«مرتزقة» روس يطيرون سراً على «أجنحة الشام» إلى سوريا

يقتحمون مناطق المعارضة قبل دخول قوات النظام لرفع العلم الرسمي

جندي في جيش النظام يسير وسط الدمار في الغوطة الشرقية لدمشق (أ.ف.ب)
جندي في جيش النظام يسير وسط الدمار في الغوطة الشرقية لدمشق (أ.ف.ب)
TT

«مرتزقة» روس يطيرون سراً على «أجنحة الشام» إلى سوريا

جندي في جيش النظام يسير وسط الدمار في الغوطة الشرقية لدمشق (أ.ف.ب)
جندي في جيش النظام يسير وسط الدمار في الغوطة الشرقية لدمشق (أ.ف.ب)

في ركن منزوٍ بصالة المغادرة بمطار روستوف جنوب روسيا اصطف نحو 130 رجلاً، يحمل كثير منهم حقائب مكدسة شبيهة بالحقائب التي يحملها الجنود، أمام أربعة مكاتب لفحص أوراق السفر، وتحت شاشات لم تظهر عليها أي أرقام للرحلات الجوية أو وجهات السفر.
وعندما سأل أحد مراسلي «رويترز» الرجال عن وجهتهم، قال أحدهم: «وقّعنا على ورقة... لا يُسمح لنا بالحديث. في أي لحظة سيأتي المدير ونواجه مشكلة». وأضاف محذراً: «وأنت أيضاً».
كانت الطائرة «إيرباص إيه 320» المستأجرة التي تنتظر على مدرج المطار قد هبطت للتو قادمة من العاصمة السورية دمشق، ونزل منها نحو 30 رجلاً في منطقة الوصول المهجورة إلى حد بعيد. وكان معظمهم يرتدي الزي المموه وأحذية الصحراء الكاكي. وكان بعضهم يحمل حقائب من السوق الحرة في مطار دمشق.
وكشف تحقيق «رويترز» في أمر شبكات الدعم اللوجيستي لقوات الحكومة السورية، عن أن هؤلاء الرجال متعاقدون عسكريون روس، وهم أحدث مجموعة يتم نقلهم ضمن رحلات جوية سرية باستخدام طائرات مدنية لنقل الدعم العسكري للرئيس السوري بشار الأسد في حربه المستمرة منذ سبع سنوات ضد المعارضة.
لم تكن الطائرة الإيرباص التي نقلت هؤلاء سوى واحدة من عشرات الطائرات التي كانت في السابق مملوكة لشركات طيران أوروبية وأميركية، ثم جرى نقلها عبر شبكة من الشركات الوسيطة إلى شركات طيران شرق أوسطية تخضع لعقوبات الولايات المتحدة، وهي تحركات تقول واشنطن، إنها تساعد سوريا في تجاوز العقوبات.
والرحلات الجوية من وإلى روستوف، التي لم توثقها أي منظمة من قبل، يجري تشغيلها من قبل شركة «أجنحة الشام»، وهي شركة طيران سورية فرضت عليها عقوبات أميركية عام 2016 زعم أنها تنقل مقاتلين موالين للأسد إلى سوريا وتساعد المخابرات العسكرية السورية على نقل أسلحة ومعدات. ولا تظهر الرحلات، التي غالباً ما تهبط في ساعات متأخرة من الليل، في جداول الرحلات الجوية بالمطارات، وتقلع من دمشق أو من مدينة اللاذقية التي تضم قاعدة عسكرية روسية.
وتكشف العملية الثغرات في نظام العقوبات الأميركية الذي يستهدف حرمان الأسد وحلفائه في الحرس الثوري الإيراني وجماعة «حزب الله» من الرجال والعتاد الذي يحتاجونه لحملتهم العسكرية.
كما تقدم صورة عن الأساليب المستخدمة لإرسال متعاقدين عسكريين روس إلى سوريا، وهو أمر يصر الكرملين على إنكاره تماماً. ويقول مسؤولون روس، إن وجود موسكو في سوريا يقتصر على الضربات الجوية وتدريب القوات السورية، وأعداد محدودة من جنود القوات الخاصة. وراقب مراسلو «رويترز» مطار روستوف، وسجلوا الرحلات غير العادية باستخدام بيانات تتبع الطيران المتاحة للجمهور وبحثوا في سجلات ملكية الطائرات، وأجروا عشرات المقابلات، منها مقابلة بأحد المطاعم الفاخرة مع جنرال سابق بالبحرية السوفياتية أدرجت الحكومة الأميركية اسمه على القائمة السوداء.
وعندما سئل متحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الرحلات الجوية وأنشطة المتعاقدين العسكريين الروس في سوريا، أحال «رويترز» إلى وزارة الدفاع التي لم ترد على الأسئلة. كما لم ترد الحكومة السورية أيضاً على الأسئلة.
ورداً على أسئلة «رويترز» المفصلة، اكتفت شركة «أجنحة الشام» بالقول، إن المعلومات عن وجهات رحلاتها متاحة في موقعها على الإنترنت. ولا يرد ذكر الرحلات إلى روستوف على الموقع الإلكتروني. لكن الرحلات تظهر في قواعد بيانات تتبع الرحلات على الإنترنت. وتتبع المراسلون الرحلات الجوية بين مطار روستوف وسوريا من 5 يناير (كانون الثاني) 2017 إلى 11 مارس (آذار) 2018. وخلال تلك الفترة، سيّرت شركة «أجنحة الشام» 51 رحلة ذهاب وعودة، مستخدمة في كل مرة طائرات «إيرباص إيه 320» التي يمكن أن تقل ما يصل إلى 180 راكباً.
والخسائر العسكرية في صفوف الجيش الروسي قضية حساسة في روسيا، حيث لا تزال ذكريات العمليات في الشيشان وأفغانستان التي استمرت سنوات حاضرة في الأذهان. ويشتبه أصدقاء وأقارب المتعاقدين في أن موسكو تستخدم مقاتلين بشكل خاص في سوريا؛ لأنها بهذه الطريقة تستطيع نشر مزيد من الأفراد على الأرض دون المخاطرة بأرواح الجنود النظاميين الذين يتعين رصد وإعلان وفياتهم.
وقالت السلطات الروسية، إن 44 من الجنود الروس قتلوا في سوريا منذ بدء العملية هناك في سبتمبر (أيلول) 2015. وتفيد قائمة «رويترز» التي تستند إلى تقارير من عائلات وأصدقاء القتلى ومسؤولين محليين، بأن 40 متعاقداً خاصاً على الأقل قتلوا بين يناير وأغسطس (آب) 2017 فحسب.
وأقلع أحد المتعاقدين، الذي قتل في سوريا، من روسيا في موعد يتزامن مع واحدة من الرحلات الليلة الغامضة من روستوف حسبما أفادت أرملته. وأشارت شهادة الوفاة التي أصدرتها القنصلية الروسية في دمشق إلى أن سبب الوفاة «نزيف حاد ناجم عن شظايا وجروح من طلقات رصاص».

منع الوصول إلى الطائرات
من أجل الحفاظ على حملته العسكرية ضد المعارضة، يحتاج الأسد وحلفاؤه روسيا وإيران و«حزب الله»، إلى الطائرات المدنية لإدخال الرجال والإمدادات. وحاولت واشنطن حرمانهم من ذلك من خلال فرض قيود تصدير على سوريا وإيران تجسدت في إدراج وزارة الخزانة شركات الطيران في البلدين على القائمة السوداء. كما أدرجت الوزارة في القائمة شركات عدة خارج سوريا متهمة إياها بلعب دور الوسيط. وقال جون سميث، مدير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية في شهادة أمام لجنة بالكونغرس خلال نوفمبر (تشرين الثاني): «هذه الإجراءات تظهر عزمنا على استهداف أي شخص يمكّن الأسد ونظامه».
في السنوات الأخيرة، جرى تسجيل عشرات الطائرات في أوكرانيا ضمن شركتين، هما «خورس» و«دارت»، اللتان أسسهما قائد سابق بالبحرية السوفياتية واثنان من رفاقه العسكريين السابقين، وفقاً لسجل الطائرات الوطني الأوكراني. وأفادت بيانات تتبع الرحلات الجوية، بأن هذه الطائرات بيعت أو استؤجرت بعد ذلك، وانتهى بها الأمر للعمل في شركات طيران إيرانية وسورية.
وفرضت وزارة التجارة الأميركية عقوبات على شركة «خورس» وعلى سيرغي تومتشاني، وهو ميجر سابق بالبحرية منذ عام 2011 فيما يتصل بمزاعم تصدير طائرات لإيران وسوريا دون الحصول على ترخيص من واشنطن.
وأفادت المعلومات التي جمعتها «رويترز» من سجلات الطائرات الوطنية، بأنه في السنوات السبع الماضية، تمكنت «خورس» و«دارت» من الحصول على 84 طائرة مستعملة من طراز «إيرباص» و«بوينغ» أو استئجارها عن طريق نقل الطائرات عبر كيانات لا تشملها العقوبات. وتفيد بيانات من ثلاثة مواقع تتتبع رحلات الطيران، وتظهر مسارات الطيران ونداءات الاتصال للشركات التي تشغلها، بأنه من بين هذه الطائرات، جرى استخدام ما لا يقل عن 40 طائرة في إيران وسوريا والعراق.
وفي سبتمبر، أضافت وزارة الخزانة الأميركية شركتي «خورس» و«دارت» إلى القائمة السوداء للعقوبات، قائلة إنهما تساعدان شركات الطيران الواقعة تحت طائلة العقوبات على شراء الطائرات الأميركية الصنع. ونفت الشركتان وكذلك تومتشاني «ارتكاب» أي مخالفات تتعلق بتزويد طائرات إلى كيانات خاضعة للعقوبات. وأظهرت تواريخ ملكية بعض الطائرات التي تتبعتها «رويترز» كيف يمكن تجاوز القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على الإمدادات لشركات الطيران الإيرانية والسورية. وبينما تنتقل الملكية من بلد إلى آخر، تخفي الأدلة الورقية المعقدة هوية الأطراف الضالعة في شراء سوريا للطائرات.
ووفقاً لسجل الطائرات الآيرلندي، فإن إحدى طائرات «أجنحة الشام» وهي من طراز «إيرباص إيه 320» قامت بالرحلة من روستوف إلى سوريا، مملوكة لشركة «آي إل إف سي آيرلندا المحدودة»، وهي شركة تابعة لشركة «إيركاب» ومقرها دبلن، وهي واحدة من أكبر شركات تأجير الطائرات في العالم. وقال متحدث باسم هيئة الطيران الآيرلندية التي تدير السجل، إن الطائرة حذفت من السجل الآيرلندي في يناير 2015.
وخلال الشهرين التاليين، اختفت الطائرة، التي كانت تحمل رقم التعريف «إي آي – دي إكس واي» من سجلات وطنية قبل أن تظهر في سجل الطائرات في أوكرانيا. ويذكر السجل الأوكراني، أن المالك الجديد للطائرة هي شركة «جريشام للتسويق المحدودة» المسجلة في الجزر العذراء البريطانية.
ووفقاً لوثائق خاصة بالشركة تسربت من مؤسسة «موساك فونسيكا» في بنما، يملك الشركة أوكرانيان، هما فيكتور رومانيكا ونيكولاي سافرتشينكو. وتظهر سجلات الأعمال الأوكرانية أنهما مديران لأعمال محلية صغيرة. وقال رومانيكا عند الاتصال به هاتفياً، إنه لا يعرف شيئاً، قبل أن ينهي المكالمة. أما سافرتشينكو فلم يتسن الاتصال به عبر الهاتف ولم يرد على رسالة أرسلت على عنوانه المسجل.
ويشير سجل الطائرات الأوكراني إلى أن شركة «جريشام» أجّرت الطائرة «إي آي – دي إكس واي» إلى شركة «دارت» في مارس 2015، وجرى تغيير رقم التعريف إلى رقم أوكراني هو «يو آر – سي إن يو». وأظهر السجل أن «خورس» أصبحت الشركة المشغلة للطائرة في 20 أغسطس 2015. وذكر ممثل عن هيئة الطيران الحكومية الأوكرانية، أن السجل ليس الهدف منه هو التأكيد الرسمي للملكية، لكن لم ترد أي شكاوى بشأن دقة المعلومات.
ووفقاً لبيانات من مواقع تتبع الرحلات فمن أبريل (نيسان) في ذلك العام، كانت شركة «أجنحة الشام» هي التي تسير الطائرة. ولم ترد جيليان كولهان، المتحدثة باسم شركة «إيركاب» التي كانت شركتها الفرعية تملك الطائرة في عام 2015، على أسئلة مكتوبة كما لم ترد على مكالمات هاتفية متكررة تطلب التعليق على ما تعرفه «إيركاب» بشأن المالكين والمشغلين اللاحقين للطائرة. ولم ترد «دارت» و«خورس» على أسئلة متعلقة بتلك الطائرة بعينها.
ويقول أربعة محامين متخصصين في قواعد التصدير الأميركية، إن الصفقات التي تشمل طائرات ينتهي بها الأمر في إيران أو سوريا تنطوي على مخاطر كبيرة للشركات الغربية التي تورّد الطائرات أو المعدات. وقال المحامون، إنه حتى لو لم تكن لديهم تعاملات مباشرة مع كيان تحت طائلة العقوبات، فإن الشركات التي تقدم الطائرات يمكن أن تواجه عقوبات أو قيودا تفرضها الحكومة الأميركية. لكنهم ذكروا أن المسؤولية القانونية على صانعي الطائرات مثل «بوينغ» و«إيرباص» محدودة؛ لأن التجارة تشمل طائرات من الدرجة الثانية عمرها أكثر من عشرين عاماً بوجه عام، كما أن الطائرات مرّت على قائمة طويلة من المالكين قبل أن ينتهي بها الأمر في أيدي شركات تحت طائلة العقوبات.
وقال اثنان من المحامين بينهما إدوارد كراولاند، المحامي بمؤسسة «ستيبتو أند جونسون»، إن قواعد التصدير الأميركية تسري بشكل صريح على طائرات «بوينغ»؛ لأنها صنعت في الولايات المتحدة. لكن يمكن أن تسري أيضاً على طائرات «إيرباص» لأنه في كثير من الأحيان تكون نسبة كبيرة من قطع الطائرة من أصل أميركي.
وقالت «بوينغ» في بيان: «صفقات الطائرات الموصوفة في تحقيقكم لا تشمل شركة (بوينغ). تطبق (بوينغ) برنامجاً صارماً للرقابة على التجارة والامتثال للعقوبات». وقال متحدث باسم «إيرباص»: «إن (إيرباص) تحترم تماماً جميع المتطلبات القانونية المعمول بها فيما يتعلق بالمعاملات مع الدول التي تخضع لعقوبات الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة».

رحلات إلى حرب
عندما أرسلت «رويترز» سلسلة من الأسئلة إلى شركتي «خورس» و«دارت» حول أنشطتهما، اتصل تومتشاني، الميجر السابق بالبحرية، بالمراسلة في غضون دقائق. وقال، إنه لم يعد مساهماً في أي من الشركتين، لكنه يعمل مستشاراً لهما، وإن الأسئلة أحيلت إليه. ودعا تومتشاني المراسلة للقاء في اليوم التالي في مطعم فيلور الراقي في كييف. وخلال الاجتماع الذي استمر 90 دقيقة، نفى تومتشاني تقديم طائرات إلى إيران أو سوريا. وقال إنه بدلاً من ذلك، قدمت «خورس» و«دارت» الطائرات لأطراف ثالثة، رفض تحديد هوياتها. وقال إن تلك الأطراف الثالثة قدمت الطائرات للمستخدمين النهائيين. وقال تومتشاني، وهو رجل عسكري الطباع في أواخر الخمسينات من العمر بينما كان يحتسي شاي الأعشاب: «لم نزود إيران بطائرات... ليست لدينا صلة بتقديم طائرات لشركة (أجنحة الشام)». وأضاف، إنه لم يكن من الممكن أن تبيع «خورس» و«دارت» أو تؤجر طائرات لـ«أجنحة الشام» لأنهما لا تملكان الطائرات.
وكان تومتشاني يخدم في وحدة بحرية تابعة للقوات المسلحة السوفياتية في فلاديفوستوك المطلة على ساحل روسيا على المحيط الهادي. وبعد استقالته من الجيش برتبة ميجر، أسس شركة «خورس» عام 1991 مع ضابطين آخرين في وحدته. وكسب تومتشاني وشريكاه رزقهم بتشغيل طائرات سوفياتية الصنع، بيعت بأسعار رخيصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وإرسالها إلى مناطق حرب.
وكانت «خورس» تنقل شحنات بضائع إلى أنغولا لصالح الحكومة الأنغولية ووزارة الدفاع ووكالات الإغاثة خلال حربها الأهلية. وقال تومتشاني، إن شركاته قامت أيضاً بتشغيل رحلات جوية في العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، حيث قامت بنقل متعاقدين أمنيين خصوصيين. وأظهر سجل الأعمال الأوكراني، أن تومتشاني لم يعد أحد المساهمين في خورس بعد يونيو (حزيران) 2010، وأنه تخلى عن اهتمامه بشركة «دارت» في مرحلة ما بعد أبريل 2011. وقال لـ«رويترز»، إنه باع حصته إلى «رجال أعمال كبار»، لكنه امتنع عن ذكر أسمائهم. غير أنه أضاف، أن الأشخاص المسجلين في سجل الأعمال باعتبارهم ملاك الشركتين لدى وقت المقابلة هم مجرد وكلاء. وكان أحد المالكين الذين وردت أسماؤهم في السجل مسؤولاً تنفيذياً متوسطاً في «خورس»، بينما كان أحدهم محاسباً يبلغ من العمر 81 عاماً ويعمل لدى شركات عدة في كييف.
ووفقا لسجل الأعمال، فإن صاحب 25 في المائة من «خورس» هو شخص يدعى فلاديمير سوشكوف. وكان العنوان المذكور له في السجل هو رقم 33، شارع إلكتريكوف في كييف. وهذا هو العنوان نفسه الوارد في وثائق المشتريات الحكومية الأوكرانية للوحدة العسكرية رقم (إيه 0515) التي تقع تحت إشراف مديرية المخابرات الرئيسية في وزارة الدفاع الأوكرانية.
وقال تومتشاني، إنه وسوشكوف يعرفان بعضهما بعضاً منذ فترة طويلة. وأضاف تومتشاني «لم يكن متخصصاً سيئاً... هو شاب صغير، لكنه ليس سيئاً». وقال، إنه يعتقد أن سوشكوف يعيش في روسيا.
ولم تتمكن «رويترز» من الاتصال بسوشكوف، وكان رقم الهاتف المسجل باسمه خارج الخدمة. وقال رئيس وكالة المخابرات الأوكرانية بالإنابة، أليكسي باكومينكو، لـ«رويترز»، إن سوشكوف لا يعمل هناك.
ولم تجد «رويترز» دليلاً على وجود أي صلة أخرى بين التجارة في الطائرات وجهاز المخابرات في أوكرانيا. وقالت المخابرات العسكرية الأوكرانية، إنها لا تعلم بإمداد سوريا بطائرات ولا صلة لها بنقل متعاقدين عسكريين من روسيا إلى سوريا، ولم تتعاون مع «خورس» و«دارت» أو «أجنحة الشام».

فاغنر
وفي 9 يناير من هذا العام، غيرت شركة «دارت» اسمها إلى «آلانا»، وأدرجت عنواناً ومؤسسين جدداً، وفقاً لسجل الأعمال الأوكراني. وفي الأول من مارس، أظهر السجل أن شركة جديدة هي «آلانا إير» سيطرت على أصول «آلانا» ومسؤولياتها، المتعاقدون يعودون في صناديق رغم أن موسكو تنفي إرسال متعاقدين عسكريين إلى سوريا، فإن الكثير من الناس يقولون إن ذلك غير صحيح. ومن بين هؤلاء عشرات من الأصدقاء وزملاء سابقون للمقاتلين وأفراد مرتبطون بالشركة التي تجند الرجال، وهي منظمة غامضة تعرف باسم «فاغنر» لا تملك أي مكاتب، ولا حتى لوحة نحاسية على أي باب.
ويقول أشخاص أجريت معهم مقابلات خلال هذا التحقيق، إن مؤسس هذه المنظمة هو ديمتري أوتكين، وهو ضابط سابق في المخابرات العسكرية. وكان أول دور قتالي للمنظمة في شرق أوكرانيا إلى جانب الانفصاليين الذين تدعمهم موسكو. ولم تتمكن «رويترز» من الاتصال بأوتكين مباشرة. ورفضت رابطة قدامى المحاربين في النزاعات المحلية، التي تقول وسائل إعلام روسية، إن لديها علاقات مع أوتكين، نقل رسالة إليه، قائلة إنه لا صلة لها بمجموعة «فاغنر».
وقال يفغيني شاباييف، وهو زعيم محلي لمنظمة شبه عسكرية في روسيا على اتصال مع بعض الرجال، إن روسيا لديها ما بين 2000 و3000 متعاقد يقاتلون في سوريا. وفي معركة واحدة في فبراير (شباط) من هذا العام، قتل أو جرح نحو 300 متعاقد، حسبما أفاد طبيب عسكري ومصادر أخرى على علم بالأمر.
وقال مقاول عسكري روسي خاص شارك في أربع مهمات إلى سوريا، إنه وصل إلى هناك على متن طائرة تابعة لشركة «أجنحة الشام» من روستوف. وقال الرجل الذي طلب الاكتفاء بذكر اسمه الأول فلاديمير، إن الرحلات كانت المسار الرئيسي لنقل المتعاقدين. وأضاف: إن المتعاقدين يستخدمون أحياناً الطائرات العسكرية الروسية، عندما لا تستوعب طائرات «أجنحة الشام» أعدادهم بالكامل.
وتحدث موظفان في مطار روستوف إلى «رويترز» عن الرجال في الرحلات الجوية الغامضة إلى سوريا. وقال موظف، ذكر أنه ساعد في إجراءات الصعود على متن الكثير من الرحلات الجوية السورية «على حد علمنا هم متعاقدون». وأشار إلى وجهتهم وحقيقة أنه لا توجد نساء بينهم وأنهم يحملون حقائب عسكرية على الظهر. وتحدث شريطة عدم نشر اسمه، قائلاً إنه غير مخول للتحدث إلى وسائل الإعلام.
ولم تتمكن «رويترز» من تحديد عدد الركاب الذين نقلوا بين روسيا وسوريا، ومن المحتمل أن بعض من كانوا على متن الرحلات لم يلعبوا أدواراً قتالية في سوريا. وقد يكون البعض نزل في دمشق ثم أقلع إلى وجهات أخرى خارج سوريا.
وتشير المقابلات التي أجريت مع أقارب متعاقدين قتلوا في سوريا، إلى أن رحلات الطائرات «إيه 320» إلى روستوف تستخدم لنقل متعاقدين عسكريين روس. وقالت أرملة أحد المتعاقدين الذين قُتلوا في سوريا، إن آخر مرة تحدثت فيها إلى زوجها عبر الهاتف كانت في 21 يناير من العام الماضي، وهو اليوم ذاته الذي سافرت فيه طائرة مستأجرة تتبع «أجنحة الشام» إلى سوريا، وفقاً لبيانات تتبع رحلات الطيران. وقالت المرأة التي سبق وزارت زوجها في معسكر تدريب للمتعاقدين في جنوب روسيا «اتصل مساء يوم 21... كان هناك رجال يتحدثون وصوت أجهزة اتصال لاسلكية. وبحلول يوم 22 لم يكن من الممكن الوصول إليه. ولم تصله سوى الرسائل النصية». وأضافت، إنه بعد أن قتل سُلمت جثته إلى روسيا. وحصلت على شهادة وفاة تفيد بأنه مات بسبب «نزيف حاد ناجم عن شظايا وجروح من طلقات رصاص».
ووصفت أرملتا متعاقدَين آخرَين قُتلا في سوريا، كيف وصلت جثتا زوجيهما إلى ديارهما. ومثل الأرملة الأولى، تحدثت المرأتان بشرط عدم نشر اسميهما. وقالتا، إن ممثلي المنظمة التي جندت زوجيهما حذروهما من العواقب إذا تحدثتا مع وسائل الإعلام. وقالتا، إن المتعاقدين سبق لهما الذهاب في مهمات قتالية. وأضافتا، إنهما حصلتا على شهادتي وفاة تفيدان بأن مكان الوفاة هو سوريا. واطلعت «رويترز» على الشهادتين. وكُتبت على إحدى الشهادتين، أن سبب الوفاة هو «تفحم الجسم» بمعنى أنه احترق حتى الموت. بينما أفادت الشهادة الثانية بأن المتعاقد نزف حتى الموت من جراح عدة بسبب شظايا.
ووصفت إحدى الأرملتين محادثات مع زوجها بعد عودته من أول مهمة له في سوريا. وقال لها، إن المتعاقدين الروس غالباً ما يرسلون إلى المناطق التي يحتدم فيها القتال، ويكونون أول من يدخل البلدات التي تتم السيطرة عليها. ثم تدخل قوات الحكومة السورية إلى البلدة وترفع العلم الرسمي السوري وتنسب النصر لنفسها.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.