قبل نحو شهر من موعد الانتخابات البلدية، المنتظر إجراؤها في السادس من مايو (أيار) المقبل، تحولت الذكرى 18 لوفاة الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة إلى شبه حملة انتخابية قبل الأوان، تباينت فيها الآراء حول فترة حكمه، التي دامت نحو 30 سنة.
ففي حين أقرت بعض الأحزاب السياسية أن برامج بورقيبة السياسية والاجتماعية تأسست على قيم ومبادئ دولة الاستقلال، التي أرسى دعائمها، وأنه دافع بشراسة عن قيم الحداثة، وحرر المرأة ومكنها من حقها في التعليم، وطور المنظومة التعليمية، قادت أحزاب تعارض برامج التحديث، التي قادها الزعيم الوطني، وأغلبها أحزاب ذات مرجعية إسلامية، حملة تشكيك في وثائق الاستقلال التي وقعها الطاهر بن عمار، رئيس الحكومة التونسية آنذاك (سنة 1956) بزعامة بورقيبة، وقالوا إنه أبقى على الاستعمار الفرنسي من خلال منحه امتيازات لاستغلال الثروات التونسية (الملح على سبيل المثال)، وأن هذه الامتيازات ما زالت سارية المفعول إلى حد الآن، مؤكدين أن اتفاقيتي الاستقلال الداخلي والاستقلال التام لم تصدرهما حكومة بورقيبة في الرائد الرسمي التونسي (الصحيفة الرسمية).
وفي هذا السياق، دعت الحقوقية سهام بن سدرين، رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، المكلفة تنفيذ مسار العدالة الانتقالية في تونس، إلى إعادة كتابة تاريخ تونس، بناء على وثائق بحوزة الهيئة تتعلق باستغلال ثروات تونس، وتفويتها لفائدة المستعمر الفرنسي السابق، وهي اتفاقيات ما تزال سارية المفعول إلى حد الآن. كما أوضحت بن سدرين أن عدة مواطنين تونسيين تعرضوا في منطقة تطاوين للقصف الفرنسي، بعد أربعة أشهر من استقلال تونس، وأن فرنسا لم تتخل عن وثيقة الاستقلال الداخلي التي أبرمتها مع تونس سنة 1955.
وأشرف الرئيس الباجي قائد السبسي أمس في مدينة المنستير (مسقط رأس بورقيبة) على إحياء ذكرى وفاة بورقيبة، وذلك بحضور يوسف الشاهد رئيس الحكومة، ومحمد الناصر رئيس البرلمان، وعدد من أعضاء الحكومة، وممثلي المنظمات الحقوقية التونسية.
وبخصوص التشكيك في وثائق الاستقلال من طرف بعض الأحزاب والحقوقيين، قال السبسي إنه «بعد عشرات السنين أصبــح البعض يُشكك في استقلال تونس.. تونس مفتخرة باستقلالها وبالتطورات التي حققتها خلال العقود الماضية، وستبقى دائما سائرة إلى الأمام».
وفي كلمة ألقاها بالمناسبة، عدّد قائد السبسي خصال بورقيبة، الذي أسس، برأيه، الدولة العصرية الحديثة وحرر المرأة، وطور المنظومة التعليمية، مبرزا أن 60 في المائة من حاملي الشهادات الجامعية نساء، ونفس النسبة من الأطباء، وأكد في هذا السياق أن «تونس ستواصل ما بدأه بورقيبة... وبعد فترة قصيرة ستصبح المرأة ترث مثل الرجل»، وهو ما اعتبره ملاحظون بمثابة دعاية سياسية لحزب النداء الذي أسسه، وتحدٍ لخصومه من الإسلاميين الرافضين لمقترح المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة.
في المقابل، اتهمت أحزاب سياسية ذات مرجعية إسلامية الزعيم الراحل بورقيبة وبن علي من بعده، بالمسؤولية في ضرب الهوية التونسية، وإدخال برامج تحديث إجباري، كان من نتائجها تجفيف ينابيع الاستلهام من التراث العربي الإسلامي. كما اتهم خصوم بورقيبة بأنه كان يرفض الديمقراطية والتعددية السياسية. وفي هذا الشأن، قال فيصل الشريف، أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية لـ«الشرق الأوسط» «إن الأصوات المشككة في استقلال تونس غير مختصة، وغير مخول لها قراءة التاريخ إلا عبر الوثائق والحجج. ودعوات التشكيك هذه سياسية في المقام الأول، وغرضها إعادة كتابة التاريخ لفائدة أطراف بعينها»، مبرزا أن وثيقة الاستقلال نشرت في الصحيفة الرسمية، وموجودة في الأرشيف الوطني التونسي.
كما أوضح الشريف أن الهجوم على الإرث البورقيبي، والتشكيك في حصول تونس على استقلالها الكامل خلال السنوات الأولى التي تلت الإعلان عن الاستقلال عام 1956. هو في حقيقة الأمر «هجوم على القيم التي حملتها دولة بورقيبة».
ومن جهتها، أشارت أطراف سياسية مقربة من حزب النداء أن وراء الهجوم على فترة حكم بورقيبة، أطراف سياسية ترفض المساواة التامة بين المرأة والرجل، وتعارض مقترح التساوي في الإرث.
تونس: ذكرى وفاة بورقيبة تتحول إلى مناسبة للدعاية السياسية
مقربون من «النداء» فسروا هجوم «الإسلاميين» على إرث الزعيم الراحل بمعارضتهم لمبدأ المساواة بين الجنسين
تونس: ذكرى وفاة بورقيبة تتحول إلى مناسبة للدعاية السياسية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة