من بين المتع التي يشعر بها المرء لدى متابعته كرة القدم الأوروبية أنها كثيراً ما تستعين بوجوه مألوفة كانت قد ابتعدت بعض الشيء عن بؤرة الضوء منذ رحيلها عن إنجلترا لكنها تعاود التألق مرة جديدة في مكان جديد.
وينطبق هذا القول بدرجة أقل على النجوم العالميين أمثال غاريث بيل ولويس سواريز، اللذين يشاركان في ناديين دائماً ما يحتلان صدارة الأخبار، بينما ينطبق بدرجة أكبر على اللاعبين الأجانب أصحاب الشخصيات الغريبة بعض الشيء، مثل أصحاب المواهب اللافتة الذين يحظون بشهرة واسعة وإعجاب بالغ رغم أنهم على أرض الواقع لم يحققوا قط إنجازات ترقى لمستوى سمعتهم، أو من يختفون فجأة عن الأنظار ليعاودوا الظهور مرة أخرى خلال مقابلة صحافية ليشتكوا من الطعام والناس والطقس وجميع عناصر «حياة الجحيم التي يعيشها في إنجلترا».
وإذا ما رغبنا في تذكير أنفسنا بالعالم القائم فيما وراء الدوري الإنجليزي الممتاز، يكفينا إلقاء نظرة على فوز مارسيليا الفرنسي في دور ربع النهائي من بطولة الدوري الأوروبي أمام لايبزيغ الألماني. خلال المباراة، استعان الفريق الفرنسي بكوستاس ميتروغلو في مركز متقدم، بجانب عدد من العناصر الأخرى التي تثير ذكريات من الماضي في نفوس المشجعين الإنجليز. خلال المباراة، سجل فلوريان توفان، الذي سبقت له محاولة إبهار جماهير نيوكاسل، هدفاً في الدقيقة 38، ونجح ديميتري باييه، الذي جرى النظر إليه كبطل داخل وستهام يونايتد قبل أن يرحل بصورة رديئة عن النادي، في تسجيل هدف حاسم معتمداً على مهاراته الرفيعة.
وتدفقت ذكريات الماضي أكثر فأكثر بعد اللحظة السحرية التي سجل خلالها باييه الهدف. وسار الحال على منوال مشابه على أرض الملعب الأولمبي (أولمبيكو) في إيطاليا، حيث نجح روما في إلحاق الهزيمة ببرشلونة والدفع به خارج بطولة دوري أبطال أوروبا، مع بلوغ فدريكو فازيو مستوى من الإبداع الدفاعي لم نره منه أبداً في أثناء مشاركته في صفوف توتنهام هوتسبر. كما أثبت ألكسندر كولاروف وإدين دزيكو أن ثمة حياةً بعد الرحيل عن مانشستر سيتي.
وليس المقصود هنا توجيه النقد إلى قرار جوسيب غوارديولا ببيع كولاروف الصيف الماضي، أو إخفاقه في العودة بآلة الزمن إلى عام 2015 للحيلولة دون رحيل دزيكو عن مانشستر سيتي عام 2015. بالتأكيد، كان ثمة قدر كبير من سوء الحظ بالنسبة إلى غوارديولا أن يسحق دزيكو برشلونة في ذات الليلة التي سقط فيها مانشستر سيتي أمام ليفربول، لكن هذا ربما يسهم في إقرار سابقة خطيرة إذا ما أُجبر غوارديولا على تحمل اللوم عن الأشياء التي حدثت قبل توليه مسؤولية تدريب مانشستر سيتي. وأين قد ينتهي بنا ذلك؟ ربما قريباً سيجد نفسه مضطراً إلى الاعتذار عن الهدف الذي سجله جيمي بولوك في مرماه وقرار ضم رودني مارش للنادي.
الأهم عن ذلك، أن دزيكو ربما لم يكن ليتوافق مع مانشستر سيتي بوجهه الحالي، ذلك أن اللاعبين الذين يشاركون في مركز «المهاجم الواحد الصريح» نادراً ما يلفتون أنظار غوارديولا. ومع أنه سبق أن فكر في الاستعانة بلاعب في هذا المركز في أثناء تدريبه برشلونة، فإن الحال انتهى به إلى الاعتماد على زلاتان إبراهيموفيتش، بجانب أنه لم يتوافق تماماً مع روبرت ليفاندوفسكي داخل بايرن ميونيخ. وعليه، فإنه ربما في نهاية الأمر كان المدرب سينظر إلى دزيكو باعتباره لاعباً تقليدياً على نحو مفرط.
ومع هذا، تظل الحقيقة أن هناك أكثر من أسلوب للعب كرة القدم، حتى وإن كان الأسلوب الذي يطرحه غوارديولا الأكثر دقة وإثارة للمتعة. كان من الرائع مشاهدة دزيكو وهو يسحق برشلونة، خصوصاً أنه من الصعب تذكر لحظة قدم خلالها المهاجم البوسني مثل هذا المستوى الرفيع من الأداء القوي عندما كان في صفوف مانشستر سيتي. في الواقع، سجل اللاعب عدداً لا بأس به من الأهداف المهمة خلال فترة وجوده في الدوري الإنجليزي، منها هدف التعادل الذي سبق هدف الفوز الحاسم الذي سجله سيرغيو أغويرو في مرمى كوينز بارك رينجرز عام 2012. بجانب اضطلاعه بدور فاعل كلاعب بديل. كما عاون دزيكو مانشستر سيتي في الفوز ببطولات، وسجل 72 هدفاً على امتداد 4 أعوام ونصف العام ولاقى قبولاً كبيراً من جانب الجماهير. ومع هذا، ظل هناك دوماً شعور بوجود إمكانات غير مستغلة لدى اللاعب، وكان مستحقاً لأن يكون عنصراً بالتشكيل الأساسي للفريق.
ودعونا لا ننسى أن دزيكو جرى وصفه باعتباره ماركو فان باستن الجديد عندما انضم إلى مانشستر سيتي في يناير (كانون الثاني) 2011. وكان قد عاون فولفسبرغ على تحقيق إنجاز تاريخي باقتناص بطولة الدوري الألماني الممتاز عام 2009. وتمكن اللاعب من تأكيد مكانته باعتباره أعظم هداف تنجبه منطقة البوسنة والهرسك، وبدا قادراً على التألق في إطار بطولة الدوري الإنجليزي. ومع هذا، فإنه إذا ما أردت التعرف على السبب وراء سماح مانشستر سيتي برحيله، فإن حقيقة تسجيله 3 أهداف فقط على مدار 4 مواسم في بطولة دوري أبطال أوروبا ربما تشكل نقطة بداية جيدة.
وبحلول وقت انضمامه إلى روما، بدا أن سحره تلاشى. وبالفعل، بدا أنه يواجه صعوبات شديدة خلال عامه الأول في الدوري الإيطالي. وخلال موسمه الثاني هناك، تمكن من إحراز 39 هدفاً في جميع المسابقات، ثم سرعان ما ارتقى بأدائه هذا العام إلى مستوى مبهر تجلى بشكل خاص في صولاته وجولاته في دوري أبطال أوروبا. وقد سجل هدفاً متميزاً خلال المواجهة أمام تشيلسي والتي انتهت بالتعادل 3 - 3 على أرض معلب ستامفورد بريدج في أكتوبر (تشرين الأول) خلال مباريات دور المجموعات، علاوة على تسجيله هدفاً حاسماً في شباك شاختار دونتيسك، ونجح في بث الحياة في فريقه في وقت قاتل منذ أسبوعين فقط داخل استاد كامب نو.
وحقق روما حلمه الذي كان بعيد المنال وخارج التوقعات، بوصوله إلى نصف النهائي رغم خسارته ذهاباً خارج ملعبه أمام العملاق الإسباني برشلونة 1 – 4، قبل أن يحقق الإنجاز إياباً بفوزه بين جماهيره بثلاثية نظيفة.
لقد كانت لحظة التألق الحقيقية لدزيكو، حيث أظهر اللاعب مهارات قيادية مميزة ونجح في تشتيت انتباه مدافعي برشلونة غيرارد بيكيه وصامويل أومتيتي بقوته ومهارته الملحوظة في التعامل مع الكرات العالية قبل أن يمنح روما زخماً هائلاً بفوزه بركلة جزاء خلال الشوط الثاني.
ويستعد دزيكو، البالغ 32 عاماً، لمواجهة الغد في الدور قبل النهائي لبطولة دوري أبطال أوروبا، حيث سيكون على موعد مع مواجهة ليفربول وزميله السابق محمد صلاح، ومن يدري ربما قصته كانت لتتخذ منحى مغايراً تماماً لو أن تشيلسي نجح في ضمه من جديد إلى الدوري الممتاز في يناير الماضي.
مونتشي المدير الرياضي للنادي أشار إلى أهمية دزيكو وقال: «نعم، بفضل تألقه بإمكاننا التفكير بدوري الأبطال، التفكير في الوصول للنهائي. الآن هو وقت الحلم، لأن الأحلام التي تبدو مستحيلة لا تحقَّق إلا خلال اليقظة. إلى الأمام روما».
دزيكو يعود للتألق ويقود روما في نصف نهائي دوري الأبطال
أثبت أن خروجه من مانشستر سيتي ليس دليلاً على فشله في الدوري الإنجليزي
دزيكو يعود للتألق ويقود روما في نصف نهائي دوري الأبطال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة