نيويورك في ثلاث كلمات.. ساحرة ومتنوعة وشقية

«سانت ريجس».. عنوان عملاق في مدينة ممشوقة

نيويورك في ثلاث كلمات.. ساحرة ومتنوعة وشقية
TT

نيويورك في ثلاث كلمات.. ساحرة ومتنوعة وشقية

نيويورك في ثلاث كلمات.. ساحرة ومتنوعة وشقية

إذا كنت من المحظوظين الذين حالفهم الحظ وقاموا بزيارة مدينة نيويورك، فكيف يمكنك أن تصفها بثلاث كلمات؟ هذا ما أثاره موقع «تريب أدفايزر» المتخصص بالسفر والسياحة، وكانت النتيجة ألف كلمة وكلمة، لأنه يصعب بالفعل وصف هذه المدينة بكلمات معدودة ومحدودة لا تفي بقيمتها ولا تبرز جمالها ولا تعطيها حقها، غير أن الكلمة التي ترددت في الاستطلاع كانت: «مدينة لا تنسى»، «ساحرة»، «متنوعة»، «شقية».
نيويورك هي فعلا مدينة لا تنسى، أول مرة زرتها كانت في سبتمبر (أيلول) عام 2008 عندما شاركت بتدشين رحلات «طيران الإمارات» على متن طائرة «إي 380»، واليوم وبعد خمس سنوات، حالفني الحظ مرة ثانية لأكتشف روعة جديدة قديمة في تلك المدينة المميزة، ألا وهي إعادة افتتاح فندق «سانت ريجس» بإدارة ستاروود في واحد من أعرق عناوين الإقامة في نيويورك، حيث يقع ما بين «فيفث أفنيو» والشارع الخامس والخمسين، عنوان لا يختلف عليه اثنان، كيف لا وأنت بين أحضان اثنين من أهم وأرقى شوارع المدينة، «فيفث أفنيو» و«ماديسون»، ومنه تتنشق هواء «سنترال بارك» وتتسلل إلى واجهات محلات «تيفاني» للمجوهرات، وتعيش أجمل المشاهد التي رأيتها في أهم الأفلام وتتذكر الممثلة سارة جيسيكا باركر في الحلقة الأخيرة من مسلسل «سكس إند ذا سيتي» في الجناح الرئاسي في الفندق، والممثلة بلايك ليفلي في مسلسل «غوسيب غورل» وهي تشرب كأسا من المارتيني أمام الجدارية الأشهر في «كينغ كول»، البار التابع للفندق الذي أطلق فيه المتخصص في تحضير الكوكتيلات فيرناند بيتيو مشروبا سماه «ريد سنابر»، ويعرف اليوم باسم «بلادي ماري»؟!

* فندق بمزايا تاريخية
عند دخولك إلى بهو الفندق تشعر وكأنك أبحرت في التاريخ، وأعادتك عقارب الساعة إلى حقبة غابرة.. باب دوار من البرونز، وأرضية من الرخام، وموظفو استقبال يقفون وراء مكتب من الخشب الداكن ووراءهم تصميمات من البرونز والحديد المذهب، وإلى الجهة اليسرى من البهو، تطالعك الجدارية الشهيرة في بار «كينغ كول» المفعمة بالألوان.
هذا العنوان عرف على مر السنين باستضافته النخبة والأثرياء وصانعي القرار والنجوم، ففي كل زاوية منه قصة، وفي كل طابق منه جناح يحكي قصة روعة تصميم حقيقية، فبحكم جغرافيته وقربه من محلات أهم وألمع الأسماء في عالم التصميم والموضة، تجده يخصص جناحا يحمل اسم واحد من تلك الأسماء، مثل جناح «تيفاني» المميز بلون جدران غرفة الطعام فيه بنفس لون علبة مجوهرات تيفاني الشهيرة الذي يتأرجح ما بين زرقة وخضرة البحر، وجناح آخر يحمل اسم «بينتلي» ويطغى عليه اللون الأسود والتصميمات الذكورية ويكثر فيه استخدام الجلد الطبيعي الأسود.
يخصص الفندق مساحات واسعة للغرف والأجنحة، ولا سيما في الجناح الرئاسي الذي يجمع في تصميمه الأناقة الأوروبية وديناميكية المدينة، ويطل من جهة على «فيفث أفنيو» وعلى «شارع ماديسون» من الجهة الأخرى.

* ديكورات جديدة
نجح المصممون في شركة «إتش دي سي» الشهيرة في عالم تصميم الديكور التي وضعت لمساتها على فندق «سانت ريجس» في فلورنسا المفعم بالرومانسية، في ضخ نفحة من العصرية إلى فلسفة وتاريخ وديكورات «سانت ريجس» في نيويورك، واستطاعت إنجاح زواج الماضي والحاضر من دون الإضرار بأي من الطرفين، وبعد عام من الإقفال، أعيد افتتاح الفندق بعد عملية ترميم وتغيير ديكورات في مشروع كلف ملايين الدولارات، ليعود من جديد ليكمل مشهد مسارح البرودواي القريبة منه، وعنوان الطبقة المخملية في نيويورك التي تقصد الصالون التابع له لتذوق ألذ الأطباق على يد الطاهي الإيطالي جون ديلوتشي صاحب أكثر من مطعم في نيويورك وله باع طويل في عالم الطهي الأنيق المميز، ولا بد أن تتذوق طبق السمك النهري، فمذاقه غير عادي، إضافة إلى طبق ثمار البحر، وأنصحك بالتمعن بمنظر «سلطعون» البحر وباقي ثمار البحر فهو أشبه بلوحة فنية أكثر منه طبقا آتيا من أعماق البحر.

* زيارة «تيفاني»
تربط الفندق علاقة وطيدة مع البوتيكات العالمية القريبة، ولا سيما «تيفاني»، فيمكنك التنسيق مع موظف الاستعلامات أو الكونسييرج لتنظيم زيارة خاصة إلى المشغل الخاص بالشركة، ولا يسعني القول عن هذه الزيارة إلا أنها زيارة فريدة تفتح عينيك على حيثيات صغيرة لم تكن تتنبه إليها من قبل، فالطابق الأرضي لـ«تيفاني» مخصص للعموم لمعاينة قطع المجوهرات الجاهزة، والطابق الثاني مخصص للزيارات المحجوزة بموعد مسبق، وهي عادة ما تكون مخصصة لزيارة الأزواج المقبلين على الزواج يأتون لاختيار خواتم الخطوبة والزواج، ولكن الروعة الحقيقية تكمن في الطابق الثالث في المشغل الخاص بالشركة، وفيه تجد فرصة للتعرف على هذا الفن الفريد، وهناك طابق مخصص لكبار الشخصيات، يجري فيه رسم وتصميم القطع الفريدة مع فرصة لتنسيق قطع المجوهرات مع فساتين الأعراس والمناسبات الكبرى.
وتيمنا بفيلم «بريكفاست أت تيفانيز»، يمكنك تناول الفطور في جناح «تيفاني» في الفندق، وفيه ستعيش أجمل لحظات الرقي.

12* زيارة لا بد منها في نيويورك
نيويورك أصفها وكأنها طاه متمرس يعرف كيف يحضر الأطباق للذواقة بحسب ذائقتهم الخاصة، ففيها التبضع، والثقافة، والفوضى، والهدوء، والمطاعم، والأمن، والجريمة.. وأهم من هذا كله، أنها مدينة نابضة لا يعرف النوم طريقا لها وفيها أماكن جميلة لا بد من زيارتها منها:

* «هاي لاين» High Line
سكة حديدية قديمة تمتد على مسافة نحو أربعة أميال، معلقة، ومطلة على أجمل معالم مانهاتن، كانت في الماضي تستقبل وتودع ركاب القطارات إلى أن توقف عملها، وبدلا من تركها في سبيل الاهتراء، جرى تصميمها لتكون أشبه بحدائق معلقة، تضم أجمل الأشجار والشتول، يقصدها أهالي المدينة والسياح، ويعشقها كل من زارها، وأجزم أنها من بين أجمل ما يمكن أن تقوم به في نيويورك، يمكنك أن تمشي على ممراتها الخشبية بقدر استطاعتك، فالمحطات تنفصل عن بعضها البعض من خلال سلالم تأخذك إلى أجزاء مختلفة من المدينة، وينتهي بك المطاف في «تشيلسي ماركت»، وفي هذه السوق تجد محلات الأنتيكات والمطاعم الصغيرة ومحلات بيع «مأكولات الطريق» Street Food.

* مانهاتن من فوق
تعد الرحلات الجوية على متن مروحيات «ذا مانهاتن هليكوبتر سكاي تور»، من أجمل الطرق للتعرف على مانهاتن من فوق، تستغرق الرحلة ما بين 12 و15 دقيقة، وتبلغ التكلفة نحو 130 دولارا، وتستطلع خلالها أجمل ما تزخر به نيويورك.

* مبنى «إمباير ستايت»
لا تكتمل الزيارة إلى نيويورك من دون أن تعرج إلى مبنى «إمباير ستايت» والتوجه إلى الطابق السادس والثمانين لرؤية أجمل معالم مانهاتن، ينصح بتلك الزيارة إذا كانت الأجواء صافية والسماء غير ملبدة بالغيوم.

* «توب أوف ذا روك»
هذا عنوان ثان لمحبي رؤية مانهاتن من فوق، يكفي أن تذهب إلى الطابق المخصص لرصد المدينة «أوبزيرفيري ديك» حتى ترى روعة المدينة الحقيقية، ينصح بالتوجه إلى هناك عند مغيب الشمس لالتقاط آخر نظرة للشمس وهي تغيب وراء مباني المدينة العملاقة.

* رحلة مائية
من الجو إلى الرحلات المائية، إذ تعد رحلات جزيرة مانهاتن المائية من أكثر الرحلات جمالا وراحة، تستغرق الرحلة ثلاث ساعات، تشاهد خلالها أجمل معالم مانهاتن القريبة من النهر.

* «سنترال بارك»
يعد من أشهر الحدائق المفتوحة في نيويورك، وهو معروف بحجمه الضخم وموقعه في وسط مانهاتن، إذ يبدأ من الشارع 59 إلى الشارع 110، ومن الشارع الخامس إلى الشارع الثامن، وفيه صورت مشاهد العديد من الأفلام والمسلسلات من بينها المسلسل الأميركي الأشهر «فريندس»، يمكن التعرف عليه من خلال المشي أو تأجير عربة يجرها حصان.

* «تايمز سكوير»
تقع هذه الساحة في قلب مانهاتن، ويطلق عليها اسم: «تقاطع الطرقات في العالم»، تحولت إلى شعلة حقيقية من الأنوار بعدما تعاقد عمدة نيويورك السابق رودولف جولياني مع شركة «ديزني» عام 1990، ومنذ ذلك الحين، والساحة تجذب الزوار للتمتع بأنوارها وصخبها ليلا ونهارا.

* «روكيفيللر سنتر»
ومن بين الزيارات الجميلة لرؤية المدينة من فوق، زيارة مبنى روكيفيللر، وهو مجموعة من 19 مبنى تجاريا، واقعة ما بين الشارع 48 والشارع 51 في «ميدتاون مانهاتن»، فيها يمكنك التوجه إلى طابق المشاهدة لرؤية أجزاء أخرى من المدينة، وتعد هذه الزيارة من أولويات السياح الذين يزورون نيويورك للمرة الأولى.

* حافلات سياحية
يطلق على تلك الحافلات «هوب أون آند أوف»، وتعطي الحرية الكاملة للسياح للتنقل في مختلف أرجاء المدينة، والصعود والترجل ساعة ما تشاء في المكان الذي تشاء، مع دليل سياحي يشرح عن المعالم والشوارع التي تمر بمحاذاتها الحافلة.

* ويست فيلادج وإيست فيلادج
إذا تعبت من رؤية ناطحات السحاب وتود رؤية مبان تشبه تلك التي تراها في البلدان الأوروبية، فلا بد أن تزور قريتي ويست فيلادج وإيست فيلادج، حيث تنتشر البوتيكات الصغيرة، وتشاهد المباني القصيرة المبنية على الطراز المعماري الأوروبي ومغلفة بالحجارة الحمراء، ولا تنسى أن تزور محلات «ماغنوليا» الأشهر لبيع حلوى «الكاب كيك».

* «تشيلسي ماركت»
تعد هذه السوق من الأماكن العصرية التي تشد محبي التسوق والطعام، وفيها تجد مطاعم عديدة ومحلات صغيرة تبيع الأنتيكات والملابس «الفنتيدج».

* التسوق والمشي
تعد سوهو من المناطق الجميلة التي تفي بغرض التبضع والمشي في شوارعها المتفرعة، وبعدها تصل إلى الحي الصيني «تشاينا تاون»، ومن الشوارع الجميلة التي تنتشر فيها الأسواق التجارية الراقية فيفث أفنيو وماديسون، وإذا كنت تبحث عن بضائع راقية بأسعار مخفضة فلا بد من الذهاب إلى «وودبيري»، وللوصول إليه يمكنك أن تستقل حافلة خاصة، لقاء مبلغ 30 دولارا ذهابا وإيابا، وتنطلق عدة رحلات من نقاط تجمع عديدة في وسط المدينة (للحصول على تفاصيل أكثر يمكنك الاستعانة بكونسييرج الفندق).

** نيويورك بعيون بول ناش مدير عام «سانت ريجس»
* بول ناش، بريطاني مقيم في نيويورك منذ أكثر من 20 سنة
* ما هي الأماكن المفضلة لديك في نيويورك؟
- سنترال بارك، من دون أي منازع، أعشق الألوان وتغير الفصول والمساحات الخضراء الشاسعة.
* ما هو مطعمك المفضل؟
- أحب مطعم «ريد فارم» أو «كورك باز»، الاثنان مختلفان تماما عن بعضهما، ولكن لكل منهما صفاته، وما يجمعهما هو نوعية الطعام والجو النابض.
* ما هو مشوارك المفضل في نيويورك؟
- رحلتي المفضلة هي على متن قارب «ليكزينغتون» حول مانهاتن، والذهاب لرؤية ناطحات السحاب، فهي تحبس الأنفاس في كل مرة تنظر إليها، والذهاب إلى تمثال الحرية عند مغيب الشمس، فزيارة نيويورك لا تكتمل من دون تلك الزيارات.
* ما هي أماكن السهر المفضلة لديك؟
- كل الأماكن في نيويورك نابضة بالليل كما هي بالنهار، فبعد عشاء لذيذ في أحد مطاعمها، أفضل الذهاب إلى إحدى الشرفات الواقعة على أسطح مبانيها العملاقة «روف توب» وتناول كوكتيل الفواكه، وأفضل «كوكتيل كلوب» (إي سي سي)، وتدخين السيجار في أحد صالونات السيجار الجميلة.
* ما هي أفضل النشاطات في رأيك؟
- أفضل طريقة للمحافظة على الحركة والحيوية هي ركوب الدراجة الهوائية عند الجهة الغربية لنهر هادسون، وإذا كنت من محبي دراجات «هارلي ديفدسون» مثلي، فأنصح بالقيام برحلة خارج نيويورك بمحاذاة وادي هادسون، إنها رحلة لا تنسى.
* كيف تقضي أجمل يوم في نيويورك؟
- غداء متأخر في «ويست فيلادج» أو «غرينيتش فيلادج»، وبعض التبضع في منطقة «سوهو»، وزيارة إلى «موما»، وبعدها أذهب إلى أحد المسارح في «برودواي».. هذا أجمل يوم يمكن أن تقضيه مع الأصدقاء.
* ما هي خبايا نيويورك؟
- لا أعرف من أين أبدأ! هناك مطعم «إي هول إن ذا وول»، ومتحف «فريك موزيوم»، وأجمل مكان يمكن أن تزوره في نيويورك إلى جانب «توف أو ذا روك» هو المشي على «سكاي لاين»، خط حديدي قديم جرى تحويله إلى ممشى مشجر سياحي، وأصبح اليوم من الأماكن التي يتحتم على السائح زيارتها في «التفاحة الكبيرة».

* قبل السفر
هناك نوعان من البطاقات التي تخولك الحصول على أسعار مخفضة: «السيتي باس» و«نيويورك باس»، ينصح بشراء إحداهما للتمتع بأفضل الأماكن السياحية في نيويورك بأسعار معقولة، وفي بعض الأماكن بالمجان.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».