الإنترنت الجديد... من الفضاء

شبكة أقمار صناعية في مدار منخفض تؤمن خدمات سريعة للمناطق النائية

الإنترنت الجديد... من الفضاء
TT

الإنترنت الجديد... من الفضاء

الإنترنت الجديد... من الفضاء

تقدّمت 11 شركة أميركية أخيرا بطلب لهيئة الاتصالات الفيدرالية وغيرها من الجهات التنظيمية المعنية بالاتصالات لبثّ إنترنت النطاق العريض من أكثر من 15000 قمر صناعي، معلنة بداية عصر جديد من الاتصالات العالمية. ولم تشهد الاتصالات التقنية في العالم تطوراً مشابهاً من ناحية الإمكانية والتفاؤل منذ انتشار خدمة التلغراف. وسيؤدي نجاح الشركات في استصدار الأذونات المطلوبة من الهيئات المشرفة وتلبية التقديرات المالية، يعني أنّ هذه الأقمار الصناعية ستساهم في ظهور مجالات جديدة، وإضعاف سطوة الأقمار الصناعية التقليدية وشركات الكابل، وتهديد تفوق شركات الألياف الضوئية في الاتصالات.
إنترنت فضائي
إلى جانب توفيرها اتصالا أسرع وأرخص بالنطاق العريض في جميع أنحاء العالم، ومع اتصالات إنترنت الأشياء المنتظرة التي يتوقع أن تشمل عشرين مليون جهاز وأداة استشعار، ستولد شبكات هذه الأقمار الصناعية فرصاً هي الأولى من نوعها في الحياة العامة والخاصة.
وقد قدّمت شركة «سبيس إكس» التي يملكها إيلون ماسك مجموعة مؤلفة من 12000 قمر صناعي تدعى «ستار لينك». وتشارك في مشروعه «غوغل» بصفة مستثمر-، كما يدعم فكرتها رئيس هيئة الاتصالات الفيدرالية. وتتوقع «ستار لينك» وصول العائدات إلى 30 مليار دولار من 40 مليون مشترك بالإنترنت بحلول عام 2025.
كما تخطّط «ستار لينك» الناشئة لتوصيل 100 ميغابايت من النطاق العريض في الثانية، أي خدمة توازي سرعتها سرعة الاتصال المتوافرة اليوم لدى غالبية سكان ولاية كولورادو الأميركية. ومن المتوقع أن تنافس شركات شبكات الألياف الضوئية البرية والبحرية في مجال خدمات المسافات الطويلة.
وينص جزء من الاتفاق الجديد على إطلاق «سبيس إكس» لنصف أقمارها الصناعية التي قدمتها خلال السنوات الستّ المقبلة. ونقل موقع «تيك كرانش» عن غواين شوتويل، مدير العمليات في «سبيس إكس» أن هذه الخطوة مهمة جداً في مسيرة «سبيس إكس» لبناء جيل جديد من شبكة الأقمار الصناعية والتي يمكنها أن تربط الكوكب بخدمة نطاق عريض موثوقة وزهيدة، تشمل الفئات المحرومة من الاتصال بالإنترنت.
كما صادقت هيئة الاتصالات الفيدرالية على منح نطاق من الترددات الإذاعية لـ900 قمر صناعي تابع لشركة «وان ويب» التي يدعمها «سوفت بانك»، و«بهارتي غروب»، و«فيرجين غروب» و«كوالكوم». وتعتزم الشركة تقديم خدمة نطاق عريض تصل إلى 2.5 غيغابايت في الثانية من الفضاء بحلول عام 2021 بينما يحظى سكان بعض الولايات الأميركية على خدمة توفّر أقلّ من 1.0 غيغابايت في الثانية.
بدورها، تخطّط شركة بوينغ لإطلاق 3000 قمر صناعي، في إطار شراكة محتملة مع آبل.
أقمار جديدة
وقد ارتفع الطلب على إطلاق الخدمات بشكل ملحوظ، إذ تخطط شركة «سبيس إكس» لمئات الإطلاقات بواسطة نظام صاروخ «فالكون» الذي تملكه، وستعتمد «وان ويب» على إطلاقات عبر شركات متعددة، مع تسجيل انضمام شركات كبوينغ و«آريان سبيس» و«فيرجن» و«أوروبيتال» إلى المعسكر نفسه. كما تعمل شركة «ستراتولانش» التي يملكها بول آلن، الشريك المؤسس لمايكروسوفت، على بناء طائرة بستة محركات لاستخدامها كمنصة إطلاق.
وسيتقلص حجم الأقمار الصناعية من حجم باص المدرسة إلى حجم الثلاجة، وربّما إلى حجم علب الأحذية. وتعمل شركات كـ«إيرباص» و«لوكهيد مارتن» و«تاليس ألينيا سبيس» على إعادة تصميم أدواتها بهدف تلبية هذا الطلب.
من المتوقع أن تشهد تقنيات الليزر واللاسلكي تطوراً ملحوظاً، إذ تعتزم «سبيس إكس» استخدام الليزر لانتقال الإشارات بين الأقمار الصناعية، الأمر الذي يعتبر تطوراً على الصعيدين التنظيمي والتقني، في ظلّ عدم حيازة الإشارات الضوئية على موافقة الحكومات، ما يعني أنّ زمن الليزر الموجّه إلى الأرض لن يصبح بعيدا.
أما هوائيات المحطة الأرضية فتأتي بحجم أصغر من إشارة «توقف!» المنتشرة على الطرقات، ويمكن تشغيل هذه الهوائيات والمعدات المرتبطة بها بالطاقة الشمسية. كما يمكن الاستعانة بالذكاء الصناعي للحفاظ على مدار الأقمار الصناعية وتوجيه الضوء للترددات الشديدة الارتفاع والقوة، باتجاه المناطق التي تحتاج إلى النطاق العريض.
سيحظى سكان المناطق النائية التي تفتقر إلى خدمات الكابل بفرصة تحديث النطاق العريض المنخفض وخدمة القمر الصناعي الضعيفة، في ظلّ التأخيرات التي تعاني منها خدماتهم اليوم، والناتجة عن وجود الأقمار الصناعية في مدارات بعيدة واستخدام تقنيات متقادمة.
وستتميز اتصالات القمر الصناعي بسرعة أكبر تفوق سرعة نقل الإشارات عبر سلك الألياف الضوئية، إذ إنّ المدارات الشديدة الانخفاض تقلل تأخيرات الإرسال، فتسافر الموجات الضوئية بدورها بسرعة أكبر في الفضاء منها في الألياف.
إرسال فضائي
يتمثل توصيل الإرسال البعيد المدى من قمر صناعي إلى آخر بقفزات تشغيلية أقلّ لتدفق بطيء للمعلومات. ومن المرجح أيضاً أن تأخذ الأقمار الصناعية مكان الكابلات في مجالات كتقنيات اللعب والأمن، التي تنظر إلى الأجزاء الصغيرة من الثانية بأهمية بالغة.
تتيح المساحة والسرعة لمزودي الإنترنت الجدد منافسة الأنظمة المدنية التي تعتمد على الكابل. وستساهم هذه المنافسة في تحسين الخدمة وتخفيض الأسعار. ولأنّ منافسا واحداً لن يتمكن بمفرده من تحمّل حجب أو خنق مزوّدي المحتوى، قد يؤدي هذا الأمر أخيراً إلى إنهاء الجدال القائم حول حيادية الشبكة.
سيرى الفضاء الخارجي ازدحاماً أكبر، ولكنّ المساحة الهائلة لهذا الفضاء ستخفف من خطر التصادم. قد تساعد رادارات الأرض في توجيه المسارات الآمنة، وستدور معظم الأقمار الصناعية ببطء مما سيجعلها تقع من المدار وتحترق خلال سبع سنوات من عملها، في حين أنّ أقماراً أخرى قد تتجه إلى الغلاف الجوي أو إلى مدار المهملات الخاص بالأقمار الصناعية بعد انتهاء صلاحيتها.
من الصعب جداً أن نتوقّع التأثير الاجتماعي لقدرات النطاق العريض الجديدة، إلا أنّ التشويش أمر لا مفرّ منه. فمع مليارات مستخدمي الإنترنت الجدد والتدفق السلس للبيانات، ستتراجع أهمية الحدود الدولية، ولكن سيطرة الحكومات على الاتصالات ستصبح أصعب من أي وقت مضى. كما ستلعب أدوات الاستشعار الجديدة دوراً في تحسين جمع البيانات للعلماء، وعرض المزيد من المعلومات على الأسواق، وزيادة دقّة التحليلات في عالم الأعمال.



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً