لم يتوقف نزيف العملة الإيرانية بعدما تلقت أقوى صدمات مقابل سعر الدولار، أول من أمس، منذ بداية تأزم سوق العملة الإيرانية خلال الأشهر الأخيرة. وسارعت الحكومة الإيرانية، على لسان أكثر من مسؤول في تشكيلة الرئيس حسن روحاني، للدفاع عن أدائها ضد الانتقادات اللاذعة التي وجهتها الصحف الموالية والمنتقدة للحكومة، وذلك على الرغم من إعلان المتحدث باسم الحكومة محمد رضا نوبخت أن تلك الانتقادات «مقبولة».
وقالت وكالة «إيسنا» أمس، إن بعض محلات الصيرفة تداولت الدولار بسعر وصل إلى 6100 تومان. وبموازاة ذلك سرت شائعات في المواقع الإيرانية حول احتمال بيع الدولار المزيف، في وقتٍ أشارت تقارير إلى استمرار تدفق الإيرانيين للوقوف في طوابير الحصول على العملات الأجنبية، على رأسها الدولار. فيما أجمعت تقارير أغلب المواقع على فقدان الدولار في الأسواق الإيرانية.
على نقيض ذلك، زعمت وكالة «إيرنا»، الناطقة باسم الحكومة الإيرانية، أن سعر الدولار شهد تراجعاً دون 6000 تومان بعد الساعة الرابعة بالتوقيت المحلي، وأشارت إلى أن السعر الرسمي توقف عند 5888 توماناً.
حدث ذلك بعدما بدأت شركات بتروكيماويات مملوكة للحكومة في ضخ الدولار بالأسواق الإيرانية، وذلك في خطوة مماثلة للشهر الماضي، عندما تعاونت تلك الشركات لامتصاص الطلب في السوق، بحسب تقرير «إيرنا».
وأفادت الوكالة بأن شركة «جم» للبتروكيماويات أعلنت عن ضخ الدولار إلى الأسواق، بهدف دعم الاقتصاد الوطني ومواجهة المتاجرين بالعملة.
واختصر نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري، الأزمة الاقتصادية، ولا سيما تدهور سوق العملة، بقوله إن الحكومة «لن تسمح بزعزعة استقرار الاقتصاد الإيراني عبر الصدمات الخارجية وافتعال الأجواء الداخلية».
وفي أول موقف للحكومة الإيرانية، قال محمد رضا نوبخت، المتحدث باسم الحكومة ومساعد الرئيس الإيراني في شؤون الميزانية والتخطيط، فی مؤتمر صحافی، إن «أوضاع السوق من المؤكد على خلاف رغبتنا»، مضيفاً أن الحكومة «توظف جميع طاقات النظام لإصلاح سوق العملة»، معرباً عن أمله في إعادة التوازن إلى السوق.
وتعليقاً على الانتقادات التي طالت حكومة روحاني، قال نوبخت إنها «انتقادات في محلها، ويجب أن نبذل جهداً مع زملائي في السوق»، لافتاً إلى «اتخاذ سياسات أوسع في هذا المجال». ورهن نوبخت عودة التوازن إلى سياسات أوسع من مجال عمل البنك المركزي. وكشف عن تشكيل لجنة خاصة لمراقبة أسعار الدولار، مشيراً إلى أن روحاني وجه تعلیمات إلى نائبه الأول إسحاق جهانغيري بشأن تأسيس اللجنة من دون تسريبها إلى وسائل الإعلام.
وبحسب نوبخت، فإن اللجنة عقدت اجتماعاً الأحد، لافتاً إلى أنها «ستباشر تنفيذ الخطط بعد أيام».
من جانبه، قال علي ربيعي وزير العمل، أمس، إن ارتفاع سعر الدولار «ليس له منطق اقتصادي وينخفض بسرعة»، متهماً خصوم الحكومة بالسعي وراء «إظهارها بشكل ضعيف»، وفق ما نقلت عنه وكالة «إيسنا» الحكومية.
في غضون ذلك، توجه رئيس البنك المركزي ولي الله سيف إلى مقر البرلمان الإيراني، وناقش أسعار العملات الأجنبية في حضور لجنة الاقتصاد خلف الأبواب المغلقة في البرلمان الإيراني، قبل أن يخرج إلى وسائل الإعلام للرد على أسئلة الصحافيين. ونقل موقع البرلمان الإيراني عن سيف قوله إنه يتوقع عودة التوازن إلى أسعار الدولار.
وعن أجواء الاجتماع، قال إنه أجرى نقاشاً «جيداً» بحضور وزير الاقتصاد مسعود كرباسيان ونواب البرلمان.
في المكان نفسه، قال وزير الاقتصاد مسعود كرباسيان إن «أسباب التهاب سوق العملة ليست اقتصادية»، مشدداً على ضرورة مساءلة الأجهزة الأمنية.
وتابع كرباسيان، في تصريحات للصحافيين، إنه «لم يحدث أي طارئ في الاقتصاد الإيراني».
يأتي ذلك، في حين يلوح نواب البرلمان، منذ شهرين، باستجواب روحاني بسبب تدهور الوضع المعيشي والاقتصادي، لا سيما في وقت تواجه الحكومة انتقادات بسبب أداء الفريق الاقتصادي.
ولم يقتصر تدهور أسعار العملة مقابل التومان الإيراني، إذ شهدت أسعار الجنيه الإسترليني واليورو تسجيل أرقام قياسية بموازاة الدولار، كما سجلت العملة الذهبية (بهار آزادي) أرقاماً قياسية، وهو ما ترك آثاره على سعر الذهب في الأسواق.
وفي إيران، العملة الرسمية هي الريال، لكن أسواق المال والسوق الإيرانية تعتقد التومان، والفرق بينهما أن التومان أقل في عدد الصفر من الريال.
وتصدرت أزمة الدولار، أمس، الصفحات الأولى، وبينما انقسمت الصحف الإصلاحية بين منتقدة لسياسات إدارة العملة الإيرانية، ومؤيدة لسياسة روحاني الاقتصادية، وجهت الصحف التابعة للتيار المحافظ و«الحرس الثوري» انتقادات لاذعة لفريق روحاني الاقتصادي. وتبادلت الصحف اتهامات حول وقوف الحكومة وراء الأزمة، أو استهداف الحكومة.
ولعبت صحيفة «آرمان» على شائعات متداولة في شبكات التواصل الاجتماعي الإيراني حول تجهيز أطراف إيرانية، على رأسها «الحرس الثوري»، لـ«انقلاب على الحكومة». وشبهت الصحيفة ما يحدث في السوق بـ«الانقلاب عبر الدولار» في عنوانها الرئيسي. فيما قالت صحيفة «سازندكي» إن أطرافاً تقف وراء تفاقم «فتنة الدولار».
واستندت عدد من الصحف الإصلاحية والمحافظة والاقتصادية على آراء خبراء اقتصاديين، لانتقاد سياسة روحاني الاقتصادية.
وأثارت صحيفة «صبح نو» التابعة لـ«الحرس الثوري»، على صفحتها الأولى، فرضيتين لارتفاع سعر الدولار، الأولى تأثير التشكيلة الجديدة للحكومة الأميركية في الضغط على إيران، لا سيما بعد تعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي، والفرضية الثانية هي الحكومة «العاجزة».
وقال الخبير الاقتصادي حسين راغفر، في تصريح لموقع «رويداد 24»، «إننا نشاهد انهيار الاقتصاد الإيراني»، مضيفاً أن «اقتصاد إيران يسير على خطى فنزويلا».
واتهم راغفر بعض الأجهزة غير الحكومية بضخ سيولتها المالية من الريال إلى أسواق المال، بهدف رفع الأسعار، وإثارة الالتهاب، للحصول على أهدافها الاقتصادية وتضعيف موقف الحكومة.
وعزا أستاذ العلوم السياسية ما يحدث في الأسواق الإيرانية إلى «أجواء العصابات والجماعات التي تعمل في مجال الريع الاقتصادي»، لافتاً إلى أنها اللاعب الرئيسي في سوق العملة.
نزيف العملة الإيرانية مستمر وإدارة روحاني تعتبر الانتقادات «مقبولة»
الحكومة تعد بخطط لإعادة التوازن للأسواق... والصحف تتبادل الاتهامات
نزيف العملة الإيرانية مستمر وإدارة روحاني تعتبر الانتقادات «مقبولة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة