في الوقت الذي يرى فيه غالبية الخبراء والمعلقين في تل أبيب، أن تلخيص الجولة الأولى من أحداث «مسيرة العودة» يشير إلى انتصار عسكري لإسرائيل لأن المتظاهرين لم ينجحوا في تجاوز الحدود، وانتصار حماس سياسياً على إسرائيل وعلى السلطة الفلسطينية، حذروا من خطر التدهور إلى عملية حربية جديدة. وقام الجيش الإسرائيلي بنصب المزيد من بطاريات صواريخ القبة الحديدية، وأصدر الأوامر ببقاء حشودها العسكرية حول القطاع.
وقد انطلقت أول مظاهرة احتجاج إسرائيلية ضد هذا التدهور، فيما هاجم اليمين الحاكم قوى المعارضة واتهمها بالخيانة الوطنية. واقترح وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، على حزب «ميرتس» أن ينسحب من الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، وينضم إلى المجلس التشريعي الفلسطيني.
وكانت مصادر عسكرية إسرائيلية قد بدأت بتلخيص أحداث الجولة الأولى من «مسيرة العودة»، بالتأكيد على أن الاختبارات القادمة هي المحك. وعبرت عن اعتقادها بأنه «على الرغم من القناعة بأن قادة حماس غير معنيين بمواجهة حربية في هذه المرحلة، فإن عناصر معينة فيها، معنيون بتطوير المواجهة واستغلال وجود كميات كبيرة من السكان المدنيين لتنفيذ عمليات عسكرية». وأشارت إلى أن حماس نفسها اعترفت بأن خمسة من القتلى الذين سقطوا في يوم الجمعة الماضي هم أعضاء في الجناح العسكري للحركة (كتائب عز الدين القسام)، وقالت إن العدد الحقيقي هو عشرة. وعرضت المصادر الإسرائيلية تقريرا يبين وجود محاولات عدة لزرع عبوات ناسفة قرب السياج، بغرض تفجيرها لدى اقتراب الدوريات الإسرائيلية. وحذرت من أن مثل هذه العمليات تهدد بخطر التدهور إلى عملية حربية تشمل اجتياحا إسرائيليا ولو محدودا في القطاع، يجر في أعقابه إطلاق صواريخ باتجاه البلدات الإسرائيلية وردا حربيا واسعا.
ولهذا الغرض أصدرت قيادة الجيش الإسرائيلي أوامرها لبقاء الحشود العسكرية في مواقعها حول قطاع غزة، ونصب المزيد من بطاريات صواريخ «القبة الحديدية»، لمجابهة زخات كثيفة من الصواريخ الفلسطينية. وهدد الوزير ليبرمان الغزيين بأنه «في المرة المقبلة سنرد بشكل أكثر حدة، وسنستخدم كل ما هو متاح لنا». وعاد الجيش، أمس، ليستأنف بناء الجدار على الحدود مع القطاع تحت ذريعة إحباط الأنفاق في المنطقة، وقد توقف العمل في الأسبوع الماضي بعد أن أحرق فلسطينيون عدة أدوات وآليات تستخدم في الحفريات. وقالت مصادر في القيادة الجنوبية للجيش، إن التوتر على طول الحدود يتجه نحو الهدوء، لكن الجيش يدعي أنه مستعد لتجديد الاشتباكات، مستفيدا من تجربة الموجة الأولى.
ولوحظ أن القمع الإسرائيلي يحظى بتأييد جميع الكتل والأحزاب الإسرائيلية، من الائتلاف والمعارضة، باستثناء حزب ميرتس اليساري الصهيوني والقائمة المشتركة، التي تضم الأحزاب العربية الوطنية. ودعت رئيسة «ميرتس»، النائب تمار زاندبرغ، إلى إجراء تحقيق إسرائيلي للأحداث على حدود غزة. وقالت إن «مشاهد القتل المروعة واستهداف الفلسطينيين في ظهورهم وهم عزل بالرصاص الحي، يعد سببا كافيا لتشكيل لجنة تحقيق». وأضافت أن «سياسة اليد الخفيفة على الزناد ستساهم في المزيد من الضحايا من الأبرياء، وبالتالي إشعال كل المنطقة». كما قال زميلها في الكتلة، النائب عيساوي فريج، إن «نتائج أحداث الأمس، تلزم إجراء تحقيق، وإذا لم يتم إجراء تحقيق إسرائيلي حقيقي، علينا ألا نفاجأ إذا وجدت إسرائيل نفسها تخضع مرة أخرى لتحقيق دولي». وقد رد الوزير ليبرمان، أمس الأحد، بهجوم حاد على زاندبرغ، ودعاها هي وكل الشخصيات المحسوبة على اليسار الصهيوني، بالذهاب إلى رام الله والنشاط في البرلمان الفلسطيني. وقال إن هؤلاء «لا يمثلون مصالح إسرائيل بل مصالح حماس». كما هاجم وزير الأمن الداخلي، غلعاد أردان، دعوة ميرتس وقال: «إلى أي مدى سيتدهور اليسار الإسرائيلي، الذي لا يستطيع حتى أمام منظمة تريد تدمير إسرائيل، تقديم دعم للجيش الإسرائيلي والحكومة».
وقال رئيس «المعسكر الصهيوني» آبي غباي، انه «يدعم ويساند جنود الجيش». وقال إن «حماس التي تختار مرة تلو أخرى طريق الإرهاب، هي المسؤولة عن الوضع الصعب في القطاع. ورغم ذلك، فإن المصلحة الإسرائيلية هي العثور على سبيل للتخفيف ومساعدة السكان المدنيين في قطاع غزة ومنع انهياره».
وهاجم ليبرمان الصحافي في إذاعة الجيش الإسرائيلي، كوبي ميدان، لأنه عقب على قتل المدنيين في المظاهرة السلمية على حدود غزة، بالكتابة في تغريدة له عبر حسابه على «تويتر»: «اليوم أنا أشعر بالخجل من أن أكون إسرائيليا». وقال ليبرمان: «وأنا أخجل من نفسي لوجود مذيع من هذا القبيل في إذاعة الجيش، وإذا كان يشعر بالخجل، فعليه فقط أن يستخلص الاستنتاجات ويغادر الإذاعة، وأعتقد أنه من العار أن يكون هذا مذيعا في الإذاعة العسكرية، لكن هذا جزء من واقعنا، وآمل أن يتصرف قائد المحطة حسب ما يفرض عليه».
وفي ليلة السبت - الأحد، تظاهر نحو 150 شخصيا، على مفترق «يد مردخاي» احتجاجا على سياسة إسرائيل في غزة. وقالت منظمة المظاهرة، تانيا روبنشطاين (تحالف النساء من أجل السلام): «إننا نتظاهر دعما لنضال مواطنات ومواطني غزة، ومعارضة للرد العنيف وغير المتناسب الذي واجهوه».
يذكر أن الخبراء الإسرائيليين على اختلافهم اعتبروا الموجة الأولى من «مسيرة العودة»، بمثابة انتصار عسكري لإسرائيل وانتصار سياسي لحركة حماس. أما الانتصار العسكري، فهو لأن إسرائيل نجحت بمنع الفلسطينيين من اختراق حدودها بالقوة ونفذت بذلك تهديدها. وأما حماس، وعلى الرغم من أنها لم تستطع جلب 100 ألف متظاهر كما تمنت وحضر فقط 30 ألفا، فإنها نجحت في الصعود على موجة المسيرة، التي كانت قد بدأت كمشروع لقوى مستقلة لا تنتمي إلى أي فصيل. وأصبحت في الواجهة. وتمكنت من لفت نظر العالم إلى القضية الفلسطينية من جديد. وبعد فترة طويلة، عادت القضية الفلسطينية إلى عناوين الأخبار العالمية. وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة، ودعا للتحقيق، وحتى إذا لم يحدث ذلك هذه المرة - فإن الرأي العام العالمي سيرافق منذ الآن، كل حدث وكل حركة قرب السياج.
وكما كتب الخبير العسكري، ألون بن ديفيد: «أصبح يحيى سنوار، أمس، الزعيم الأكثر أهمية في فلسطين. أكثر من أبو مازن. لقد أخرج الحشود إلى الشارع، وبعد فترة طويلة من الجفاف أعاد القضية الفلسطينية إلى الطاولة. وبمجرد أن يكون هذا هو الحال، سيجد أبو مازن صعوبة في الاستمرار في التنكيل بغزة: فإذا كان العالم يهتم بقطاع غزة، فكيف لا يدفع الرئيس لها ثمن الكهرباء والرواتب؟ صورة هذا الوضع تضمن بأن أحداث الجمعة ستكرر نفسها بشكل متفاوت في المستقبل القريب».
إسرائيل تستعد لاحتمالات التدهور... وإعلامها يركز على انتصارها عسكرياً و{حماس} سياسياً
مظاهرة يسارية ضد القتل الجماعي... واليمين الحاكم يتهم منظميها بالخيانة
إسرائيل تستعد لاحتمالات التدهور... وإعلامها يركز على انتصارها عسكرياً و{حماس} سياسياً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة