتبط خلال حقبة ماضية بآرسنال؟
ويمكن طرح تساؤلات مشابهة بخصوص لاعب آرسنال السابق ومدرب نيويورك سيتي حاليا باتريك فييرا. ويبدو البوسني زيليكو بوفاك المدرب المساعد في نادي ليفربول، واحداً من الأسماء التي أثار طرحها حالة من الحيرة، بل وحتى مورينيو نفسه ظهر اسمه خلال الأيام القليلة الماضية للتلميح إلى أن مساعده البرتغالي روي فاريا ربما يمثل مرشحاً جاداً. ربما كان هذا صحيحاً، لكن يظل التساؤل: هل يمكن لأحد الدفع بأن أي من هذه الأسماء يملك سجلاً أفضل عن أنشيلوتي؟
كانت الحجة الوحيدة التي سمعتها ضد أنشيلوتي أنه يفضل أن يرث فريقا جاهزا على أن يشرع في أعمال إعادة بناء للفرق. حسناً، هل هناك مدرب لا يفضل ذلك؟ حقيقة الأمر أن أنشيلوتي نجح في رفع مستوى أداء جمع الفرق التي تولى مسؤوليتها، بدءا من نجاحه في الصعود بريجينا الإيطالي ودفعه بارما لتحقيق أفضل ترتيب في الدوري الإيطالي في تاريخه حتى قبل السنوات التي نجح خلالها في بناء سمعته كآلة حصد للبطولات.
بطبيعة الحال، لا يعتبر أنشيلوتي المرشح الوحيد صاحب السجل المبهر - على سبيل المثال لا الحصر هناك أيضاً الإيطاليان ماسيميليانو أليغري وكونتي، اللذان يملكان بالتأكيد المعرفة اللازمة للارتقاء بأداء آرسنال. وليس هناك من يدعو غازيديز للعمل بعقل منغلق إذا ما كان على قناعة تامة بأن جوليان ناغيلسمان، مدرب هوفنهايم البالغ 30 عاماً، يشكل الخيار الأمثل. إلا أن الحقيقة المؤكدة أن آرسنال لا يملك رفاهية اختيار الشخص الخطأ في هذا التوقيت، لأن هذا من شأنه دفع الفريق لمزيد من التراجع لسنوات. وسيبدو مسؤولو النادي على قدر كبير من التهور والطيش إذا ما تجاهلوا شخصا أثبت مراراً، على امتداد ربع قرن تقريباً، أنه الخيار الأمثل بالفعل.
جدير بالذكر أن وسائل إعلامية إيطالية ذكرت في وقت سابق أن أنشيلوتي رفض عرضا لتولي تدريب منتخب إيطاليا لكرة القدم، ليبقى روبرتو مانشيني على رأس قائمة المرشحين لتولي المهمة. وقالت عدة صحف إيطالية من بينها «كورييري ديلو سبورت» و«غازيتا ديلو سبورت» إن أنشيلوتي، الذي أقاله بايرن ميونيخ بطل ألمانيا في سبتمبر (أيلول) الماضي، عقد محادثات مع مسؤولي الاتحاد الإيطالي للعبة الشعبية في العاصمة روما.
ومن بين أسباب الرفض الذي ذكرت أن أنشيلوتي يعتقد أن بوسعه تدريب أحد الفرق الكبيرة في أوروبا. ويحتل منتخب إيطاليا حاليا المركز 20 في تصنيف الاتحاد الدولي (الفيفا) للمنتخبات وهو أسوأ مركز يحتله طوال تاريخه. وظل المنتخب الإيطالي بدون مدرب دائم منذ نوفمبر (تشرين الثاني).
الماضي عندما أقيل جيان بييرو فنتورا من المنصب بعد فشل الفريق في التأهل لنهائيات كأس العالم 2018 في روسيا.
وتولى لويجي دي بياجيو تدريب الفريق بصفة مؤقتة وقاده خلال مباراتيه الوديتين أمام الأرجنتين وإنجلترا في مارس (آذار) الماضي. وأنشيلوتي لاعب الوسط السابق واحد من أنجح المدربين على المستوى الأوروبي، إذ سبق له التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا مع ميلانو الإيطالي وريال مديد الإسباني، كما فاز بألقاب بطولات محلية مع تشيلسي الإنجليزي وميلانو وباريس سان جيرمان الفرنسي وبايرن ميونيخ. وانضم أنشيلوتي إلى بايرن ميونيخ عام 2016 وقاده إلى لقب بطل الدوري الألماني في أول موسم له معه، لكنه أقيل من منصبه في الموسم التالي وتحديدا عقب الخسارة المذلة أمام باريس سان جيرمان الفرنسي صفر - 3 في باريس في دور المجموعات لمسابقة دوري أبطال أوروبا.
أنشيلوتي البديل الأمثل لفينغر
آرسنال لا يملك رفاهية اختيار المدرب الخطأ في هذا التوقيت
أنشيلوتي البديل الأمثل لفينغر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة