«تراشق» في مجلس الأمن... وتحذير أميركي من «تطبيع» الكيماوي

خلال جلسة مجلس الأمن عن سوريا أمس (إ.ب.أ)
خلال جلسة مجلس الأمن عن سوريا أمس (إ.ب.أ)
TT

«تراشق» في مجلس الأمن... وتحذير أميركي من «تطبيع» الكيماوي

خلال جلسة مجلس الأمن عن سوريا أمس (إ.ب.أ)
خلال جلسة مجلس الأمن عن سوريا أمس (إ.ب.أ)

تراشقت روسيا الاتهامات مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها في القاعة المفتوحة لمجلس الأمن أمس الجمعة بسبب ما آلت إليه الأوضاع في سوريا على أثر التقارير عن استمرار نظام الرئيس بشار الأسد في استخدام الأسلحة الكيماوية، وآخرها في مدينة دوما، وما تبعها من تهديدات غربية في محاولة لما سمته المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي «إعادة تطبيع» استعمال الغازات المحظورة دولياً منذ نحو مائة عام، ومن أجل وضع حد للإفلات من العقاب على رغم مواصلة موسكو استخدام حق النقض، الفيتو.
وبطلب من روسيا، عقد مجلس الأمن جلسة مفتوحة طارئة للنظر في «التهديدات للأمن والسلم الدوليين: الوضع في الشرق الأوسط» وقدم فيها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إحاطة اعتبر فيها أن «الوضع في سوريا يمثل أخطر تهديد للسلم والأمن الدوليين، لما تشهده البلاد من مواجهات وحروب بالوكالة ينخرط فيها عدة جيوش وطنية وعدد من جماعات المعارضة المسلحة، والكثير من الميليشيا الوطنية والدولية، والمقاتلين الأجانب من كل مكان في العالم، والجماعات الإرهابية المختلفة». وإذ عبر عن غضبه من التقارير المستمرة حول استخدام أسلحة كيماوية في سوريا، أكد أن «خطورة الادعاءات الأخيرة تتطلب إجراء تحقيق شامل باستخدام خبرات محايدة ومستقلة ومهنية»، معلناً «دعمه الكامل لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وبعثتها لتقصي الحقائق في إجراء التحقيق اللازم حول تلك الادعاءات». وأكد أن «المسؤولية الجماعية تحتم ضمان المحاسبة على الاستخدام المؤكد للأسلحة الكيماوية»، لأن «غياب المساءلة يعزز موقف من قد يستخدمون تلك الأسلحة، بسبب اطمئنانهم بأنهم سيفلتون من العقاب». وحذر من أن «التهديد الذي نواجهه اليوم: خروج الوضع عن نطاق السيطرة».
وعلى الأثر، تحدث المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا الذي اتهم الدول الغربية بأن «هدفها الوحيد في سوريا هو الإطاحة بالحكومة الشرعية» بقيادة الرئيس بشار الأسد في سوريا، داعياً الزعماء الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين إلى «الامتناع عن القيام بعمل عسكري» ضد هذا البلد. وقال: «ترسل قوات إضافية من البحرية الأميركية وحلفاء الولايات المتحدة إلى سواحل سوريا. وهناك شعور بأن واشنطن اختارت نهجاً واضحاً لتنفيذ سيناريو عسكري في سوريا». وأضاف أنه «لا يجوز السماح بذلك. وإن مثل هذا التطور للأحداث يهدد بعواقب وخيمة على الأمن العالمي، وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار وجود قوة عسكرية روسية في سوريا». وإذ ذكر بما حصل في العراق وليبيا، اعتبر أن «التصرفات غير المسؤولة للولايات المتحدة التي تنتهك القانون الدولي وسيادة الدول غير لائقة بالنسبة لدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن». وحذر من أن «الأحداث تتطور وفقاً لسيناريو خطير له عواقب بعيدة المدى على الأمن العالمي»، مضيفاً أنه «في حال وقوع ذلك، ستكون كامل المسؤولية على عاتق الولايات المتحدة وحلفائها». وحض الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على «العودة إلى رشدها وإلى مجال القانون الدولي، وألاّ تدفع العالم نحو حافة الخطر». وشدد على أنه «يجب البحث عن حلول سلمية في سوريا في إطار جهود جماعية»، مبدياً استعداد روسيا «لتعاون متكافئ مع كل الشركاء لتسوية المشاكل من خلال الحوار».
وتبعته المندوبة الأميركية نيكي هيلي التي انتقدت روسيا بحدة لطلبها مناقشة «التهديدات الأحادية» المتعلقة بسوريا، معتبرة أن «روسيا تتجاهل التهديد الحقيقي للسلم والأمن الدوليين الذي جلبنا إلى هنا». وقالت إن «ما ينبغي مناقشته هو استخدام الأسلحة الكيماوية القاتلة للمدنيين السوريين الأبرياء» في «واحدة من أكثر انتهاكات القانون الدولي وأكثرها فظاظة في العالم». وأضافت أن الرئيس دونالد ترمب «لم يتخذ بعد قراراً في شأن الإجراءات المحتملة في سوريا. لكن إذا قررت الولايات المتحدة وحلفاؤنا التصرف في سوريا، فستكون دفاعاً عن مبدأ نتفق عليه جميعاً. سيكون دفاعاً عن قاعدة دولية حازمة تستفيد منها كل الدول». وأوضحت أن «استخدام الأسد الأخير للغاز السام ضد الناس في دوما لم يكن استخدامه الأول أو الثاني أو الثالث أو حتى التاسع والأربعين للأسلحة الكيماوية». وأفادت أن «الولايات المتحدة تقدر أن الأسد قد استخدم الأسلحة الكيماوية في الحرب السورية 50 مرة على الأقل. التقديرات العامة عالية تصل إلى 200». وكشفت أنه «في الأسابيع التي تلت هجوم الأسد بغاز سارين في أبريل (نيسان) الماضي والذي أودى بحياة نحو 100 شخص، بما في ذلك الكثير من الأطفال، استخدم النظام غاز الكلور مرة واحدة على الأقل وربما ثلاثة أضعاف في نفس المنطقة». وأضافت أنه «في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مع انتهاء صلاحية آلية التحقيق المشتركة، هاجم النظام شعبه بالسارين مرة أخرى في ضواحي دمشق». وفي يناير (كانون الثاني) الماضي «استخدم الأسد أربعة صواريخ مملوءة بالكلور على الأقل في دوما. ثم ضرب مرة أخرى في نهاية الأسبوع الماضي. وبفضل روسيا، لم يكن هناك هيئة للأمم المتحدة لتحديد اللوم» على الجهة الفاعلة. وقالت: «ستتضرر كل الدول وجميع الناس إذا سمحنا للأسد بتطبيع استخدام الأسلحة الكيماوية».
وكانت هيلي قالت للصحافيين إنه يجب عدم التسرع في التحرك عسكرياً في سوريا، لكنها أكدت أنه «في وقت ما يجب القيام بأمر ما» حيال هذا الملف، مع «عدم التسرع في قرارات كهذه» لئلا يؤدي الأمر إلى ارتكاب أخطاء. وأفادت أن الرئيس دونالد ترمب يجري تحليلاً لكل المعلومات ويتخذ إجراءات لتجنب أي تداعيات غير مرغوب فيها. وأضافت: «علينا أن نعرف أن هناك إثباتات وعلينا أن نعرف أننا نتخذ كل إجراء احترازي ضروري في حال تحركنا».
وأكد نائب المندوب الصيني وو هياتاو أن «الإجراءات العسكرية الأحادية والالتفاف على مجلس الأمن وسلطته أمور تتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة»، مطالباً المجلس بأن «يتولى مهماته في سياق الحفاظ على الوحدة والتوافق وبذل كل الجهود للحفاظ على السلام». وحض «صون وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها»، ومضيفاً أن «لا حل عسكريا للأزمة في سوريا بل هناك حل سياسي عبر الحوار».
وطالب المندوب الفرنسي فرنسوا دولاتر بوقف التصعيد الكيماوي السوري، مؤكداً أن «الأمم المتحدة لا يمكنها أن تدع نظاماً كنظام الأسد يتحدى مجلس الأمن والقانون الدولي في الوقت نفسه». وقال إنه «في مواجهة الفظائع الجماعية التي ارتكبت في سوريا، تعرض عمل مجلس الأمن للشلل بسبب الاستخدام المتتالي لحق النقض، الفيتو من قبل روسيا، لا لهدف إلا حماية النظام السوري». وأكد أن «ترك دمشق تملك هذه القدرة لتجاوز كل معاييرنا هو ما يشكل تهديداً للأمن الدولي»، مشددا على أن بلاده «ستتحمل مسؤولياتها» بعدما بلغ النظام السوري «نقطة اللاعودة».
وتحدثت المندوبة البريطانية كارين بيرس، قائلة: «إننا هنا اليوم وبشكل رئيسي بسبب استخدام الأسلحة الكيماوية في دوما»، مضيفة أن «استخدام هذه الأسلحة لا يمكن أن يمر من دون محاسبة وعقاب». واعتبرت أن «روسيا تريد حماية حليفها بأي ثمن». واعتبرت أن «سوريا هي الأحدث في التسلسل الزمني الخبيث لاستهتار روسيا بالقانون الدولي وعدم احترامها المؤسسات الدولية التي بنيناها معا للحفاظ على سلامتنا الجماعية». وأضافت أن «الوقوف مكتوفين، وتجاهل متطلبات العدالة والمحاسبة والحفاظ على نظام عدم الانتشار، هو ما يضع أمننا، وليس فقط أمن الشعب السوري، تحت رحمة الفيتو الروسي».
وعبر المندوب السويدي أولوف سكوغ عن ترحيب بلاده ببعثة تقصي الحقائق التي أرسلتها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى سوريا، معرباً في الوقت ذاته عن «خيبة أمل كبيرة» بسبب عجز مجلس الأمن في التعامل مع الأزمة. وكرر أن مشروع القرار الذي وضعته بلاده يمكن أن يساعد على إيجاد مخرج من الوضع الراهن.
وبعد كلمات لبقية أعضاء المجلس، حذر المندوب السوري بشار الجعفري من أنه «إذا فكرت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أنها قادرة على مهاجمتنا فسنتصدى لها ولن نسمح لأحد بأن يعتدي على سيادتنا».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».