أعلنت الرئاسة الفرنسية أن الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي دونالد ترمب أجريا أمس مشاورات هاتفية «تطرقا خلالها إلى القضايا المتصلة بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط». ولم يقدّم «الإليزيه» أي تفاصيل إضافية حول مضمون الاتصال الذي سبق إعلان ترمب موقفه من الاتفاق النووي الإيراني.
ولا تخفي باريس أنها تريد المحافظة على الاتفاق النووي مع إيران «مهما كان قرار الرئيس الأميركي»، وترى فرنسا أن لديها «مسؤولية خاصة» في إدارة هذا الملف، خصوصاً أن ماكرون كان أول من قدّم «اقتراحاً عملياً» للتفاوض مع إيران حول اتفاق «تكميلي» يأخذ في الاعتبار التحفظات الأميركية، ولكن مع المحافظة على الاتفاق النووي بوصفه أحد أركان الاتفاق الجديد الموعود. ولخصت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي موقف باريس في حديث صحافي أمس كالتالي: «هذا الاتفاق يجب أن يُستكمل، وهو ما اقترحه الرئيس (ماكرون)، كما تجب مواصلة الدعوة من غير توقف من أجل تحسين (شروطه) سواء كانت الولايات المتحدة جزءاً منه أم لا».
من هذا المنطلق، تعد المصادر الفرنسية أن الهدف «الأول بعد إعلان ترمب عن قراره يتمثل في (إبقاء) إيران داخل الاتفاق، بمعنى ألا يكون رد الفعل الإيراني الفوري والآلي التنصل منه بحجة أن واشنطن نقضته ووأدته وبالتالي أصبحت حرة التصرف». وتضيف المصادر الفرنسية أن الهدف الثاني المكمل للأول، في حال أعربت طهران عن «تنصلها» من الاتفاق، هو ألا تلجأ إلى العودة إلى تخصيب اليورانيوم وفق ما لوّح به بعض المسؤولين في طهران.
وتراهن باريس في ذلك على جهتين: الأولى هي التيار الإصلاحي المتمثل بالرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف. أما الجهة الثانية، فهي موسكو وتحديداً الرئيس فلاديمير بوتين الذي يتواصل معه ماكرون من غير انقطاع؛ لا بل إنه «الزعيم» الغربي الوحيد الذي يقيم معه حواراً معمقاً رغم مشاركة باريس في الضربات العسكرية التي استهدفت مواقع كيماوية في سوريا في 14 أبريل (نيسان) الماضي. كذلك، فإن باريس مستمرة في «التحاور» مع طهران، بغض النظر عن القرار الأميركي. وهمّ الجانب الفرنسي أن «يستكشف» ما يمكن لطهران أن تقبله أو لا تقبله عند انطلاق المساعي للخروج من الطريق المسدود، خصوصاً بشأن برامجها الباليستية والصاروخية وبالنسبة إلى سياستها الإقليمية التي تعدها باريس - كما واشنطن ولندن وعواصم غربية أخرى - «مزعزعة للاستقرار».
وترى باريس أنه «لا بد من العودة إلى الحوار» مع طهران لتلافي «الفراغ». وفي الفسحة الزمنية التي ستبدأ مع إعلان واشنطن عن قرارها والدخول الفعلي للعقوبات التي قد يعلنها الرئيس ترمب «في حال نقض الاتفاق وأعاد العمل بالعقوبات»، ستكون بأيدي العواصم الأوروبية الثلاث المعنية مباشرة بالملف (باريس ولندن وبرلين) ورقة ضغط «إضافية» هي الدخول الفعلي للعقوبات حيّز التنفيذ، مما سيوفر للأوروبيين مهلة «إضافية» من ثلاثة أشهر للتحرك والضغط على طهران لحملها على القبول بفتح دورة جديدة من المفاوضات. ويستطيع الأوروبيون عندها المراهنة على حاجة إيران لاستمرار العمل بالاتفاق وحجتها عندها أن الأوروبيين ما زالوا ملتزمين به. وقد لمح الرئيس روحاني لهذا الاحتمال الذي ربطه بالمحافظة على «المصلحة الوطنية الإيرانية»؛ أي تحديداً استمرار الأوروبيين في العمل على تطبيع علاقاتهم الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع طهران وعدم الرضوخ للأوامر الأميركية، خصوصاً للقوانين التي تطبقها واشنطن على الشركات الأوروبية التي لها نشاطات على الأراضي الأميركية أو التي يمكن أن تتعامل مع طهران بالدولار الأميركي.
وما بين المطرقة الأميركية والسندان الإيراني، تسعى باريس ومعها الأوروبيون لإيجاد طريق «وسطية» رغم أن العثور على هذه الطريق يبدو «أمراً بالغ الصعوبة»، وفق تحليل روبرت مالي، وهو مواطن فرنسي - أميركي كان أحد أعضاء فريق المفاوضين مع إيران إبان عهد الرئيس باراك أوباما.
وما بين الرغبة في عدم «إغضاب» واشنطن والسعي للاستفادة من الفرص الاقتصادية في السوق الإيرانية، تسير باريس على حبل مشدود، وهي يمكن أن تقع في هذه الجهة أو تلك بسبب أي خطوة «ناقصة». ولا شك في أن ماكرون كان يأمل في أن يقدم له ترمب «هدية» بمناسبة زيارة الدولة التي قام بها لواشنطن الشهر الماضي ونظراً للعلاقة الخاصة التي نجح في نسجها معه، لكن الواضح أن الأخير ماض في تفكيك إرث سلفه في البيت الأبيض والاستجابة لدواعي سياسته الداخلية غير آبه بالخطوات التي قطعتها الدول الأوروبية باتجاهه وتبنيها رؤيته حول «خطورة» السياسة الإيرانية في المنطقة.
باريس تأمل في العودة إلى طاولة التفاوض
باريس تأمل في العودة إلى طاولة التفاوض
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة