يخصص مزاد الفن الحديث والمعاصر من الشرق الأوسط بدار «بونامز» جانباً مهما من معروضاته للفن المصري الحديث والمعاصر. فتحت عنوان «نهضة مصر» يقدم مجموعة من أعمال كبار الفنانين المصريين في القرن العشرين وحتى الوقت الحالي. العنوان إشارة إلى التمثال الأيقوني الذي يحتل أحد ميادين القاهرة وهو للمثال محمود مختار، يتحدث عن نهضة مصر ممثلة في الفلاحة الممشوقة الواثقة والناظرة للأمام معتمدة على تمثال أبو الهول رمز الحضارة والماضي الثري.
لكن نهضة مصر في المزاد أيضاً تعني النهضة الفنية وبدايات الحركات الفنية المختلفة، ويزيد على المعنى مدير قسم الفن الشرق أوسطي الحديث والمعاصر بدار «بونامز»، نيما ساغارشي، قائلاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن المزاد يتزامن مع الاحتفال بمئوية إنشاء كلية الفنون الجميلة بالقاهرة باعتبارها أول مدرسة للفنون في العالم العربي بأكمله. يضيف: «في حين قدمنا مزادات سابقة تركز في معظم معروضاتها على بلد معين مثل العراق أو لبنان، فإننا في هذا المزاد نتناول مئوية كلية الفنون الجميلة بالقاهرة التي أسسها الأمير يوسف كامل. من خريجي المدرسة نقدم أعمال لـ20 أو 30 من الأجيال المختلفة التي درست في الكلية العريقة».
بشكل عام، يشير ساغارشي إلى أن مصر يمكن رؤيتها من منظور تطور الفن في منطقة الشرق الأوسط. ففي البلدان العربية الأخرى كان الفنانون يسافرون لأوروبا لدراسة الفن، وبالنسبة لمصر بتكوينتها الحضارية والاختلاط المدهش في الجاليات التي عاشت هناك، فكان الحال منعكساً. مصر كانت مكاناً اختلطت فيها الجنسيات اليونانية والإيطالية والفرنسية، وكان الفنانون الأجانب يقيمون مراسم لهم هناك.
أكاد أشير لـساغارشي بأن الفنان السكندري محمود سعيد، وهو من أهم الفنانين في المزاد، درس في إيطاليا، لكنه يستبق التساؤل بقوله: «رغم أن الفنان محمود سعيد درس في إيطاليا وفرنسا، لكنه تلقى تدريبه الفني في الإسكندرية وعلى يد فنانين إيطاليين. فهناك تأثيرات داخلية تبرز في أعمال فناني المصر أكثر من التأثيرات الأوروبية».
يضيف ساغارشي: «من الأشياء المهمة والمثيرة للتفكير هنا، أن معظم هؤلاء الفنانين انحدروا من خلفيات أرستقراطية، لكن معظم الموضوعات التي دار حولها فنهم كانت عن الناس العاديين. كمثال نرى الفنان محمود سعيد وهو خال الملكة فريدة، والفنان سيف وانلي وهو أرستقراطي مالك أراضٍ. لكن فنهم كان متركزاً على حياة القرية والفلاحين».
من اللوحات التي يقدمها المزاد لسعيد لوحة «فتاة بفستان منقوش» ولوحة «قناة المحمودية».
بالنسبة للفنان محمود سعيد، هناك موجة من الاهتمام به على مستوى السوق الفنية، واهتمام أكبر بأعماله، أطرح الفكرة على ساغارشي الذي يعلق: «سعيد حالة فريدة ومثال مهم، كفنان أنتج سعيد عدداً قليلاً نسبياً من اللوحات 300 – 400، وهو عدد قليل بالنسبة لفنان شرق أوسطي يعمل في تلك الفترة. الأمر الثاني المميز للفنان هو أنه الفنان الوحيد الذي يوجد كتاب شامل لأعماله «كاتالوج ريزونيه»، هو أكثر الفنان دُرس من قبل الأكاديميين، وهذا كان أمراً جيداً لمعرفة الناس بفنه، وأيضاً بالنسبة لمبيعات أعماله، وكذلك من ناحية سهولة الحصول على معلومات عنه».
ويشير إلى أن الفنانين الآخرين لم يحالفهم الحظ بمؤسسات تفهرس وتوثق أعمالهم مثلما حدث مع سعيد، وهو ما مثل صعوبة للباحثين والأكاديميين.
وماذا عن التقدير الواضح لأعماله؟ يؤكد ساغارشي، أن الفنان السكندري وأسلوبه المميز والتشكيلات الجمالية في أعماله ساهمت في تقريب أعماله «حتى بين هؤلاء الذين لا يعرفون الثقافة المصرية».
الروح المصرية الخالصة التي نراها في لوحات سعيد هنا وبخاصة في لوحة «الفتاة المتأملة» وهي على غلاف كاتالوغ المزاد، كانت عنصر جذب للمتذوقين الأوروبيين والعرب.
إلى جاب سعيد، يحتفل المزاد بالفنان المصري الراحل والمبدع حسين بيكار، ويضم لوحة «عازف الربابة» التي يتوقع لها سعر يتراوح ما بين 35 ألف جنيه إلى 50 ألف جنيه مصري، يشير ساغارشي إلى أن حسين بيكار من الفنانين الذين «يجب أن تدرس أعمالهم؛ فهو مثقف وشاعر وموسيقي وكاتب مسرحيات».
يشترك بيكار مع سعيد وغيرهما من الفنانين المعروضة أعمالهم في المزاد في استخدام ما اعتبروه الصورة المصرية الخالصة. الملاحظ في فناني القرن العشرين بمصر، أنهم ينحدرون من المدن الكبرى، وينتمون إلى طبقات أرستقراطية وثرية، لكنهم وصلوا للنتيجة نفسها عند بحثهم عن الصورة المصرية الخالصة والمعبرة عن ثقافة الماضي والحاضر، يقول ساغارشي: «بدأوا في التفكير في صورة مصر الحقيقية ووصلوا للنتيجة نفسها، وهي تصوير حياة القرية والنوبة والصعيد. رأوا الناس هناك نماذج للشخصية المصرية الأصيلة. وحسب ما يقول بيكار وهو مثقف وعارف باللغتين الفرنسية والإنجليزية في مذكراته إن الروح المصرية الأصيلة لا توجد في شوارع القاهرة، لكن في قرى النوبة وأسوان، هؤلاء الفنانون وصلوا للنتيجة نفسها، وأنتجوا أعمالاً بأساليب أوروبية، لكن موضوعاتها كانت مصرية بحتة». يضرب مثالاً آخر بالفنانة تحية حليم التي قضت معظم وقتها تسافر في النوبة وترسم لوحاتها هناك.
بالنسبة لفناني الجيل الثاني، نرى أساليب طليعية، فؤاد كامل، وماهر رائف، وعفت ناجي، وإنجي أفلاطون كلهم كانوا جزءاً من حركة فنية «الفن والحرية» وأيضاً حامد ندا، استمروا بموضوعات صور مصرية، لكن بأساليب سيريالية.
وماذا عن التأثير الفرعوني؟ أسأله بينما تتجه عيني لتمثال من عمل الفنان آدم حنين يبعث في ذهني صورةً لتمثال فرعوني، يوافقني ساغارشي الرأي قائلاً: «في كل الشرق الأوسط كان هناك بحث الذات والهوية الوطنية بعد الوجود العثماني، لبنان بحثت عن إرث الفينيقيين ومصر لجأت للفراعنة».
«نهضة مصر»... مزاد لندني يقدم التحية لفناني القرن العشرين
الفنان محمود سعيد يتصدر بلوحة «فتاة بفستان منقوش»

فتاة بفستان منقوش لمحمود سعيد - عازفة البزق للفنان حسين بيكار
«نهضة مصر»... مزاد لندني يقدم التحية لفناني القرن العشرين

فتاة بفستان منقوش لمحمود سعيد - عازفة البزق للفنان حسين بيكار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة