في تجسيد حرفي لمعاني عبارة «ذاب الثلج وبان المرج»، تفقد الساحات والحدائق مطلع الربيع في روسيا الغطاء الثلجي الأبيض وما يمثله من جمال ونقاء ونظافة، ويكشف ذوبان الثلوج البيضاء عن طبقة أخرى يهيمن عليها اللون البني الكئيب، وتكون عادة أوساخاً تراكمت تحت الثلوج، معظمها طبيعي المنشأ، مثل آخر أوراق الشجر التي تساقطت في آخر أيام الخريف، وبقايا أعشاب وحشائش فقدت رونقها وجفت، بعد شمس صيف حار وخريف بارد.
في هذه الفترة التي يذوب فيها الثلج، الممتدة بين منتصف أبريل (نيسان) وحتى مطلع مايو (أيار) من كل عام، تشهد المدن الروسية حملات عمل تطوعي، لتنظيف الحدائق والساحات الخضراء في الجامعات والمدارس، ويشارك في هذه الحملات الكبار والصغار من مختلف الفئات الاجتماعية، وتكون عادة في أيام عطلة نهاية الأسبوع. ويجري تنظيم حملات العمل التطوعي للتنظيف الربيعي على أكثر من مستوى، وغالبا تعلن بلديات المدن عن حملات في الحدائق العامة، وتدعو المواطنين للمشاركة. كما يتفق السكان على يوم عمل تطوعي لتنظيف ما خلفه الشتاء في المناطق الخضراء قرب المبنى الذي يقطنون فيه. وكذلك الأمر في المدارس ودور حضانة الأطفال، حيث يتم تحديد يوم للعمل التطوعي، وتدعو الإدارة أولياء الأمور، الآباء والأمهات، وحتى الجد أو الجدة إن رغبوا بذلك، للحضور والمشاركة مع أطفالهم في العمل التطوعي.
تقول لودميلا فاليرفنا، المربية في روضة للأطفال بمحافظة موسكو: «يوم العمل التطوعي ليس مجرد يوم لتنظيف ما تراكم تحت الثلوج من أوساخ، وإنما هو فعالية لها قيمة اجتماعية»، وأضافت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «خلال تنظيف المساحات الخضراء المحيطة بالروضة، والمخصصة للعب الأطفال، تجد الأب يقف إلى جانب ابنه أو ابنته، يعملان معا بفرح، وكأنهما يرسمان ذكرى للمستقبل»، وتؤكد أن «كثيرين نادرا ما يتوفر لديهم الوقت لقضاء يوم بأكلمه مع أطفالهم. وفي يوم العمل التطوعي ينخرط أفراد الأسرة معاً في عمل يدخل البهجة على قلوب الكبار والصغار، وتراهم يعملون بكد وكأنهم يصنعون ربيعهم الخاص».
من جانب آخر، تقول لودميلا، التي تعمل مربية منذ 30 عاماً، إن «يوم العمل التطوعي يشكل كذلك فرصة ليتعارف أولياء أمور الطلاب بعضهم على بعض، وهذا يساهم بدوره في خلق نسيج علاقات إيجابية بين الأطفال. وكذلك الأمر؛ تساهم مثل هذه الفعاليات في تعزيز العلاقات بين سكان المبنى الواحد، أو الحي، عندما يعملون معاً من أجل الحفاظ على نظافة وجمال المنطقة التي يعيشون فيها، أو التي يمضون فيها أجمل أيام الطفولة والشباب، بالنسبة للصغار في دور الحضانة والفتية في المدارس».
ومنذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، شارك أكثر من مليون مواطن في موسكو في أعمال تنظيف الحدائق والساحات الخضراء بعد أن «ذاب الثلج وبان المرج»، ولا تقتصر الأعمال في «يوم العمل التطوعي» على إزالة الأوساخ عن سطح التربة، بل تشمل طلاء المقاعد الخشبية والأحجار على أطراف ساحات الزهور، وطلاء الأشجار بمادة الكلس الأبيض لتغذيتها وحمايتها... كل هذا ضمن أجواء من بهجة تدخلها إلى الروح موجات هواء دافئة تعلن للجميع بداية الربيع.
ملايين الروس ينظفون ساحات الربيع بعد ذوبان الثلوج
ملايين الروس ينظفون ساحات الربيع بعد ذوبان الثلوج
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة