واشنطن تتريث بقرارها... وتتابع مفتشي الكيماوي

TT

واشنطن تتريث بقرارها... وتتابع مفتشي الكيماوي

بعد اجتماع استمر عدة ساعات بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وفريق الأمن القومي والقادة العسكريين مساء الخميس، أعلن مسؤولو البيت الأبيض أنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي بشأن رد الولايات المتحدة على الهجوم الكيماوي على الدوام الأسبوع الماضي. وقالت سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض: «لم يتم اتخاذ قرار نهائي، نحن مستمرون في تقييم تقارير الاستخبارات ونقوم بمحادثات مع شركائنا وحلفائنا».
وأشارت مصادر بالبيت الأبيض إلى الرغبة في انتظار نتائج لجنة مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، إضافة إلى الاستمرار في النقاشات مع الدول الأوروبية حول الرد الأمثل عسكرياً وسياسياً واقتصادياً والاستعدادات اللازمة لمنع تكرار استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين.
وهدأت حدة التصريحات الحاشدة لضربة أميركية ضد سوريا، رغم التحركات لحاملات طائرات ومقاتلات أميركية للتمركز عند الساحل الشرقي للبحر المتوسط، مقابل تحركات روسية لتحريك منظمات دفاع صاروخية وإعادة نشرها بعيداً عن المطارات السورية المشتبه في استهدافها.
ويقول المحللون إن إدارة ترمب قد تتأخر في الجدول الزمني لشن ضربات، لكن احتمال المواجهة العسكرية للجيش الأميركي وجيوش الحلفاء الأوروبيين لا يزال مرتفعاً. وقال بول روجرز الخبير والباحث بمركز الديمقراطية المفتوحة بواشنطن، إن أمام واشنطن 3 خيارات ما بين عمل رمزي يشمل ضربات ضد القواعد الجوية السورية بصواريخ كروز بشكل أكبر من الضربة العسكرية العام الماضي. والخيار الثاني ضربة موسعة لإلحاق الضرر بالقدرات العسكرية للنظام السوري بما يكفي لردع النظام عن استخدام الأسلحة الكيماوية. والخيار الثالث هو عمل عسكري موسع وكبير يستهدف إنهاء نظام الأسد.
ويستبعد الباحث السياسي كلاً من الخيارين الأول والثالث، مشيراً إلى أن شخصية ترمب وتغريدات ومواقف مستشاريه، مثل جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي، ومايك بومبيو رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية، تجعل من المستبعد شن ضربة رمزية محدودة. كما أن إنهاء النظام ليس هدفاً في جدول أعمال الولايات المتحدة ويتطلب توسيعاً كبيراً لنطاق استخدام القوة وتحركات لقوات برية، كما أنها عملية محفوفة بكثير من المخاطر وتنطوي على مواجهة مع القوات الروسية والإيرانية.
من جانب آخر، صرح بول رايان رئيس مجلس النواب الأميركي، بأن من حق الرئيس الأميركي مهاجمة النظام. وقال في تصريحات للصحافيين أمس: «تخويل استخدام القوة العسكرية الحالي يمنح الرئيس السلطة التي يحتاجها للقيام بما قد يفعله أو لا يفعله». وقال ريان: «ما أكره أن أفعله في هذا الوقت الذي نواجه فيه تهديدات في جميع أنحاء العالم، ولا سيما من داعش، تقييد أيدي العسكريين». وقال إن «الرئيس يتخذ موقفاً متأنياً ودقيقاً للغاية في هذا النهج، فمن المهم بالنسبة لنا، مساعدة المجتمع الدولي في جهود مساءلة الأشخاص المسؤولين عن هذه الفظائع».
في المقابل، عارضت زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي رأي ريان، بإصرارها على أن يسعى ترمب للحصول على موافقة الكونغرس على ضربات جديدة محتملة ضد سوريا.
من جانبه، قال السيناتور المحافظ راند بول إن «الولايات المتحدة تحارب منذ 18 عاماً، وأعتقد أننا يجب أن نعلن النصر ونعيد قواتنا إلى الوطن. فبالفعل، لقد انتصرنا، ولم يعد هناك أي من الأشخاص الذين خططوا أو هاجموا الولايات المتحدة في 11 سبتمبر (أيلول) على قيد الحياة».
ويعمل المشرعون في مجلس الشيوخ على طرح مشروع قانون جديد بعد أن توصل أعضاء لجنة العلاقات الخارجية إلى تسوية بخصوص بنود التعديل على تخويل استخدام القوة العسكرية الحالية. ويعمل رئيس لجنة العلاقات الخارجية بوب كوركر مع الديمقراطي تيم كين على تحديد أبعاد النقطة الوحيدة المتبقية المعنية بالمدة الزمنية للتخويل.
وتقول مصادر بالكونغرس إن مجلس الشيوخ يرغب في تمرير تعديل محدود المدة لتجنب الوضع الحالي الذي تعمل الإدارة بمقتضاه. وفي مشاورات جانبية، علمت «الشرق الأوسط» أن كوركر أكد للجنة أن فريقه في طور كتابة المسودة النهائية لعرضها على أعضاء اللجنة قبل طرحها على بقية أعضاء مجلس الشيوخ. ومن المتوقع أن يطلب كوركر آراء «الشيوخ» بخصوص مشروع القرار الأسبوع المقبل في 19 الشهر الحالي.
إلى ذلك، قال مصدر مسؤول بوزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»، إن الولايات المتحدة الأميركية تنتظر التقارير الرسمية التي تنتج عن تحقيقات منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في سوريا، إذ تعمل المنظمة على جمع عدد من المعلومات وتفحص المواقع التي حدث فيها الهجوم الكيماوي، مؤكداً أن تلك التقارير والنتائج ستحدد موقف الولايات المتحدة من هذا الهجوم، وبحث الرد المناسب عليها.
وأشار إلى أن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أعلنت في وقت سابق أنها ستكون على أرض الواقع لجمع أدلة الهجوم الكيماوي، وترى واشنطن في تلك المنظمة جهة محايدة قادرة على جمع هذا النوع من الأدلة، معتبراً أنها تقوم بعمل مهم وشاق في الوقت نفسه وصعوبة الحصول على الأدلة في منطقة حرب. وأضاف: «هذه بيئة خطرة للغاية لأي شخص يدخل، لذا حتى تتمكن منظمة حظر الأسلحة من الذهاب إلى تلك المنطقة وجمع العينات، فإنه أمر مهم وشاق ودورهم مهم ومهم للحكم على مجربات الأمور واتخاذ الرد المناسب الذي يعمل عليه الرئيس ترمب وإدارته بالتعاون مع حلفاء واشنطن».
وأشار المصدر إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تبحث عن استجابة منسقة، مهما كانت تلك الاستجابة للحالة في سوريا، لذلك تحدث الرئيس ترمب مع تيريزا ماي رئيس الوزراء البريطانية، وتحدث أيضاً مع إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي، إضافة محادثات بين وزير الخارجية بالنيابة مع بوريس جونسون وزير خارجية بريطانيا، مشيراً إلى أن كل تلك المحادثات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالبيت الأبيض مع مجلس الأمن القومي، وغيرهم من الشركاء والإدارات في هذا الشأن.
بدوره، قال جيرالد فايرستاين السفير الأميركي الأسبق لدى اليمن ومدير الدراسات الخليجية والعلاقات الحكومية بمركز الشرق الأوسط في العاصمة واشنطن، إن احتمالية الرد الأميركي على الاعتداءات الوحشية من قبل النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية قد تكون واردة بشكل كبير، إذ إن واشنطن تتشاور مع أقرب حلفائها فرنسا والمملكة المتحدة، للتحضير لاستجابة مشتركة لهجوم الأسلحة الكيماوية السورية. ولفت فايرستاين خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط» إلى أن الجيش الأميركي يعمل على نقل الأصول والمعدات العسكرية من أميركا ومناطق الاستعداد العسكري إلى مقربة من مناطق الصراع، وذلك لمنح الرئيس دونالد ترمب أوسع مجموعة من الخيارات المتاحة، إذا ما اتخذ القرار العسكري بتصميم الرد الحركي على الهجوم السوري، «بيد أنه حتى الآن لم يكن هناك قرار نهائي بطلب العمل العسكري».
واعتبر أن تصريحات جيمس ماتيس وزير الدفاع الأميركي بأن وزارة الدفاع تجري عمليات تقييم الآن هي بمثابة استعداد، وكانت هناك أيضاً اجتماعات لمجلس الأمن القومي، وكذلك اجتماعات مماثلة من كبار المسؤولين في المملكة المتحدة في لندن، وجميع تلك التحركات تنبئ بتحرك موحد عسكري.
وفيما يخص الأسلحة التي قد تلجأ إلى واشنطن في استخدامها، قال الدبلوماسي الأميركي السابق جيرالد فايرستاين، إن الجيش الأميركي يعد أكبر مجموعة من الخيارات لنظر الرئيس ترمب، وقد تشمل مجموعة متنوعة من أنظمة الأسلحة بما في ذلك الطائرات دون طيار، أو صواريخ توماهوك التي هي صواريخ كروز، وتطلق من السفن والغواصات، «لكني لا أعرف ما إذا كان قد تم اتخاذ أي قرارات حول طريقة الهجوم أم لا».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».