الموت يغيّب صاحبة «على الناصية» بعد تاريخ إذاعي حافل

آمال فهمي دخلت «غينيس» لتقديمها البرنامج الشهير 47 عاماً متواصلة

الإذاعية آمال فهمي
الإذاعية آمال فهمي
TT

الموت يغيّب صاحبة «على الناصية» بعد تاريخ إذاعي حافل

الإذاعية آمال فهمي
الإذاعية آمال فهمي

غيَّب الموت أمس (الأحد)، الإذاعية المصرية الكبيرة آمال فهمي، عن عمر ناهز 92 سنة، بعد صراع طويل مع المرض. ونعت مؤسسات إعلامية في مصر الإذاعية الراحلة، مثمنين تجربتها الفريدة وعطاءها الطويل، ونجاحها في نقل هموم المواطن على مدار أكثر من نصف قرن تربعت خلاله على عرش الإذاعة العربية، لتصبح أشهر مذيعة في مصر والعالم العربي، لعقود طويلة.
حصلت الإعلامية الراحلة المولودة في عام 1926، على ليسانس الآداب قسم اللغة العربية من جامعة القاهرة، وعُيّنت في الإذاعة المصرية عام 1951. من أشهر برامجها «على الناصية»، وكانت أول سيدة تترأس إذاعة الشرق الأوسط عام 1964، وعينت وكيلاً لوزارة الإعلام، ثم مستشاراً لوزير الإعلام، وكانت داعمة للأعمال الخيرية في مصر والعالم العربي.
آمال فهمي هي الإعلامية العربية الوحيدة التي دخلت موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، باعتبارها المذيعة الوحيدة في العالم التي استمرت في تقديم البرنامج نفسه لمدة 47 عاماً متواصلة، وهو برنامجها الشهير «على الناصية»، وقد اختارتها المنظمة عام 2013 للمنصب الأول في ذلك التصنيف.
من جانبه، قال حسين زين، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، إن عطاءها المتميز للإعلام المصري لم ينقطع، حيث كانت نموذجاً يُحتذى به في المهنية والاحترام، وعملت خلال رئاستها إذاعة الشرق الأوسط، على تقديم إعلام هادف، كما تتلمذ على يدها أجيال كثيرة. وأضاف في بيان صحافي، أنّ الإعلامية قدمت أشهر برامجها «على الناصية»، وقد أمتعت المشاهدين والمستمعين بصوتها المميز، وتركت بصمة في قلوب الجميع ولقبت بملكة الكلام.
بعد تخرج آمال فهمي بفترة قصيرة، عملت صحافية تحت التمرين في مجلة «مسامرات الجيب»، لكنّ المرتب الضئيل الذي حصلت عليه وقتها صرفها عن المهنة، وجعلها تولي وجهها شطر الإذاعة المصرية التي كانت تطلب وقتها، مذيعات صغيرات. وجدت آمال نفسها في عالم الإذاعة وأجادت فن التحاور والحديث ولقبت بـ«ملكة الحوار». وعلى مدار أكثر من نصف قرن وقفت أمام الميكروفون، تبدع بصوتها المميز الذي كان يعشقه المصريون في البيوت والمقاهي والسيارات. هي بالنسبة إليهم ليست صوتاً عادياً، بل «صوت مصر» الذي يعبر عن ملح الأرض، وينقل مشكلاتهم بطريقة متوازنة ومشوقة من خلال برنامج «على الناصية» الذي كانت تنهيه بسؤالها الشهير «تحب تسمع إيه؟».
برنامج «على الناصية» الشهير... أبعد آمال فهمي عن العمل لمدة 10 سنوات، بعد انتقادها أحد رجال عبد الناصر في الستينات، قبل أن تعود مرة أخرى في عهد الرئيس أنور السادات. بينما حققت «فوازير رمضان» شهرة كبيرة للإعلامية الراحلة أيضاً، حيث داومت على تقديمها في إذاعة البرنامج العام، عقب أذان المغرب طوال شهر رمضان من كل عام منذ خمسينات القرن الماضي، وقد كتبها لها في البداية الشاعر الراحل بيرم التونسي، ثم الراحل صلاح جاهين، ثم بخيت بيومي، قبل أن تنتهي إلى بهاء جاهين.
بدأب الشباب نفسه، عملت الإذاعية المصرية الراحلة وهي في خريف عمرها واستمرت في تقديم برامجها الأثيرة، فهي أحد الشهود العيان على تاريخ الإذاعة المصرية العريق، وأحد روادها في عصرها الذهبي، إذ تمتلك أرشيفاً ضخماً وحافلاً من الحوارات الإذاعية مع عمالقة السياسة والطرب والفن المصري.
في خريف عمرها، اختارت فهمي أن تقيم في مستشفى المعادي العسكري المطل على نيل القاهرة، لتشابهه مع شقتها المطلة على النيل بحي الزمالك الراقي، بالإضافة إلى كونها سيدة وحيدة ومسنة وتحتاج إلى رعاية. وقد استجاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لطلبها، بالإقامة في المستشفى تكريماً لدورها الإعلامي المميز، وهو ما استقبلته السيدة الراحلة بود وشكر شديدين.
في آخر حواراتها الصحافية، قالت فهمي إنّه بعد نجاح برنامج «على الناصية» في بداياته، كان يصلها في اليوم الواحد نحو 400 خطاب من الجمهور، معظمها يعبر عن الإعجاب به: «كنت أشعر بالفرحة والفخر ومزيد من القوة. وكنت في العشرينات من عمري. وبعدها تربعت على القمة لأكثر من 40 سنة. ودخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية، لأن برنامجي كان الأطول، إذ استمر قرابة 50 سنة».



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.