تونس: إحالة متهمين بانتهاكات حقوقية إلى {العدالة الانتقالية}

بينهم وزراء الداخلية والعدل والصحة وقيادات أمنية في عهد بن علي

رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد يصافح نظيره البلجيكي خلال لقائهما في بروكسل أمس (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد يصافح نظيره البلجيكي خلال لقائهما في بروكسل أمس (أ.ف.ب)
TT

تونس: إحالة متهمين بانتهاكات حقوقية إلى {العدالة الانتقالية}

رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد يصافح نظيره البلجيكي خلال لقائهما في بروكسل أمس (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد يصافح نظيره البلجيكي خلال لقائهما في بروكسل أمس (أ.ف.ب)

واصلت هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة مسار العدالة الانتقالية في تونس، أمس، إحالة ملفات المتهمين بانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية إلى الدوائر القضائية المختصة في العدالة الانتقالية.
ووجه القضاء التونسي منذ الثاني من مارس (آذار) الماضي اتهامات كثيرة لعدد من المسؤولين الحكوميين، خاصة أولئك الذين تقلدوا حقائب وزارات الداخلية، والذين جرى اتهامهم بالتعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة، كما جرى اتهام مسؤولين حكوميين تقلدوا وزارة العدل بالانحياز، وعدم إجراء محاكمات عادلة، بالإضافة إلى وزراء الصحة الذين اتهموا بالتدخل في تزوير تقارير الطب الشرعي.
في سياق ذلك، ينتظر أن تبدأ المحاكم المختصة في ملفات العدالة الانتقالية، انطلاقا من 29 من يونيو (حزيران) المقبل، النظر في قضية مقتل السياسي رشيد الشماخي تحت التعذيب، وهي قضية تعود جذورها إلى 27 سنة خلت، ووجهت فيها اتهامات إلى أربعة وزراء في حكم بن علي، هم البشير التكاري (وزير العدل السابق)، وعبد الله القلال (وزير الداخلية السابق)، وعبد الرحيم الزواري (وزير العدل السابق)، ومحمد علي القنزوعي (مدير عام المصالح المختصة في وزارة الداخلية)، بالإضافة إلى الصادق شعبان (وزير العدل السابق)، وكل هذه الشخصيات السياسية لا تزال على قيد الحياة، وقد وجه لها القضاء دعوة لتقديم شهاداتها حول هذه الحادثة التي أثارت ردود أفعال غاضبة وقت حدوثها.
وفي هذا السياق، أكدت سهام بن سدرين، رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة مسار العدالة الانتقالية في تونس، إحالة ملف سبعة متهمين بانتهاكات حقوق الإنسان إلى وكيل الجمهورية في المحكمة الابتدائية بالكاف (شمال غرب) قصد إحالتهم إلى الدائرة المتخصّصة في العدالة الانتقالية.
وتم توجيه تهمة القتل العمد، والتعذيب المفضي إلى الموت، والإخفاء القسري، إلى مسؤولين أمنيين، ووزير وطبيب في قضية نبيل البركاتي، الناشط السياسي بحزب العمال الشيوعي، الذي يرأسه حمة الهمامي.
وأوضحت بن سدرين وجود 21 ألف ملف يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، أغلبها تهمّ وزارة الداخلية؛ مبرزة أن الهيئة تلقت أكثر من 62 ألف شكوى في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، والاستماع إلى 49 ألف ضحية، وعقدت 13 جلسة استماع علنية تم خلالها الاستماع لـ93 شاهدا على تلك الجرائم.
وتعود قضية البركاتي إلى سنة 1987، حين قام رئيس مركز أمني بمدينة قعفور (وسط) بتوقيف المتهم بعد اتهامه بتوزيع مناشير. وقد أكدت شهادة شقيق الضحية، التي سجلتها هيئة الحقيقة والكرامة، أن المتهم تعرض لشتى أنواع التعذيب طيلة 11 يوما، قبل أن يطلق عليه النار بدم بارد في رأسه، وبعد ذلك تم العثور على جثته داخل قناة لتصريف المياه. وقد تم اتهام القاضي المكلف الملف بمحاولة تغيير تقرير الطبيب الشرعي، الذي يثبت الوفاة تحت التعذيب، بآخر ملفق.
وقبل أيام قليلة أحالت هيئة الحقيقة والكرامة ملف رشيد الشماخي، الذي ينتمي إلى حركة النهضة، والذي سجن وعذب حتى الموت في 17 من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1991؛ خلال حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وفي هذا السياق أكدت رئيسة الهيئة سهام بن سدرين أن 33 شخصا يواجهون اليوم اتهامات بـ«انتهاكات جسيمة» لحقوق الإنسان، بينهم وزراء سابقون ومسؤولون كبار في وزارات الداخلية والعدل والصحة.
تجدر الإشارة إلى أن تونس شهدت مؤخرا إحداث 13 دائرة قضائية متخصّصة في العدالة الانتقالية، في كل من العاصمة، ومدينة سوسة، وصفاقس، وقابس، والقصرين، وسيدي بوزيد، وبنزرت، والكاف، وقفصة، والقيروان، ومدنين، والمنستير، ونابل، وستتولى هذه المحاكم النظر في ملف انتهاكات حقوق الإنسان من سنة 1955 إلى نهاية سنة 2013.
على صعيد غير متصل، أدانت منظمة «أنا يقظ»، وهي منظمة حقوقية مستقلة، استغلال الأطفال في الترويج لبعض القوائم الانتخابية في حملة الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في السادس من مايو (أيار) المقبل. وقالت المنظمة إن حركة «نداء تونس» و«حركة النهضة» و«تحالف الجبهة الشعبية»، وحزب «التيار الديمقراطي»، و«الاتحاد المدني» الذي يضم 11 حزبا سياسيا، تعمدوا توظيف أطفال قُصّر من قبل مرشحين في الحملة الانتخابية؛ مؤكدة أن ملاحظيها رصدوا عشرات من حالات توظيف الأطفال القُصّر في الدعاية لمرشحي الأحزاب السياسية.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».