«محور الممانعة» يلجأ لأصوات المجنسين السوريين لتحسين فرص مرشحيه في الانتخابات المقبلة

TT

«محور الممانعة» يلجأ لأصوات المجنسين السوريين لتحسين فرص مرشحيه في الانتخابات المقبلة

مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقررة في السادس من مايو (أيار) المقبل، بدأت القوى السياسية تلعب بأوراقها الأخيرة في هذه المعركة لتحقيق فوز مرتجى، ووصولها إلى البرلمان بكتل وازنة، لتعزز موقعها في مرحلة ما بعد الانتخابات. ومن أبرز هذه الأوراق ورقة المجنسين السوريين، التي تجعل المرشحين الموالين للنظام السوري، وما يعرف بـ«محور الممانعة»، أكبر المستفيدين منها، خصوصاً أن هؤلاء المجنسين قادرون على التأثير على النتائج في عدد من المناطق، وإن بنسب متفاوتة.
وعشية الاستحقاق بدأ المعنيون باستقطاب أصوات المجنسين في إحصاء أعدادهم ورصد أماكن إقامتهم، لكنّ المجنسين السوريين المقيمين في لبنان، وبعضهم في منطقة جبل محسن في طرابلس وبلدات في عكّار ذات الغالبية العلوية، «ينتظرون كلمة السرّ من السفارة السورية في لبنان، كما ينتظر المجنسون المقيمون في الداخل السوري، تعليمات أجهزة المخابرات السورية التي تحدد لهم اللوائح المطلوب التصويت لها، قبل أن ينتقلوا إلى لبنان»، وفق ما أفاد مصدر علوي في جبل محسن، حيث أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأكثرية العلوية في طرابلس وعكّار توالي النظام السوري و(المقاومة) في لبنان (حزب الله)، وهي ستنتخب من يمثّل هذا النهج». وأوضح أنه «في غياب التمثيل الحقيقي للطائفة العلوية ونفي قيادتها (رفعت عيد الذي لجأ إلى سوريا بسبب ملاحقات قضائية بحقه، على خلفية معارك جبل محسن وباب التبانة ما بين 2011 و2014)، فإن أصواتنا ستصبّ لصالح الأقرب إلى خياراتنا، ونحن على تشاور مع حلفائنا في لبنان وفي سوريا»، مشيراً إلى أن كل المرشحين العلويين على لوائح طرابلس وعكّار لا يمثلون أبناء جبل محسن لأنهم في جبهة أخرى.
ويثير مرسوم التجنيس الذي صدر في العام 1994، بإيعاز من الوصاية السورية وشمل آلاف السوريين وغير السوريين، غضب المسيحيين الذين وجدوا فيه إخلالاً بالتوازن الديمغرافي، باعتبار أن 90 في المائة ممن شملهم المرسوم هم من السنة الذي كانوا يوالون النظام السوري وآلاف العلويين والشيعة، وعدد قليل من المسيحيين.
عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب نعمة الله أبي نصر، الذي قدّم طعناً بمرسوم التجنيس، وعلّقه مجلس شورى الدولة، اعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «مخاطر التجنيس العشوائي تظهر في كل استحقاق انتخابي». وأكد أن «هناك آلاف المجنسين السوريين لا يعرفون لبنان، ولا يأتون إليه إلا في الانتخابات، وكان يتم استقدامهم في الدورات السابقة بباصات كبيرة ليدلوا بأصواتهم ويقبضوا المال، أما الآن فهم يقبضون المال وينتخبون وفق الإيحاءات السياسية في آنٍ واحد»، مشيراً إلى «أصوات هؤلاء المجنسين في بعض المناطق تقلب التوازن رأساً على عقب، بحيث تجعل من الأقلية أكثرية ومن الأكثرية الحقيقية أقلية».
لكن في الإحصاءات الرقمية، تبدو الصورة مختلفة، حيث رأى الباحث في «الشركة الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، أن الناخب المجنس «بات تأثيره محدوداً في الانتخابات بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، لأن معظمهم كان يخضع بالترغيب تارة، والترهيب تارة أخرى، لإرادة الوصاية السورية». لكنه كشف أن هناك نحو ستة آلاف مجنس يقيمون في الساحل السوري في طرطوس واللاذقية وأريافهما، ينتخبون في طرابلس وعكّار، وهؤلاء سيصوتون لمرشحين موالين للنظام السوري مثل لائحة وجيه البعريني في عكار، ومرشحين آخرين في طرابلس، بالإضافة إلى ألفي مجنس سوري يقيمون في دمشق وريفها الغربي، ينتخبون في دائرة زحلة (البقاع)»، مشيراً إلى أن «العلويين اللبنانيين والمجنسين الموالين للنظام السوري، لم يقولوا كلمتهم بعد، وهم رهن التعليمات التي تأتيهم من دمشق عبر سفارتها في بيروت».
من جهته، شرح النائب أبي نصر أبعاد مرسوم التجنيس وخطورته، لافتاً إلى أنه «ضرب التوازنات في البلد، وأخلّ بالديمغرافيا اللبنانية، عندما جرى تجنيس ربع مليون شخص بمرسوم فقط، خلافاً للمادة السادسة من الدستور، التي تنصّ على أن إعطاء الهوية اللبنانية واكتسابها وحفظها وفقدانها يحدد بقانون يصدر عن مجلس النواب»، مشيراً إلى أن «المرسوم أعطى الجنسية خلافاً للقانون لنحو 250 ألف شخص، والآن وبعد 24 سنة، بات عددهم أكثر من نصف مليون شخص».
وفي تقدير الخبير الانتخابي محمد شمس الدين، فإن «تأثير المجنسين السوريين في العملية الانتخابية بات محدوداً». وقال إن «نحو 3500 مجنس سوري ينتخبون في عكار، يمكن أن يعززوا وضع لائحة البعريني، لكن لا يستطيعون قلب المعادلة، لأن القوة المطلقة للناخب السنّي الذي يميل بغالبيته لـ(تيار المستقبل)»، لافتاً إلى «إمكانية تغيير المعطيات في مدينة زحلة بأصوات نحو 2000 مجنس». وشدد على أن قضاء زحلة «يضم 50 ألف مجنس من الطائفة السنيّة، لكنّ هؤلاء لبنانيون، ويقيمون في لبنان منذ مائة عام، ولم يحصلوا على الجنسية أسوة بأبناء منطقتهم، وهؤلاء أخذوا حقهم في الجنسية»، مشيراً إلى أنهم «بغالبيتهم يؤيدون (تيار المستقبل) وينتخبون مرشحيه».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.