استجاب الرئيس اللبناني العماد ميشال عون أمس لموجة الاعتراض المتنامية تجاه المادة 49 من قانون الموازنة المتعلقة بمنح إقامة لكل عربي أو أجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان، إذ وجه رسالة إلى مجلس النواب تمنى فيها إعادة النظر في المادة قبل أن يتفق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على التريث في البت بها، ريثما يبت المجلس الدستوري بالطعن الذي تقدم به عشرة نواب وفي مقدمهم رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل، أمام المجلس بقانون موازنة 2018.
وأثارت المادة 49 من قانون الموازنة اعتراضا، سرعان ما اتسع ليشمل البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي أعلن عن مخاوف اللبنانيين من نتائج المادة مطالباً بإلغائها، «وتعديل قانون تملك الأجانب وتعليق العمل به، لأن عدد هؤلاء بات يفوق حاليا نصف شعب لبنان، والأوضاع الراهنة لا تسمح بمنح أي إقامة أو تمليك أو تجنيس أو توطين».
ورغم محاولة رئيس لجنة المال والموازنة في البرلمان إبراهيم كنعان في وقت سابق، محاصرة الجدل الذي أحيا المخاوف من توطين النازحين السوريين في لبنان، بقوله إن «إقامة الأجنبي في لبنان لا تكسبه الجنسية اللبنانية، ولو بقي ألف عام»، إلا أن البطريرك الراعي بقي متمسكاً بموقفه، وهو ما بدا أنه شكل ضغطاً كبيراً لإعادة النظر فيها.
وتحرك الرئيس عون أمس لاحتواء الجدل، حين وجه رسالة إلى مجلس النواب بواسطة رئيس مجلس النواب نبيه بري، متمنيا إعادة النظر بمضمون المادة 49 من قانون الموازنة المتعلقة بمنح إقامة لكل عربي أو أجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان.
لكن هذا الطلب، تزامن مع تقديم النائب سامي الجميل، بعد جمعه عشرة تواقيع من نواب، بطعن بقانون موازنة 2018 والمادة 49 منه أمام المجلس الدستوري. وعليه، أعلن المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية بعد ظهر أمس أنه «على أثر الطعن»، تم التشاور بين الرئيسين عون وبري بالواقع المستجد «وتوافقا على التريث في إعطاء المجرى الدستوري للرسالة الرئاسية» الموجهة لبري، وذلك «ريثما يبت المجلس الدستوري بالطعن المقدّم ليبنى بعد ذلك على الشيء مقتضاه».
ويسعى الجميل إلى أبطال القانون، ذلك أنه بمجرد قبول المجلس الدستوري للدعوى بالشكل، سيتم، قانوناً، وقف تنفيذ القانون وتجميده أو تجميد مواد فيه إلى حين صدور الحكم النهائي، إما بتحصين القانون المنشور في الجريدة الرسمية، وإما بإبطاله.
وقال الجميل من المجلس الدستوري إن «الهدف من الطعن هو وقف الخطأ الذي ارتكب بحق البلد وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح على الصعيد المالي في لبنان»، لافتا إلى أن «المخالفات في قانون الموازنة عديدة، أولا مخالفة الفقرة ط من مقدمة الدستور والمادة 83 فيما يتعلق بالمادة 49 من الموازنة والتي هي تشريع لإقامة الأجانب وخصوصا اللاجئين». وأكد أن «المجلس الدستوري أمام فرصة للتصحيح ونحن نؤمن بالمؤسسات الدستورية وأن المواجهة يجب أن تكون هنا». وأشار إلى أن البطريرك الراعي «رفض هذه المادة ورئيس الجمهورية تحفّظ عنها، ونحن نكمل عملنا كما وعدنا اللبنانيين ونوقف ضرر هذه المادة من اليوم».
وأوضح الوزير الأسبق سليم الصايغ المقرب من رئيس حزب «الكتائب» أن «قانون الموازنة يتضمن عدة انتهاكات دستورية، لكن الأهم هو البعد الذي أخذته المادة 49، ولا يمكن أن تمر لأنها تمس بالهوية اللبنانية وقضية الاستملاكات»، لافتاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه المادة التي تحتاج إلى نقاش أوسع، ولا يمكن أن تمر في قانون الموازنة، «مرت تحت ضغط إقرار الموازنة التي استعجل البرلمان إقرارها قبل مؤتمر سيدر، بالنظر إلى أن لبنان تعهد بإصلاحات لقاء الحصول على الدعم الدولي في المؤتمر» الذي عقد في باريس.
وقال الصايغ: «لا نعتبر هذه المادة جزءاً من الإصلاحات المطلوبة، بل مرت في تزامن انتهازي يثير الشبهات». وأكد أن المجتمع الدولي «لم يطلب من اللبنانيين ما يتعلق بإقامة السوريين في لبنان»، مشدداً على أن الاتصالات التي أجراها «الكتائب» مع دول مؤثرة أكدت أن المجتمع الدولي لم يطلبها من لبنان «لكن كان هناك تشاطر من قبل المسؤولين اللبنانيين للاستفادة من الظرف لتنشيط قطاع العقارات في مقاربة مصلحية مادية». وقال إن الطعن بها يأتي من واقع أن «منح الإقامة في بلد دقيق التوازنات وسلم أهلي هش واستقرار بحاجة لمظلة دولية، يأخذ إبعاداً وجودية في لبنان وليس مادية أو تجارية».
واعتبر الصايغ أن الطعن به ورسالة عون لرئيس البرلمان لإعادة النظر بالقانون «تمثل أكبر إحقاق للحق ونزع كل تشويه وتحوير للكلام وتزييف المشهد»، في إشارة إلى مقاربات سابقة اعتبرت الجدل حول المادة انتخابياً، مشيراً إلى ضغوط مارسها البطريرك الراعي لإلغاء المادة، مضيفاً: «وُضع البطريرك بأجواء مختلفة لتداعيات المادة، وكانت محاولة لتصوير الأمور بشكل مغاير للحقيقة، لكن عندما طلب الوثائق واطلع على الحيثيات، وهو مرجع قانوني كبير، انتفض»، مشدداً على أنه «لا أحد يؤثر على موقف البطريرك». وقال الصايغ إن المادة «يترتب عليها خطر من توطين مقنع تحت الأمر الواقع»، موضحاً أنه «توطين اجتماعي واقتصادي بحكم الأمر الواقع».
«إقامة الأجانب» معرّضة للإبطال بعد استجابة عون لضغوط الراعي
طلب التريث إلى حين البت بطعن الجميّل
«إقامة الأجانب» معرّضة للإبطال بعد استجابة عون لضغوط الراعي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة