اهتمام إعلامي كبير بأفلام الإرهاب والتطرف الديني

«اسمي خان» و«وار» أنعشا صناعة السينما الباكستانية

اهتمام إعلامي كبير بأفلام الإرهاب والتطرف الديني
TT

اهتمام إعلامي كبير بأفلام الإرهاب والتطرف الديني

اهتمام إعلامي كبير بأفلام الإرهاب والتطرف الديني

من أسهل الطرق لإنتاج فيلم يحقق رواجا في باكستان والهند هو إنتاج فيلم يدور موضوعه الرئيس حول التطرف الديني أو الإرهاب؛ فعلى مدى الـ12 سنة الماضية، أنتجت السينما الباكستانية والهندية عددا لا يحصى من الأفلام التي تدور حول موضوع الإرهاب والتطرف الديني، وحقق معظمها نجاحا كبيرا.
ويقول ناقد سينمائي باكستاني مقيم في إسلام آباد: «نجاح الأفلام البارزة، التي تدور حول موضوعات أخرى غير الإرهاب والتطرف الديني، يعتمد على مدى جودتها، ولكن عندما يدور موضوع الفيلم حول التطرف الديني أو الإرهاب، فإنه يحقق نجاحا على الفور، على الأقل في باكستان».
ولا عجب في أن اثنين من أكثر الأفلام نجاحا في الأربع سنوات الماضية كانت موضوعاهما يدوران حول التطرف الديني والإرهاب. وحسب ما ذكرته الناقدة السينمائية سردار شهاب: «حققت الأفلام الباكستانية التي كانت موضوعاتها حول الإرهاب في عامي 2012 و2014 نجاحا كبيرا». ومن أمثلة الأفلام التي حققت «نجاحا كبيرا»، الفيلم الهندي «اسمي خان»، وكذلك الفيلم الباكستاني «وار» (الحرب). وقد عرض فيلم «اسمي خان» منذ ثلاث سنوات مضت، وحقق نجاحا كبيرا في كل من باكستان والهند، بينما يعد فيلم «وار»، في واقع الأمر، بمثابة الفيلم الذي أحيا وأنعش الإنتاج السينمائي الباكستاني.
يدور موضوعا هذين الفيلمين حول قضية التطرف الديني والإرهاب، رغم أن قصة كل منهما تختلف تماما عن قصة الآخر.
وبالنسبة لرواد الفن السينمائي، كان للفيلم الهندي «اسمي خان» سحره الخاص، وذلك بسبب قصة الفيلم التي تدور حول شاب مسلم هندي، يعيش في الولايات المتحدة الأميركية، ويتعرض للتنميط العنصري بسبب هويته الدينية.
وفي ظل بيئة مضطربة للغاية بالنسبة للمسلمين في الولايات المتحدة الأميركية في أعقاب هجمات سبتمبر (أيلول) الإرهابية - كما اتضح في الفيلم - يظهر بطل الفيلم رضوان خان (وهو يعاني نوعا من التوحد الخفيف)، وهو يبذل محاولات مستمرة من أجل الوصول إلى الرئيس الأميركي ليقول له إنه ليس إرهابيا.
ولكن بغض النظر عن هذه القصة، التي تعد مثيرة للاهتمام بشكل خاص بالنسبة للمسلمين من الباكستانيين، هناك شق سياسي وراء النجاح الكبير الذي حققه فيلم «اسمي خان» داخل باكستان.
ويقول نديم مانديوالا، وهو صاحب دار سينما ورئيس رابطة ملاك دور السينما في كراتشي:
«من الطبيعي أن نجد العروض المسائية عليها إقبال شديد لأنه في الصباح يكون الناس مشغولين في وظائفهم، ولكن أثناء عرض فيلم (اسمي خان)، كانت جميع المقاعد محجوزة في الحفلات الأربع».
إن إقبال الناس على دور السينما في كراتشي (بينما كان يعرض فيلم اسمي خان) كان أمر عظيم للغاية لدرجة أن إدارة المدينة نشرت فريقا من رجال شرطة المرور خارج دور السينما من أجل تنظيم تدفق حركة المرور.
وقد حقق الفيلم الباكستاني البارز «وار» نجاحا كبيرا في باكستان فقط؛ وحسبما جرى الإعلان عنه، فقد حقق هذا الفيلم، الناطق باللغتين (الإنجليزية والأردية) إيرادات بلغت قيمتها 40 مليون روبية خلال أيام العيد الثلاثة، والتي تعتبر أعلى إيرادات لشباك التذاكر يحققها فيلم باكستاني حتى وقتنا الحالي. ووفقا لما ذكره الفنانون المشاركون في الفيلم لـ«الشرق الأوسط»، فقد حقق فيلم «وار» إنجازات هائلة واحدة تلو الأخرى ليحفر نفسه في ذاكرة تاريخ السينما الباكستانية، ووصلت إيرادات شباك التذاكر إلى نحو مليوني دولار أميركي حتى الآن في باكستان فقط.
ويخطط منتجو الفيلم لعرض الفيلم أمام العالم بعد أن حقق نجاحا كبيرا في المستوى المحلي.
ويقول ناقد سينمائي محلي: «بعد النجاح المذهل الذي حققه فيلم وار في باكستان، فإننا ننوي في الوقت الحالي عرضه على المسرح العالمي. وأعتقد أن فيلم وار قد بدأ عصرا جديدا نصنع فيه أفلاما عالمية وسيجري تقدير مواهبنا».
ويعد هذا الفيلم من أفلام الإثارة المليئة بالأحداث، حيث تظهر قوات الأمن الباكستانية وهي تطارد الإرهابيين والمقاتلين في المناطق القبلية. ونشاهد في إحدى اللقطات، في آخر الفيلم، بطل الفيلم (مجتبى) وهو يقفز من طائرة هليكوبتر عسكرية في وضح النهار، في طريقه إلى المخبأ الرئيس للإرهاب ليقتل أي إرهابي يكون في طريقه، حتى إنه أنقذ حياة طفلين، بينما يؤدي باقي أفراد فريق العمل السري دور جنود المشاة الاحتياطيين.
إن موضوع الإرهاب من شأنه أن يجلب الثروة لمنتج فيلم من هذا النوع، حتى ولو كان فيلما كوميديا؛ فعلى سبيل المثال، فيلم «تيرا بن لادن» (دون بن لادن) كان فيلما كوميديا تدور قصته حول شخصية مضحكة تشبه فقط في شكلها أسامة بن لادن.
وعندما صدر فيلم «تيرا بن لادن»، منع مسؤولو مجلس الرقابة على الأفلام عرضه، واصفين إياه بأنه فيلم مبتذل ويتعارض مع القيم الثقافية الباكستانية. وحسب ما ذكره مسعود إلهي، نائب رئيس هيئة الرقابة على الأفلام الباكستانية في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «يسود الفيلم لغة مبتذلة للغاية، ولهذا السبب تحديدا أصدرنا قرارا بأنه لا يصلح للعرض في دور السينما الباكستانية».
ورغم رفض هيئة الرقابة على الأفلام الباكستانية التراجع في قرارها بشأن حظر عرض الفيلم في باكستان، انتقدت وسائل الإعلام الليبرالية بشدة هيئة الرقابة، والقرار المتخذ من جانبها بحظر الفيلم. ورغم حقيقة أنه لم يجر السماح بعرض الفيلم في دور السينما الباكستانية، فإنه كان يشاهد على نطاق واسع في باكستان من خلال اسطوانات دي في دي (DVD) متوافرة في الأسواق بأقل من دولار.
وتدور قصة تيرا بن لادن (دون بن لادن) حول صحافي باكستاني يسعى إلى العثور على وظيفة في إحدى الصحف الأميركية الكبيرة، وبعد محاولات متكررة فاشلة للحصول على تأشيرة الولايات المتحدة الأميركية، خرج الصحافي بفكرة إجراء مقابلة مع شبيه لأسامة بن لادن وبيعها للقنوات الإخبارية الأميركية.
وذكر علي ظفار، مغني البوب الباكستاني، الذي أدّى دور الصحافي في الفيلم، في بيان صادر للصحافة الباكستانية: «هذا فيلم كوميدي بسيط ولا ينتهك أية آيديولوجيا لأي شخص».
ومع ذلك حظرت هيئة الرقابة على الأفلام الباكستانية عرض الفيلم على أساس أن موضوع الفيلم، وكذلك اللغة المستخدمة فيه تنتهك القيم الثقافية والدينية للمجتمع الباكستاني.
وحسب ما ذكره مسؤول في هيئة الرقابة على الأفلام الباكستانية: «كل الشخصيات في الفيلم خاصة شبيه أسامة بن لادن يتحدثون لغة غير مقبولة، وأضاف «فشبيه أسامة بن لادن دائما ما يسب كل ما يصادفه».



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.