أصبح انتقال اللاعبين الكبار من كرة القدم الأوروبية إلى الدوري الأميركي الممتاز أمراً معتاداً خلال السنوات الأخيرة، بعدما رأينا لاعبين مشاهير يلعبون على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي في المراحل الأخيرة من حياتهم الكروية، مثل ستيفن جيرارد وديفيد بيكام وديفيد فيا وتيري هنري وأندريا بيرلو وفرانك لامبارد وكاكا، والآن العملاق السويدي زلاتان إبراهيموفيتش. لكن اللافت أن تقع أنظار الكشافة على لاعبين شباب مغمورين يشاركون في بطولات الهواة أيضاً على غرار الإنجليزي جاك إليوت.
لقد كسر إليوت القاعدة التي دأبت أندية كرة القدم الأميركية على اتباعها بالتعاقد مع اللاعبين المخضرمين، الذين تعدوا الثلاثين من عمرهم، ويبحثون عن الحصول على مقابل مادي كبير قبل الاعتزال.
وُلد جاك إليوت، الذي يلعب في مركز قلب الدفاع بنادي فيلادلفيا يونيون الأميركي، في العاصمة البريطانية لندن، لكنه لم يلعب كرة القدم على المستوى الاحترافي سوى في الولايات المتحدة، بعدما لفت أنظار أحد الكشافة، وهو يلعب لأحد فرق الهواة في لندن. وكان الانتقال من دوري يوم الأحد للهواة للعب في الدوري الأميركي الممتاز، من خلال فريق جامعة «ويست فيرجينيا»، بمثابة سيناريو خيالي للاعب البالغ من العمر 22 عاماً.
وفي أول ظهور له في الدوري الأميركي الممتاز العام الماضي، لعب إليوت أمام لاعبين كبار مثل ديفيد فيا وسيباستيان جيوفينكو وجوزي التيدور، وعن ذلك يقول: «لقد كانت تجربة مجنونة أن ألعب أمامهم. لحسن الحظ أنني بدأت اللعب مع فريقي الجديد في مباراة سهلة، إذ كانت أول مباراة لي على ملعبنا أمام ديفيد فيا! لكنها كانت بداية رائعة. إنه واحد من أصعب المهاجمين الذين لعبت أمامهم، ولا تزال تحركاته وسرعته على مستوى عالمي، ما يجعله خصماً صعباً للغاية».
من المؤكد أن رقابة لاعب حاصل على لقب كأس العالم مع منتخب إسبانيا يختلف تماماً وكلية عن اللعب أمام مهاجم مغمور في ملعب طيني في جنوب لندن، لكن إليوت يقول إنه تعلم كثيراً من خبراته السابقة التي اكتسبها من اللعب مع الشباب والهواة في إنجلترا. وقد لفت إليوت الأنظار إليه عندما كان يلعب مع فريق أولد ويلسونيانز أمام والتون كاجوالز في كأس ساري الممتاز للهواة، وانطلق بعدها للعب كرة القدم على المستوى الاحترافي. يقول اللاعب الشاب: «لعبت في أكاديمية فولهام لمدة عام عندما كنت في الثانية عشرة من عمري، ثم رحلت عن الأكاديمية، ولعبت في دوري يوم الأحد ودوري المدارس. ومع تقدمي في السن انتقلت للعب كرة القدم مع الرجال، حيث شاهدني أحد المدربين (دان ستراتفورد) من جامعة ويست فرجينيا - حيث كان يلعب في المباراة نفسها. سألني عما إذا كنت أريد أن أذهب وألعب هناك ولم أتردد للحظة واحدة».
لقد كان الأمر بمثابة اقتراح مثير للغاية بالنسبة لمراهق يعشق كرة القدم حتى الجنون، الذي طالما حلم بأن يلعب كرة القدم على مستوى احترافي، لكن الانتقال فجأة لمسافة 3500 ميل يعد أمراً شاقاً للغاية أيضاً. ولحسن الحظ، وصل إليوت إلى وست فرجينيا ليجد إعداداً رائعاً للاعبين، سواء داخل الملعب أو خارجه. يقول إليوت: «أنت تتدرب كلاعب محترف كل يوم تقريباً، وكل شيء يسير بطريقة احترافية بشكل مدهش، فالمرافق من الدرجة الأولى والملاعب رائعة، ويحظى اللاعب باهتمام كبير ولديه كافة المعدات التي يحتاجها من أجل التدريب».
ويسمح النظام الجامعي بالولايات المتحدة للرياضيين الشباب الواعدين بالجمع بين الرياضة والتعليم. فهل من الممكن اتباع النهج نفسه في أوروبا؟ يقول إليوت، الذي حصل على منحة دراسية أكاديمية لدراسة نظم المعلومات الإدارية: «لست متأكداً من أن هذا النظام هو الأفضل من حيث إنتاج لاعبين جيدين، لكنه يساعد في جذب الشباب الذين ربما انضموا من قبل لإحدى الأكاديميات الكبرى. إن الالتحاق بنظام الكلية يسمح لك بالحصول على شهادة، وهو أحد الأسباب التي جعلتني لم أفكر في الأمر للحظة واحدة. لكن مستوى كرة القدم والمرافق والمشجعين هو شيء ربما لم أكن أراه لو بقيت في إنجلترا».
لعب إليوت، الذي يصل طوله إلى 196 سنتيمتراً، 68 مباراة لفريقه الجامعي خلال الفترة بين عامي 2013 و2016، قبل أن ينضم لنادي فيلادلفيا يونيون في بداية العام الماضي في الجولة الرابعة مما يطلق عليه اسم «مشروع سوبر»، وهو حدث سنوي تستقطب فيه أندية الدوري الأميركي الممتاز اللاعبين الذين تخرجوا من الجامعة.
يقول إليوت: «لقد كان أحد أفضل أيام حياتي على الإطلاق. كنت قد قضيت الكثير من الأوقات في فيلادلفيا من قبل واستمتعت هناك حقاً، بالإضافة إلى أنها ليست بعيدة كثيراً عن وست فرجينيا».
وشارك إليوت في أول مباراة له في الدوري الأميركي الممتاز في شهر مارس (آذار) العام الماضي عندما شارك كبديل في المباراة التي خسرها فريقه بهدفين مقابل هدف وحيد أمام دي سي يونايتد. وعلى الرغم من النتيجة المخيبة للآمال، قدم إليوت أداءً جيداً، وسرعان ما أصبح أحد العناصر الأساسية في الفريق الذي يقوده المدير الفني جيم كورتين.
يقول إليوت: «لقد حدث كل شيء بسرعة كبيرة. في المباراة الثانية من الموسم كنت ضمن قائمة الـ18 ثم لعبت 45 دقيقة أمام دي سي يونايتد. لقد أظهرت في تلك المباراة أنه يمكنني أن أتحمل ضغط اللعب في الدوري الممتاز. وفي الأسبوع التالي، بدأت في التشكيلة الأساسية للفريق. أنا ممتن جداً لذلك. عندما أخبرني المدير الفني بأنني سأشارك قمت بعمليات الإحماء، ولم يكن أمامي متسع من الوقت للتفكير فيما سيحدث. ربما كان من الجيد أنه لم يكن أمامي الكثير من الوقت للتفكير في ذلك، فقد قمت بعمليات الإحماء ونزلت لملعب المباراة ولعبت بطريقتي المعتادة».
قد يكون من الصعب على المدافعين الشباب بصفة خاصة أن يحجزوا مكاناً أساسياً لهم في تشكيلة فرقهم، وذلك لأن العديد من المديرين الفنيين لا يرغبون في المخاطرة بالدفع بلاعبين أصحاب خبرات محدودة في هذا المركز الحساس. لكن مع نهاية موسم 2017 كان إليوت قد شارك في التشكيلة الأساسية لفريقه في 30 مباراة بالدوري الأميركي الممتاز، وجاء في المركز الثالث كأكثر لاعبي فريقه مشاركة في المباريات.
وقدم إليوت أداءً رائعاً رشح بفضله للحصول على جائزة أفضل لاعب في الدوري الأميركي الممتاز في أول موسم له بالمسابقة، وهي الجائزة التي حصل عليها في نهاية المطاف لاعب خط وسط أتلانتا يونايتد، جوليان جريسيل. يقول إليوت: «لم أكن أتوقع أبداً أن أكون هناك في بداية العام، لذا كان من الرائع أن أحظى بهذا النوع من التقدير في نهاية الأمر. لم أكن أتوقع أن ألعب هذا العدد الكبير من المباريات، لكن خلال الأسابيع القليلة الأولى التي أمضيتها هناك، أدركت أنه مكان يمكنني التأقلم فيه سريعاً».
ولا يعد إليوت هو اللندني الوحيد الذي يلعب في صفوف فيلادلفيا يونيون، حيث يلعب جاي سيمبسون، لاعب آرسنال وهال سيتي السابق، في النادي للموسم الثاني بعدما انتقل لفيلادلفيا يونيون قادماً من نادي ليتون أورينت قبل أسابيع قليلة من توقيع إليوت للنادي. يقول إليوت: «لا تزال كرة القدم في الولايات المتحدة تنمو وتتطور، لذا فمن الواضح أنها ليست بالقوة نفسها التي عليها في المملكة المتحدة. الأطفال هنا لا يلعبون كرة القدم كل يوم في المدرسة، ولا يرون المباريات كثيراً على شاشات التلفزيون. أشعر بأن الأطفال هنا لا يلعبون كرة قدم بشكل كاف، مع العلم أن لعب الأطفال لكرة القدم بشكل منتظم يساعدهم في بعض الأحيان على تطوير مستواهم بطرق مختلفة عن التدريب المنظم من قبل المديرين الفنيين».
وسيكون من الحكمة أن تفكر الولايات المتحدة في هذه النقطة كثيراً، في الوقت الذي يحاول فيه المنتخب الأميركي التعافي بعد فشله في التأهل لنهائيات كأس العالم. ويقول إليوت، الذي يركز بشكل كامل الآن على موسمه الثاني في الدوري الأميركي الممتاز: «أود أن أبني على ما قمت به العام الماضي وطورته كلاعب». ولو استطاع إليوت تكرار الأداء الذي قدمه الموسم الماضي، فسوف يساعد فريقه كثيراً في تحقيق طموحاته في الدوري الأميركي الممتاز.
جاك إليوت... من منافسات الهواة إلى مواجهة الكبار في الدوري الأميركي
لفت أنظار أحد الكشافة في إنجلترا ليصبح واحداً من نجوم فيلادلفيا يونيون
جاك إليوت... من منافسات الهواة إلى مواجهة الكبار في الدوري الأميركي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة