في العام الماضي دفعت المكتبة الوطنية الفرنسية 8 ملايين دولار لشراء مخطوط هو الأغلى بين موجوداتها حالياً. يعود المخطوط إلى أواخر القرن الثامن عشر، ويحوي مذكِّرات جياكومو كازانوفا، زير النساء الإيطالي، الذي ذاع صيته عبر التاريخ حتى صار اسمه مصطلحاً شائعاً في كل اللغات للتدليل على محترفي المغامرات العاطفية بين الرجال.
لكن شهرة هذا المغامر الذي ولد في البندقية عام 1725 اقتصرت على علاقاته النسائية، التي اضطرته إلى الفرار من مسقط رأسه ثلاث مرات، ودفعت به إلى السجن، وحجبت جوانب أخرى لامعة في شخصيته لم يتوقف عندها أحد حتى اليوم. وليس في المدينة التي شهدت مولده وترعرع فيها سوى لوحة رخامية صغيرة تحمل اسمه، غالباً ما يتجمّع السيّاح تحتها لالتقاط الصور التذكارية.
منذ أيام قررت المدينة تكريم أشهر أبنائها بافتتاح أول متحف في العالم مخصص لكازانوفا العاشق الذي وصلت مغامراته إلى قلب الإمبراطورية الروسية في سان بطرسبورغ، والجاسوس والدبلوماسي والعالم والموسيقي والكاتب الذي كان صديقاً لفولتير وروسّو وموزار.
يقع المتحف في قصر من القرن الرابع عشر، وتقتصر معروضاته على مجموعة من الكتب والأدوات الشخصية التي كان كازانوفا يستخدمها. لكن الجولة في المتحف تبدأ عندما يضع الزائر على عينيه نظارات إلكترونية تحمله إلى عالم افتراضي يعيش فيه مغامرات كازانوفا، ويستعرض مآثره. ويقول كارلو بارودي، الذي كان صاحب فكرة إقامة هذا المتحف: «صحيح أن كازانوفا لم يكن رسّاماً أو فناناً نتمتع اليوم بلوحاته أو بأعماله الفنية. لكن حياته ذاتها كانت تحفة فنية لا بد للزائر أن يتقمّص شخصيته لكي يتمتع بها».
ويضمّ المتحف 6 قاعات ومكتبة تحوي أفلاماً وثائقية عن حياته وأسفاره، إضافة إلى بعض الملابس التي كان يرتديها ولوحات لكاناليتّو رسّام البندقية الأشهر. ويقدّم المتحف لزوّاره تطبيقاً يُحمّل على الهاتف، ويدلّ على الأماكن التي كانت أثيرة لديه في المدينة، مثل مقهى «فلوريان» الشهير الذي كان يواعد فيه عشيقاته و«ضحاياه»، وما زال قائماً بكل بهائه وفخامته إلى اليوم، وهو المقهى الذي كان يتردد عليه الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران خلال زياراته إلى البندقية. هذا المتحف هو الأول من نوعه، لكنه لن يكون الأخير، فقد تقرر افتتاح متحف آخر مماثل أواخر العام الحالي في مدينة براغ التي توفّي كازانوفا على مقربة منها، في مقاطعة بوهيميا، حيث كان يشرف على إدارة مكتبة أحد النبلاء بعد أن خرج من دائرة الشهرة، وتدهورت أحواله. كما سينظّم معرض عنه يجول المدن التي عاش وغامر فيها، من سان بطرسبرغ إلى باريس ولندن، وبرشلونة التي سجن فيها على يد محاكم التفتيش، ثم طرد منها.
تقول المحللة النفسانية ليديا فلين إن كازانوفا كانت من روّاد الحركة النسائية، ورجحّت أن مغامراته العاطفية لم تقتصر على النساء فحسب. أما الباحثة لورانس بيرغين التي ساعدت المخرج الإيطالي الراحل فيدريكو فيلّيني عندما وضع فيلمه عن كازانوفا، فهي تعتبر أن افتقاره لحنان أمه التي هجرته صغيراً كان له الأثر الأكبر في سلوكه.
هكذا يعود جياكومو كازانوفا بعد ثلاثة قرون تقريباً إلى المدينة التي شهد فيها النور... إلى البندقية التي ليست مدينة الذين يولدون فيها، بل مدينة الذين يختارون العودة إليها.
أول متحف في العالم مخصص لكازانوفا العاشق والكاتب والدبلوماسي
البندقية تكرم أحد أشهر أبنائها
أول متحف في العالم مخصص لكازانوفا العاشق والكاتب والدبلوماسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة