هناك بضع مفاجآت وردت في المؤتمر الصحافي الذي أقامه رئيس مهرجان كان السينمائي الدولي بيير لسكور ومديره الفني تييري فريمو صباح يوم أمس، الثاني عشر من هذا الشهر، يتعلق معظمها بالاختيارات الرسمية التي تم الإعلان عنها خلال المؤتمر.
أهم هذه المفاجآت بالنسبة للسينما الآتية من دول عربية على الأقل، وجود فيلمين عربيين ضمن المسابقة التي تحتوي على 19 فيلماً، حتى الآن مع احتمال إضافة فيلم واحد لاحقاً.
الفيلمان يأتيان من أهم سينمات المنطقة العربية حالياً: لبنان ومصر.
الفيلم اللبناني هو «كابرنوم» أو «كفر ناحوم» بالعربية، وهي قرية ساحلية أسستها سلالة حسمونيان اليهودية قبيل ولادة المسيح واستمرت لأقل من مائة عام قبل أن يحتل الرومان فلسطين. هل هو فيلم تاريخي يستمد أحاديث وردت في الكتب المسيحية أو اليهودية؟ أو هو إسقاط الحاضر على الماضي؟ أو هو شيء مختلف تماماً عن هذا وذاك؟
الاختيار مفاجئ بحد ذاته مهما كان موضوع الفيلم، والأكثر مدعاة للتعجب أن الإخراج هو لنادين لبكي، المخرجة اللبنانية التي شهدت نجاحين كبيرين في السنوات الماضية. الأول سنة 2007 وعنوانه «كراميل» والثاني سنة 2011 بعنوان «وهلأ لوين؟». كلاهما نال جوائز مختلفة لكن ليس من بينها جائزة رئيسية أو رسمية أولى.
الفيلم الثاني هو «يوم الدين» لأبو بكر شوقي، وفي حين أن تمويل فيلم «كفر ناحوم» ربما جاء بالشراكة مع مؤسسات إنتاج أوروبية، فإن المؤكد أن الفيلم المصري إنتاج محلي بالكامل ومن شركة جديدة اسمها «دزرت هايواي بيكتشرز».
هو فيلم رحلة داخل مصر لمسيحي مصاب بمرض الجذام يبحث في الماضي والحاضر على حد سواء.
المعلومات المتوفرة عن كلا الفيلمين شحيحة لكن تييري فريمو وجدهما مناسبين جداً للمنافسة في رحى المسابقة التي تحتوي كذلك على أكثر من ناحية لافتة أخرى هذا العام.
عودة سبايك لي
من أهم ظواهرها هذه السنة أنه، وبعد نقد دام لسنوات، استبدل المهرجان زبائن قدامى بآخرين جدد. ففي السابق انتقد البعض (غالباً من الإعلاميين) حقيقة أن المهرجان يعتمد في دوراته على الأسماء المعهودة ذاتها. زبائنه من الأسماء المهمة لكن حضورهم عاماً بعد عام بات أشبه بتقليد مفروض أكثر منه تقديراً مفترضاً.
هذه السنة نجد عدة أسماء جديدة في هذا السباق الكبير من الأفلام بعضها لمخرجين غابوا سنوات عدة قبل عودتهم هذا العام، وبعضهم الآخر جديد كحال اللبنانية نادين لبكي والمصري أبو بكر شوقي أو ما زال يعتبر جديداً نسبة للعدد المحدود من الاشتراكات السابقة في إطار المهرجان.
من بين هؤلاء الإيطالية أليس روراوشر التي أنجزت نجاحاً نقدياً كبيراً عبر فيلمها «الأعاجيب» قبل ثلاثة أعوام. كذلك الفرنسي ستيفان بريز الذي سبق له وأن شارك داخل مسابقة دورة عام 2015 بفيلم «مقياس رجل». كذلك الفرنسية إيفا أوسون التي تتقدم للمسابقة لأول مرة وذلك فيلم عاطفي عنوانه «فتيات الشمس».
أما من بين المخضرمين فنجد الأميركي سبايك لي الذي كان لمهرجان «كان» فضل اكتشافه عالمياً عندما قدم فيه فيلميه «افعل الشيء الصحيح» (1989) و«حمى الغابة» (1991). الفيلم الذي يعود به يحمل اسماً مركباً هو Blackkklansman وهو جمع بين كلمات ثلاث Black وKlan وMan ويدور بالفعل حول شريف بلدة أسود ينجح في دخول جماعة الكوكلس كلان العنصرية البيضاء.
هناك أيضاً ظاهرة وجود أربعة أفلام من جنوب شرق آسيا، وهي نسبة أعلى قليلاً من المعتاد لكنها ما زالت أقل بكثير من نسبة الاشتراكات الأوروبية التي تضم 4 أفلام فرنسية التمويل وفيلم روسي واحد وإيطاليين وبولندي وإسباني.
هذا الفيلم الإسباني هو الذي كنا أشرنا إليه أولاً قبل بضعة أيام كونه الفيلم الثالث للمخرج الإيراني أصغر فرهادي الذي يحققه بتمويل أوروبي بعد «الماضي»، 2013 و«البائع»، 2016. عنوانه «الكل يعرف» وتمويله فرنسي - إسباني مشترك وناطق باللغة الإسبانية كوم الأحداث تقع في مدريد من بطولة خافيير باردم وبينيلوبي كروز.
المفاجئ إلى حد وجود فيلم إيراني في المسابقة هو فيلم جعفر باناهي وعنوانه «ثلاثة وجوه». مثل أعماله الأخيرة التي بعث بها (سراً!) إلى مهرجانات دولية، حقق باناهي هذا الفيلم بعيداً عن أعين السلطة الإيرانية كونه محتجزا بقرار من المحكمة في بيته الساحلي وممنوع عليه العمل.
موضع خلاف
في مؤتمره الصحافي أعلن فريمو أن الخلاف الناشئ مع شركة «نتفلكس» لا يزال عالقاً، لكنه نأى عن مسؤولية هذا الوضع عندما ذكر أن الشركة الأميركية العملاقة بعثت بفيلمين أرادت إشراكهما في المسابقة. الفيلم الأول (لم يفصح عن عنوانه) تم رفضه لأن الشركة أصرت على عدم قبولها توزيعه سينمائياً في صالات العرض. والثاني هو «الجانب الآخر من الريح» (The Other Side of the Wind) وهو مشروع كان المخرج أورسون وَلز بدأه قبل رحيله سنة 1984 بسنوات لكنه لم يستطع إكماله بسبب عدم وجود التمويل آنذاك. المخرج بيتر بوغدانوفيتش، الذي تعرف على وَلز وحقق فيلماً عنه، أشرف على نقل هذا المشروع إلى موضع التنفيذ بعدما تمّت إضافة مشاهد ناقصة. حسبما هو منشور في المصادر، فإن الفيلم ما زال يحمل اسم أورسون وَلز مخرجاً.
السبب الذي أبدته إدارة «كان» لعدم عرض هذا الفيلم هو أن «نتفلكس» أرادته داخل المسابقة لكن المهرجان لم يوافق عليه فتم سحبه.
في هذا القول تناقض ناتج عما إذا كان السبب وراء رفض الفيلم الآخر في المسابقة، بسبب امتناع الشركة على عرضه في الصالات الفرنسية، لا ينطبق بالضرورة على هذا الفيلم. بكلمات أخرى، ماذا لو وافقت نتفلكس على عرض «الجانب الآخر للريح» خارج المسابقة، ألا يقع المهرجان في ازدواجية معايير؟
إنها واحدة من المسائل التي ستبقى عالقة لحين ربما قريب. «نتفلكس» أكثر من أمازون، كمنافس لها في سوق العروض المباشرة إلى المنازل، لديها مخزون من الأفلام الجديرة فنياً وكمضامين يقف وراءها بعض أشهر المخرجين العاملين حالياً أمثال رتشارد لانكلاتر وج س شاندور و(الكوري) جون - هو بونغ الذي تم تقديم فيلمه «أوكجا» رسمياً في «كان» العام الماضي وسط احتجاج نقابة أصحاب دور العرض الفرنسية وفي غضون إعلان إدارة كان عن عدم رغبتها في استقبال أفلام تنتج مباشرة للمنازل.
لكن السؤال إذن هو ماذا لو أن فيلم مارتن سكورسيزي المقبل «الآيرلندي» هو الذي ستتقدم نتفلكس به في العام المقبل؟ هل سيتحمل «كان» نتيجة قراره هذا أو يتراجع عنه؟