برن... بوابة جبال الألب في انتظارك لاكتشاف متاحفها وأسواقها

عاش فيها آينشتاين ومات فيها شرلوك هولمز

ينساب معمار برن ومعالمها حول نهر آر المشهور
ينساب معمار برن ومعالمها حول نهر آر المشهور
TT

برن... بوابة جبال الألب في انتظارك لاكتشاف متاحفها وأسواقها

ينساب معمار برن ومعالمها حول نهر آر المشهور
ينساب معمار برن ومعالمها حول نهر آر المشهور

هل أثقلتك زحمة الحواضر الكبيرة المتخمة بالسكان والمزدحمة بالسيارات؟ هل مللت من وتيرة الحياة الجامحة في المدن اللاهثة في دوّامة العيش ليل نهار؟ هل سئمت الضجيج والفوضى في الخزّانات العمرانية التي يحتشد فيها الملايين يمضون نصف أعمارهم في وسائل النقل والطوابير سعياً وراء رزق يتطاير أمامهم كالسراب؟ إن كان كذلك، وكنت تنشد المدينة «الفاضلة» تستسلم في رحابها لرغد العيش وهدأة الطبيعة الساحرة، وتتمتع بجرعات مصطفاة من الفنون وتنعم بآداب التعامل مع أهلها، فالعاصمة السويسرية برن هي ضالّتك بلا تردد.
بوابة جبال الألب الشامخة هي. ينساب معمارها الكلاسيكي الأنيق حول نهر آر المشهور بتدفّق مياهه النظيفة الرقراقة، مزنّرا وسط المدينة التاريخي الذي أعلنته منظمة اليونيسكو تراثاً عالمياً عام 1983. 6 كيلومترات من القناطر المبنيّة أواخر القرن 12 ما زالت إلى اليوم تكسو الشوارع التي تزخر بالمتاجر التقليدية الصغيرة والحوانيت الحرفية التي اشتهرت بها عاصمة الكونفدرالية السويسرية منذ عام 1848، ما يجعل منها أطول وأقدم سوق مسقوفة للتجول في العالم. المباني والأزقة والساحات التي تتوسطها النوافير والتماثيل المستوحاة من تاريخ المدينة تعيدك إلى العصور الوسطى التي تعتبر برن من أبرز الشواهد على تخطيطها المدني وفنونها العمرانية وأنماطها الاجتماعية في أوروبا.
منذ سنوات تُدرج برن بين المراكز الخمسة الأولى على قائمة المدن التي تتمتع بأفضل مستوى معيشي في العالم، ويندر أن تقع على عاصمة في أوروبا حافظت مثل برن على سماتها التاريخية التي تعود لأكثر من ألف عام. فيها القصر الفيدرالي الضخم الذي يضّم مقر رئاسة الحكومة والجمعية الاتحادية، وإلى جانبه مبنى متواضع للمصرف المركزي الذي يدير بالدقة السويسرية ذائعة الصيت واحداً من أنجح الأنظمة النقدية في التاريخ.
تشتهر برن بأن نظام النقل العام فيها هو الأفضل في العالم، لكن التجوّل فيها سيراً على الأقدام متعة لا تضاهى. أولاً لقصر المسافات، وثانياً لسهولة التنقل في أحيائها وشوارعها الهادئة والأمان الذي يسودها. من برج الساعة الفلكية الذي بني في القرن 12، وأصبح الرمز الأبرز للمدينة، إلى ساحات الشوارع الضيقة المرصوفة بالحجارة الصخرية تنساب بين المباني القديمة وتحت النوافذ الأنيقة والشرفات المزدانة بالزهور، وصولاً إلى الجسر المطلّ على الحديقة الصغيرة المحاذية لمجرى النهر، حيث تسرح عائلة من الدببة هم الرمز الرسمي للمدينة منذ عام 1220.
يحكى أن مؤسس المدينة، الدوق زارينغين، وعد بأن يطلق على المدينة اسم أول حيوان يرميه في رحلة صيد كان يقوم بها، وصادف أن دبّاً كان أولى طرائده فأصبحت المدينة تعرف باسم برن المشتق من عبارة بار، التي تعني الدب باللغة الألمانية.
من المعالم الأخرى التي تشتهر بها برن جامعتها التي تأسست عام 1834، وفيها واحدة من أجمل المكتبات السويسرية المفتوحة للزوّار معظم أيام السنة. ولا تكتمل الجولة السياحية هنا من غير زيارة متاحفها الشهيرة، مثل متحف بول كلي الذي يضم أكبر مجموعة لهذا الفنان الطليعي الذي يعتبر من أهم الفنانين السويسريين، إضافة إلى مركز ترفيهي للأطفال يتدربون فيه على فك رموز الفنون ومغازيها. ولا بد من زيارة أيضاً إلى متحف آينشتاين الذي عاش في برن بين عامي 1903 و1905، حيث عمل موظفاً في مكتب البراءات السويسري، ومُنح هناك الجنسية السويسرية، كما يمكن زيارة المنزل الذي سكنه في أحد شوارع المدينة القديمة.
وإذا صادفت زيارتك لبرن أيام الأربعاء أو السبت من أي أسبوع، فعليك بزيارة الأسواق الشعبية التي تقام قبل الظهر أمام مبنى القصر الفيدرالي أو بجانب الكاتدرائية، حيث يتوافد صغار المزارعين والمنتجين من القرى المجاورة يعرضون منتجاتهم العضوية اللذيذة. أما إذا صادف وصولك إلى هذه العاصمة القرية في رابع اثنين من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، فلا مفرّ أمامك من مواكبة الاحتفالات الشعبية الفريدة بمناسبة «عيد البصل»... أو المشاركة فيها.
ومن المدن الصغيرة القريبة من برن التي تستحق الزيارة، غورتين، التي يكاد لا يوجد مبنى واحد حديث فيها، كأنها طالعة من العصور الغابرة، والمشهورة بكونها مهد جبنة ايمنتال الشهيرة منذ القرن 13، أو مدينة بييل مسقط رأس ساعات أوميغا حيث يقوم أكبر متاحف الساعات السويسرية... أو بلدة ميرينغين التي قضى المحقق البريطاني الشهير شرلوك هولمز عند أحد شلالاتها.

فنادق

Hotel Bellevue
Kochergasse 3 - 5
من أهم المعالم الفندقية في سويسرا، يعود بناؤه إلى أواسط القرن 19، وهو ملك الدولة السويسرية تستضيف فيه كبار ضيوفها. معظم غرفه مطلّة على سلسلة جبال الألب. وله شرفة ومطعم فوق مجرى النهر، ويقع على بعد خطوات من المدينة القديمة.

Hotel National
Hirschengraben 24
من أعرق الفنادق في برن، يتميّز بطرازه الكلاسيكي ومفروشاته الخشبية النفيسة وبغرفه المختلفة كلياً عن بعضها.

Hotel Schweizerhof
Banhofplatz 11
يقع قرب محطة القطار في قلب الأسواق التجارية. جرى تجديده منذ عامين مستعيداً رونقه وسمعته واحداً من أفخم الفنادق في برن.

Beauvilla
يعود هذا المبنى الخاص إلى مطلع القرن 19، تحيط به حديقة صغيرة فيها أشجار معمّرة ويقع في أجمل أحياء المدينة وأكثرها أناقة وهدوءاً. تديره عائلة، وفيه غرفتان و3 شقق صغيرة، ويقدّم خدمة موصوفة بامتيازها.

مطاعم برن تجتذب النخب والفنانين والصحافيين

Kirchenfeld
Thunstrasse 5
يقع في الحي الأنيق الذي يحمل اسمه ويشتهر بكونه ملتقى النخبة الفنية والثقافية والبرجوازية. يقدّم أطباقاً سويسرية وعالمية في قاعتين فسيحتين تزينهما مجموعة من الأعمال الفنية، وفي حديقة تظللها الأشجار خلال فصلي الربيع والصيف.

Café Federal – Entrecote
Barenplatz 31
يقع قبالة القصر الفيدرالي ولا يقدّم سوى الطبق الذي يحمل اسمه وسمك البحيرات السويسري الشهير المعروف باسم «بيرش».
Zimmermania
Brunngasse 12
مطعم على طراز «البيسترو» الفرنسي، يقع في شارع صغير وهادئ وسط المدينة القديمة. يقدّم أطباقاً عالمية كلاسيكية ويرتاده كثير من الفنانين والصحافيين.
Verdi
Gerechtigkeitsgasse 7
أشهر المطاعم الإيطالية في المدينة وأفضلها. يقع على أطراف المدينة القديمة قرب حديقة الدببة، ويتميّز بأطباق توسكانة التقليدية.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».